بقلم موسى الشديدي
تصوير هبة نابلسي، بعنوان ‘وجهك ليس انت؟’
شهدنا في الـ17 من أيار حفلات مثلية راقصة في حيفا بمناسبة هذا اليوم وحملات إعلامية، زوارق تحمل أعلام القوس قزح (علم المثلية الجنسية) ترفرف حول صخرة الروشة الشهيرة في بيروت، وسفارات النرويج والأورجواي وكندا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا وفنلندا والمكسيك وقبرص وفرنسا والسويد وهولندا في بيروت أعلنت جميعاً عن دعمها للمثليين في مجتمعاتنا ضد “الهوموفوبيا”، فما هذا “اليوم العالمي لمناهضة رُهاب المثلية”؟ وهل نحن في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية مصابون/ات بهذا الوباء حقاً؟ ويجب علينا الخضوع للعلاج؟
ما هي “الهوموفوبيا” ؟
في منتصف الستينيات قرر معالج نفسي أمريكي أبيض غيري الجنس (أي ينجذب إلى النساء) اسمه جورج وينبرغ صياغة مصطلح جديد هو “الهوموفوبيا”، والذي ترجم إلى العربية فيما بعد إلى “رهاب المثلية”، المصطلح هو مزيج بين كلمتين الأولى هي “هوموسيكشوال” والتي تعني مثلي الجنس (أي من ينجذب جنسيا لأفراد من نفس جنسه) والكلمة الثانية “فوبيا” التي تعني الخوف، وتم استخدامها في ميدان العلاج النفسي للإشارة إلى الخوف المرضي أو الرهاب الذي لا يتحكم به الفرد ويحتاج لعلاج.
شاع استخدام المصطلح في الغرب مشيراً إلى الرفض المجتمعي للمثلية الجنسية، والعداء والاعتداء على المثليين بالضرب والوصم والطرد من البيت والعمل، وكأن كل هذه السلوكات تحدث خارج سيطرة مرتكبيها على أنفسهم نتيجة مرض ما أصابهم اسمه “الهوموفوبيا”، وهذا ما يعفيهم بشكل ما من مسؤولية أفعالهم البشعة.
بعد أن تم النظر للمثلية “كمرض نفسي يتوجب علاجه” لأكثر من قرن من قبل هؤلاء المعالجين النفسيين الغيريين البيض، صارت اليوم أمراً طبيعياً بعينهم وفي التصنيف الطبي النفسي، بالمقابل صارت الكراهية التي رسختها هذه المؤسسة الطبية النفسية بالأساس مرضاً الآن يجب علاجه.
مازلنا محبوسين في ثنائية الطبيعي/السوي مقابل الشاذ/المنحرف على الرغم من أنها هي ما تسبب بكل معاناتنا بالأساس، ففي الوقت الذي يحاول الناشطين/ات في مجال الصحة النفسية التوعية والتخلص من الوصمة على المرض النفسي، يرسخ بهذا الشكل من يستخدم هذا المصطلح تلك الوصمة، حيث أصبحت كلمة “هوموفوب” أي المصاب بداء رهاب المثلية إحدى أكثر الشتائم انتشاراً في الغرب.
أما من الناحية العلمية فالـ”ـهوموفوبيا” لا تستوفي المعايير التشخيصية حتى تندرج في قائمة الفوبيا/الرهاب داخل التصنيفات الطبية النفسية، كرهاب المرتفعات والأماكن المغلقة والحيوانات والحشرات على سبيل المثال.
تأسيس اليوم العالمي
انتشر المصطلح كالنار في الهشيم وتم اعتماده من قبل الحركات المساندة لحقوق المثليين/ات، وتم تأسيس يوم عالمي لمحاربة هذا “الرُهاب” من قبل رجل فرنسي اسمه لويس جورج في 2004 وتم اختيار 17/أيار ليكون هو تاريخ الاحتفال بهذا اليوم، لأنه يصادف التاريخ الذي ألغت فيه منظمة الصحة العالمية المثلية الجنسية من تصنيفات الأمراض النفسية الخاصة بها.
“يرون في الممارسات المثلية الإيجابية خصوصاً نوعاً من الفحولة، وأن لعب دور المثلي السلبي يعتبر أمراً محطاً ومشيناً إلى أقصى درجة ينزل بالرجل أو الغلام الى مستوى من الخضوع لا يليق إلا بالإناث“.
انتقل الاحتفال بهذا اليوم بفعل العولمة إلى المجتمعات الناطقة بالعربية ما دفع حنين معيكي وسامي شمالي من جمعية القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني إلى كتابة مقالة تحت عنوان مكافحة رُهاب المثلية تم نشرها عام 2011، تحدثا فيها عن محدودية مفهوم رُهاب المثلية “كإطار للتغيير الاجتماعي من خلال ما جمعناه من خبرتنا الميدانية على مدى عشر سنوات من التعامل مع المجتمع المثلي بشكل خاص والمجتمع الفلسطيني بشكل عام”.
إلا أننا نجد بعض الجمعيات اليوم تتجاهل هذه الخبرة الميدانية مستمرة بالاحتفال دون تقديم أي نقد يفسر هذا التجاهل، وهنا سأسمح لنفسي في الذهاب إلى ما هو أبعد، هل توجد “هوموفوبيا” حقاً في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية؟ وهل الافتراض الذي يقوم عليه هذا اليوم في تعميم هذا الرُهاب على جميع الثقافات حقيقياً؟
تسويق “الهوموفوبيا”
الهوموفوبيا: هي الكره/الخوف الموجه ضد الشخص المثلي الجنس بسبب مثيلته، بغض النظر عن أي أمر آخر، بغض النظر عن الدور الذي يلعبه ذلك المثلي في الجنس، سواء كان فاعلاً أو مفعولاً به في جنس إيلاجي أو لم يكن، فبحسب معجم منظمة إيلجا الدولية للمثليين/ات فإن تعريف مصطلح”هوموفوبيا : الخوف، الغضب غير المعقول، عدم التسامح و/أو الكراهية الموجهة نحو المثلية الجنسية”، في الوقت الذي نجد فيه على سبيل المثال لا الحصر النيابة في حادثة كوين بوت الشهيرة عام 2001، التي تم اعتقال 52 شخص في مصر بتهمة “الشذوذ الجنسي” فيها، تقول أمام المحكمة إنها تقوم بحماية “رجولة” مصر ضد محاولات “انتهاكها”، وتساءلت عما يمكن أن يحدث لأمة “إذا هي سكتت عن أن يصير رجالها كنسائها” من خلال “الشذوذ”1، أي يبدو أن مشكلة النيابة هي كراهية الأنوثة لا المثلية ولعب الرجل “دورالمرأة” في الجنس وهذا ما يفسر أن التحقيق كان يعتمد على فحص المتهمين شرجياً (أي إجراء فحص طبي يحاول الكشف عن ما إذا تعرض المتهم للإيلاج في شرجه من قبل) فالتحقيق لم يتمحور حول ممارسة الجنس مع رجل بل أن يكون رجلاً مفعولاً به في ممارسة جنسية مع رجل تحديداً.2
عندما كشفت انجذابي للذكور أمام عائلتي أول سؤال وجه لي كان “هل تلعب دور الرجل أم المرأة في الجنس؟” أولاً هذا يكشف عن تمحور الجنس حول الإيلاج في مخيلتهم، وثانياً أنهم يستخدمون العلاقة بين الرجل والمرأة كمرجع لفهم علاقة بين ذكرين! فلو لعبت “دور الرجل” لكان الأمر مستساغاً أكثر لهم، فعلى الأقل لن أفقد “رجولتي” من خلال لعب “دور المرأة” في الجنس.
ولأننا عندما ننتقد تطبيق مفاهيم غربية بيضاء على مجتمعاتنا دون مراعاة الاختلافات الثقافية يتهموننا بعداء الغرب “الهستيري غير المبرر”، سأستشهد في كلامي بمرجع غربي على الرغم من تحفظي على العديد من العبارات والأفكار التي ذكرت فيه، إنها دراسة الذهنية العربية لرافاييل بتاي التي نشرت عام 1973 التي يذكر لنا فيها دراسة تم اجرائها على طلاب جامعيين عرب خلصت إلى أنهم “يرون في الممارسات المثلية الإيجابية خصوصاً نوعاً من الفحولة، وأن لعب دور المثلي السلبي يعتبر أمراً محطاً ومشيناً إلى أقصى درجة ينزل بالرجل أو الغلام الى مستوى من الخضوع لا يليق إلا بالإناث”3.
كيف يمكن لنا أن نسمي هذا العداء ضد المثلي السلبي فقط رُهاب مثلية في الوقت الذي ينطوي العداء ذاته على تبجيل من نوع ما للمثلي الإيجابي الذي يلعب دور “الرجل”؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال استخدام ذات المفهوم الغربي في وصف هذا العداء لأنه وببساطة الثقافات مختلفة.
لدرجة أن عالم الاجتماع المغربي خالد دوران لحل هذه المعضلة لا يعتبر الفاعل في الممارسة الجنسية المثلية في البلاد الناطقة بالعربية مثلياً! فيفول في كتابه المثلية الجنسية والإسلام واصفاً الشركاء “الإيجابيين” بأنهم “ليسوا سوى أشخاص لديهم ميول للمثلية الجنسية” أو يعانون من “مثلية جنسية طارئة”4.
أي إن هذه الكراهية يمكن أن تسمى كراهية أنوثة أو كراهية المفعول به لكنها لا يمكن تسميتها “هوموفوبيا” بأي شكل من الأشكال، لأن موضوع كرهها ليس المثلية بحد ذاته وإنما لعب دور سلبي/أنثوي داخل الممارسة المثلية في الوقت الذي يعتبر المثلي الإيجابي قد أثبت رجولته للتو.
فلماذا نبذل كل هذا الوقت والجهد والموارد لنسوق مفاهيم خرافية غير مرتبطة بالواقع المحلي، في الوقت الذي نترك فيه المحاور الأساسية للمشكلة، مثل كراهية الأنوثة والذكورة السامة ومحورية الإيلاج في الجنس داخل الخيال الجمعي والمعيارية الغيرية؟