تصوير عامر سويدان
بوست برودكشن يزن الزعبي
مكياج ريم جرهوم
تصفيف الشعر صالون نارت للتجميل
تصميم فادي زعمط
الشخصية\عارضة الأزياء – رزان
الإخراج الإبداعي: خالد عبد الهادي
مشرف المقال: موسى الشديدي و بيثان ستاتون
بقلم ديما تنير
ترجمة: إ.خ.ق
روبي هو اسم ذاك الحجر الكريم ذو اللون الأحمر الداكن، أما في الشرق الأوسط فإن هذا الاسم مرتبط مع نجمة غناء البوب المصرية والتي لطالما اقترن اسمها بالإشاعات السيئة والتشهير. اختار هذا الاسم بعناية المخرج السينمائي الراحل يوسف شاهين لروبي تلك النجمة التي، كما هي حال الأحجار الكريمة، فهي تستحضر الشهوانية والإغراء.
في عام 2004، كان ظهور روبي الجريء في الكليب الغنائي “ليه بيداري كده؟” سببا في إثارة جدالات طويلة. في هذا الكليب الغنائي والذي أخرجه المثير للجدل شريف صبري، أظهر المخرج روبي بصورة جنسية مثيرة مقارنة بما كان يعرض على شاشات الشرق الأوسط في ذلك الحين والذي كان يتسم غالبا بالحشمة. حيث ركز المخرج على أخذ لقطات يظهر فيها جسد روبي كاملا وهي تحرك وركيها جاعلا الكاميرا تنتقل تاليا لتصورها عن قرب وتأخذ لقطات لنظراتها الحادة المغرية أثناء تمرنها على ما يشبه آلة التبديل الموجودة في صالات اللياقة تارة، وتارة أخرى أثناء رفعها زوجا من الأثقال. وقد أثار عرض الجسد الأنثوي مع التحديق المغري والجريء الانتقادات في المنطقة العربية. حيث كان ذلك نادر الحدوث في مصر، خاصة بعد موجة الرقابة الصارمة على السينما والتلفزيون خلال التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. وكثيرا ما تعرضت روبي للتقليد بهدف السخرية من هذا الكليب الذي يرمز للإثارة الجنسية على الشاشة، بل إن الأمر تعدى ذلك خاصة بعد موجة الهوس بتصوير الكليبات الغنائية المثيرة والتي ازدهرت مؤخرا على قنوات تلفزيونية مثل ميلودي ومزيكا. إلا أن الشارع العربي المليء بالتلصص والتحرش الجنسي لم يكن مستعدا لهذه الموجة الجديدة من الكليبات الغنائية.
وفي سياق تقنيات الجسد، يصف مارسيل ماوس التغيرات التي لاحظها في مشية الإناث في الشوارع الأمريكية، والتي انتقلت، بفضل تأثير السينما، في وقت لاحق إلى فرنسا. في هذا السياق فإن روبي ترمز لتلك المشية الجديدة – المشية المغرية على الدواسة ترافقها تلك النظرة الثاقبة. إنها الصورة التي ابتدعتها النظرة الذكورية نفسها. ومع ذلك، فإن مشية روبي لا تنتشر في الشوارع والطرقات فهي لا تزال مقتصرة على الشاشة المسطحة. فالشوارع، حيث الاحتشام فيها تحت السيطرة، تبتعد عن الشاشة الصغيرة وطريقة عرضها الصارخة للإغراء.
ولكن يبقى الجسد موضع تركيز واهتمام سوآءاً كان ذلك على الشاشة أو في الشارع فالأمر سيان. ففي الشارع العربي وعلى شاشة التلفزيون تزيد أهمية الجسد فلا يمكن للمرء تجنبه أو تجاهله. وفي حالة روبي، يصبح الجسد نتاج ما هو مخفي في الشوارع: حيث يتم تفريغ الجسد الذي نراه في الشارع من الجسد المعروض على الشاشة، وبذلك فإن الجسد المخبأ في الشارع يعرض وبشكل صارخ على الشاشة. وحتى النظرة فهي أيضا تختلف باختلاف المكان، فالنظرة في الشارع متوارية ومتلصصة، أما على الشاشة فهي مثبتة نحو روبي لحظة ظهورها. يصف عبد الوهاب المسيري هذه الظاهرة بالفصل بين ما يظهر في الفيديو كليب من جهة، وما يجري في الساحتين السياسية والاجتماعية من جهة أخرى. هذا الفصل يمهد الطريق لحصول تناقض بين ما يمكن قبوله في الشوارع وما هو مقبول على الشاشة.
في إحدى المرات علق المخرج الفرنسي جان-لوك غودارد، أحد مناصري السينما الحديثة في فرنسا، علق قائلا “نحن ننظر بفخر نحو شاشة السينما وننظر بازدراء إلى شاشة التلفزيون”. ما يهمنا في هذا الموضوع فهو ليس الفرق بين السينما وشاشة التلفزيون، بل ذاك الجزء المتعلق ب “النظر إلى أسفل”. فروبي مدركة تماما لهذا الاعتبار المتدني فهي تحدق عمدا في عينا ذلك المتلصص المتمتع بمنظر جسدها المتلوي، ولكنها تحدق أيضا في المراقب المتعال والناقد لظهور روبي الجريء. وبمعنى ما، فإن تسطيح روبي وحبسها على الشاشة، هو ميزة لها. فعادة ما يكون من الصعب، في شارع عربي، كشف الجسد والنظر بثبات بعين المتلصص بنظراته نحو الجسد المكشوف. أما على الشاشة، تصبح المهمة أسهل وأكثر فعالية.
هذا ما يسمى “بالرقص الأفقي” وهي تسمية أطلقها المسيري. ففي الواقع تكون الرقصة الشرقية الكلاسيكية عمودية الشكل، أما في الكليب الغنائي فالرقصة تحدث أثناء الاستلقاء، مما يعني أن إغراء المشاهد ودغدغة حواسه إنما هي بفعل سحر حركات الكاميرا أثناء تصوير ذلك الجسد الراقص والمذهل. أما بالنسبة “لسحر الكاميرا ” وهذه الألعاب البهلوانية، فهنا يجب طرح سؤال آخر. من هو الجمهور المستهدف؟ ولمن تتوجه نظرة روبي في كليباتها؟
إن إنشاء عربسات ونايل سات خلال السنوات القليلة الأولى من التسعينيات، جنبا إلى جنب مع أوربت، وتلفزيون دريم، وتلفزيون النيل، وقنوات آرت، وإم بي سي التلفزيونية، غير المشهد الثقافي في العالم العربي إلى الأبد. فمنذ التسعينيات من القرن الماضي إلى أوائل القرن الحادي والعشرين ظهرت قنوات كابل جديدة مثل قنوات ميلودي، ومازيكا وروتانا، حيث تبث بشكل مستمر فيديوهات غنائية مسجلة على طريقة الفيديو كليب. وجاءت موجة الهوس بالفيديو الكليب في العقد الأول من هذا القرن بعد اكتساح موضة أشرطة الكاسيت خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي حيث كان لتلك الموجة الأثر الكبير في إحداث تغيير في عالم الموسيقى في تلك السنوات. إلا أن ذلك الهوس بقنوات الكليبات الغنائية أحدث أمرا مختلفا لأن ما خلقه بالمفهوم الاقتصادي هو رأس مال بصري جديد أسس على نظرات متبادلة بين المشاهد ومن يظهر في الكليب الغنائي على الشاشة. هذا الرأسمال البصري أدخل الجماهير في علاقة مباشرة ومستمرة مع مشاهير التلفزيون ونجوم الغناء، مما أدى إلى ظهور رأس المال “المشاهير” الجديد، بمفهوم اقتصادي أيضا، حيث دخل المشاهير مرئيا في التصميم الداخلي للبيوت. لقد كان هذا الانتماء حديثا، ومنه ازدهرت روبي. وإدراكا منها لتلك النظرة المتجهة نحوها، فإنها تبادلها في اعتراف منها بتلك العلاقة الحديثة الحميمة وتأكيدا منها على نجوميتها أيضا. نظرة روبي الأنثوية تلك والتي بادلتها جمهورها، لها ما يبررها.
إذا كانت روبي هي الضيفة الدائمة الجديدة على الأسرة العربية، إذن، من هم مضيفوها؟ إنهم الأزواج والعائلات والشباب والشابات في المنطقة العربية، الذين تأثروا تأثرا مباشرا بموضة الكليبات الغنائية التي اخترقت مجال رؤيتهم، مما أثار ذعرا أخلاقيا.
فقد كشفت عدة مقالات في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن ارتفاع معدلات الطلاق في العالم العربي، وعزت ذلك إلى سبب محدد جدا. ويرى معلقون أن السبب في ذلك هو روبي ومعها نجمات أخريات في تلك الحقبة من بينهن، على سبيل المثال لا الحصر، نانسي عجرم وإليسا وهيفا وهبي. وفي مقال نشرته مجلة العربية في عام 2007، تحدثت الدكتورة عزة كريم حول العلاقة بين تعرض الرجال المتزوجين لنجمات الغناء على شاشات التلفاز في بيوتهم، ومقارنة تلك النجمات المثيرات جنسيا مع زوجاتهم ذوات المظهر المتواضع والبسيط. ومع أننا ينبغي أن ننظر لمثل هذه المواد الإعلامية بحس فكاهي، إلا أنها توضح التوتر الذي خلقه ذلك “الضيف الجديد” في المنزل. فقد تأثر كلا من الرجال والنساء بالمعايير الجمالية والجنسية الجديدة لنجمات الغناء. فبالنسبة لأفراد الأسرة الذكور، تصبح روبي هي الآخر المرغوب افتراضيا. وأما بالنسبة للإناث، فروبي هي مرآتهن الافتراضية.
الديناميات الجنسانية
ولكن هل نظرة روبي هي نظرة تحد وتحرير، وتمكين للمرأة في جميع أنحاء العالم العربي لتتحدى الجنس الآخر؟ أم أنها ببساطة تتحدى الأعراف والتقاليد؟ في هذا السياق يضع المخرج الوثائقي والباحث هاني درويش المعجبين بنجمات الغناء المثيرات جنسيا في نفس الفئة التي تستشاط غضب من قبلهن: فكما يقول إن كلا من الفئتين، على حد سواء، “تتشارك بوجهة نظر واحدة تجاه المرأة تتصف بأنها نمطية ومهينة”.
فمن جهة، يشجع المؤيدون على التكيف مع ديناميات النوع الاجتماعي الغربية والتي تزعزع تطور النوع الاجتماعي في العالم العربي. ومن ناحية أخرى، فإن منتقدي هذه النجمات المثيرات جنسيا يروجون لخطاب حديث ومعتدل ترجع أصوله للفيلم العربي في الخمسينيات والستينيات، والذي انتهى مع ظهور التلفزيون الفضائي. على أية حال، فإن نظرة روبي استحوذت على انتباه كلا الطرفين. أما بالنسبة للنسويين/ات فقد ألقوا باللوم أيضا على شريف صبري لعرض المرأة كمنتج استهلاكي أو أسوأ من ذلك، ك “لحم”، كما وجه لروبي الانتقاد بسبب ملابسها الكاشفة وتصويرها بهيئة أنثوية وطفولية معا، وخاصة في كليبها الغنائي “ليه بيداري كده؟”
“تمثيل روبي هو نتاج ثانوي لكل من تفسيرها الخاص ومفهوم المخرج عن جنسانية الأنثى. فهي لا تقتصر على اختيار روبي الحر بالاحتفال بأنوثتها.”
وتقترح الباحثة Ouidyane Elouardaoui أن روبي “تجسد الاتجاه الذي يحكم مرحلة ما بعد النسوية”، والفكرة القائلة بأن حقوق المرأة قد تحققت، وأن المناقشات حول التحيز الجنسي وعدم المساواة بين الجنسين لا معنى لها. وتشير أيضا إلى أن الإغراء الجنسي يثير السلطة الأبوية بدلا من أن يتحمل المسؤولية عنها.
ولكن تمثيل روبي هو نتاج ثانوي لكل من تفسيرها الخاص ومفهوم المخرج عن جنسانية الأنثى. فهي لا تقتصر على اختيار روبي الحر بالاحتفال بأنوثتها. بمعنى أن روبي كشخص تتطلب فضول يتعدى حدود الجدلية حول كليباتها الغنائية. حيث أنها كمركز نقاش وجدال، فهي تجسد أكثر مما يمكن لنجمة أن تحمله. ورفضت الرقابة التي تلت إنتاج الأفلام في الثمانينيات مع وصول الفضائيات، التي جلبت معها أيضا روبي كامرأة أعادت النقاش حول الجنسانية والاحتشام بعد أن دخل في مرحلة سبات عميق مع وفاة أنور السادات والعودة التدريجية للشخصيات الإسلامية إلى السلطة في مصر.
في عام 2015، تضاءل النقاش حول روبي أو زميلاتها من نجمات الغناء العربي. وادعى الميرنيسي أن هذه المقاطع الموسيقية كانت ترفيهية بحتة، هدفها تشتيت انتباه الجماهير عن الأحداث الجارية. في الوقت الحاضر، تلاشى ادعاء الميرنيسي أيضا. فقد مضى أحد عشر عاما على ظهورها الجريء، وقد تم دفن الانتهاك والقذف ضد روبي تماما، باستثناء بضع مقتطفات عنها في الصحافة. أما الإنجاز الذي حققه هذا الهوس بتصوير الكليبات الغنائية على طريقة الروبي فقد كان تبسيط مبادلة النظرة الأنثوية تلك والجنسانية الأنثوية الجازمة التي كانت مخبأة سابقا في الأفلام وفي التلفزيون لأكثر من عقدين.
وفي حين أن حالة الهوس بروبي تتراجع إلى الماضي، سؤال واحد يصبح ذا صلة أكثر: متى سيصبح هذا الموضوع ساخنا مرة أخرى؟ إن ما أنجزته روبي بكثير من الجرأة والذكاء، يمكنه، بل وينبغي له أن يتحدى مرة أخرى الوضع الراهن للديناميات الجنسانية والخطابة البصرية في العالم العربي الحالي.
لقد سبب هذا الهوس بتصوير الأغاني على طريقة روبي، طلاقا بين ما يعرض على الشاشة المسطحة وما يحدث في الشارع حتى إشعار آخر. فقد أثارت مثل تلك الكليبات التعجب داخل الأسرة وأثارت أسئلة تتعلق بالديناميات الجنسانية خارج الخطاب النسوي الأكاديمي وداخل إطار الوسط الغنائي. ومع ازدياد الفجوة بين الشارع والشاشة، وتبني كلا منها نظام قيم مستقل، تبقى روبي هي المحرضة للنظرة الجريئة التي تبادل بها المتفرج، مع اعترافها بها بل وإثارتها لها.