بقلم: مجلة ماي كالي
تصوير: ملك قباني
إخراج إبداعي: يوسف السيد
تلبيس: زهرة إسماعيل
Chiharu Wakabayashi :مكياج
Masayoshi Fujita :شعر
معالجة الصور والطباعة: حسين سالم
مساعد تصوير: طه عزي
هذا المقال من عدد الذبذبات
1كانت انطلاقة فنانة الدي جي ومنتجة الموسيقى اللبنانية البريطانية ساليا من مشهد حفلات الدرم والباس الصاخبة في لندن، وفي سن الخامسة عشرة، كانت ساليا تمزج موسيقى أسطوانات الفينيل في منازل أصدقائها، وسرعان ما أدت أول عروضها الفنية، واليوم هي معروفة بمزجها بين موسيقى البوب العربية والموسيقى البريطانية، وقد كانت في جولة عالمية منذ عرضها الأسطوري الأول 2في نادي بويلر روم عام 2022، كما بيعت تذاكر جميع عروضها الرئيسية وسجلت رقمًا قياسيًا جديدًا في الأماكن التي تتردد في تقديم عروض نسائية بالكامل، كما تواصل عملها خلف الكواليس من أجل الإدماج والتنوع في هذا المجال.
التقيت ساليا في أحد المقاهي في لندن العام الماضي، حيث كانت تستعد لتقديم آخر عروضها الرئيسية لعام 2023 بعد إضرابها احتجاجًا على الحرب الدائرة على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع استمرار الحرب، وتزايد استقطاب العالم، تكتسب الأشياء معاني مختلفة؛ فبعد أن ألغت العديد من الأماكن عروض فنانين/ات على خلفية تعبيرهم/ن عن دعمهم/ن للتحرير الفلسطيني، لم تعد الحفلات مجرد سلسلة من اللحظات المبهجة، بل وسيلة لتأكيد حضورنا والتعبير عن غضبنا وشعورنا بالانتماء.
لنبدأ باسمك، هل هناك قصة وراء تسميتك به؟
كيف بدأت عملك بصفتك فنانة دي جي في مشهد حفلات “الدرم والباس”؟ وكيف تطور مع تطور التنكلوجيا؟
كنت جزءًا من هذا المشهد في الفترة بين عامي 2008 و2015، كانت هذه الحفلات شعبية للغاية في المملكة المتحدة، ولا تزال كذلك، لكنها كانت أكبر وأكثر شهرة، وكان أصدقائي وصديقاتي مهتمين/ات بها، وعندما كنا نقضي بعض الوقت معًا بعد المدرسة، كنا نذهب إلى بيت من لديه جهاز لتشغيل الأسطوانات من بيننا ونسمعها ونمزج الموسيقى معًا ونحاول التفوق على بعضنا في فعل ذلك.
تغيرت التكنولوجيا بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، كان التحول هائلًا؛ فعندما بدأت العمل لم يكن فنانو/ات الدي جي يستخدمون الأسطوانات الرقمية، ثم كان علينا أن نتعلم التحول من استخدام الأسطوانات الفينيل إلى الأسطوانات 3الرقمية ثم الـ يو إس بي .
تصوير: ملك قباني، معالجة الصور: حسين سالم
كان تخصصك هو التصميم الجرافيكي، فكيف ومتى شققتِ طريقك إلى عالم الموسيقى؟
أصف نفسي بأنني “ممارِسة مبدعة تهدف إلى التغيير الاجتماعي”، وقد عملت لحسابي الخاص معظم حياتي، وكنت أعمل على وجه التحديد مع الشركات التي كانت تفعل شيئًا له أثر اجتماعي، وكنت أريد أن أعمل في مجال تصميم الخدمات، الذي يهدف إلى تصميم الخدمات للمجتمعات المحلية، وكنت مهتمة كثيرًا بمثل هذه الأشياء، وكنت أبتكر مشروعات فنية لجمع التبرعات أو زيادة الوعي بقضية ما (الأزمة الإنسانية في سوريا، ونظام الكفالة في لبنان، إلخ.).
تغير هذا الوضع عام 2023 بعد العرض الذي قدمته في نادي بويلر روم؛ فلم يكن لدي خيار سوى التوقف عن العمل في مجال التصميم الجرافيكي وتوجيه كامل اهتمامي للموسيقى، وأنا في جولة عالمية منذ يناير/كانون الثاني 2023.
هلا تحدثتِ أكثر عن كيف كان العرض الذي قدمته في نادي بويلر روم نقطة تحول بالنسبة لكِ؟
في كل مرة أقدم فيها عرضًا، أفكر فيه كما لو أنه عرضي الأخير؛ فأنا أهتم كثيرًا للتجربة التي يختبرها الناس في عروضي، لأنهم يأتون من بلدان مختلفة للاستماع إلى موسيقاي، وهذا شيء مذهل، وأنا أريد أن أقدم للعالم ما أود الحصول عليه لنفسي ولا أريد أن أصاب بالغرور والعجرفة، ومجال الموسيقى فاسد للغاية؛ فهو مليء بالمغرورين والمتحكمين، وأنا أريد تفكيك ذلك.
شعرت أن هذا العرض يمكن أن يكون فرصتي الوحيدة لمشاركة عملي، فعملت بجد، وتدربت لساعات، وفكرت في كل مقطع انتقالي بدقة بالغة، وحررت كل مقطع موسيقي (تراك) للتأكد من تقديم كل ما أريد في ساعة واحدة فقط، كما أنتجت خمسة مسارات من أجل هذا العرض لأنني أردته أن يكون لحظة محورية، شيئًا يمكن أرشفته كبيان وقصة وسردية.
حاولت إظهار قدرتي على مزج الأنواع المختلفة بدايةً من الهيب الهوب وانتهاءً بالدرم والباس، وقد روى هذا العرض قصة حياتي وتحدث عن هويتي و”عنّا”، كما تضمن بعض الأغاني القديمة مثل أغنية الفنانة الجزائرية وردة “بتونس بيك”، وقد كان من المهم لي أن أقدم هذه الأشياء؛ فقد أردت أن أخلق تجربة أشبه بالموال، تبدأ بطيئة وإيقاعية ثم تتحول إلى شيء مبهج، ثم يكون هناك عنصر الصدمة الذي يخلقه دمج ألحان غربية، وكان هذا هو الجو العام الذي أردته.
هلا أخبرتني عن ردود الفعل التي تلقيتها وكيف شعرت حيالها؟
الأمر مذهل! كان من الواضح أن الأغنية المفضلة لدى الجمهور هي “الحنطور”، وقد سئمت منها بعض الشيء لأنني ألعبها كل أسبوع، لكن عندما أرى ردود فعل الناس، أقع في حبها من جديد، وأظن أنها واحدة من أوائل “الريمسكات” لأغنية عربية باستخدام الباس في المملكة المتحدة، وأشعر أنني ألهمت الكثير من الناس لمحاولة ابتكار “ريمكسات” عربية وأنماط مختلفة من المزج.
وأنا أحاول تقديم الموسيقى البريطانية، لكن الكثيرين يظنون خطئًا أنها موسيقى “التكنو”، وفي مصر، ظن الجمهور أنني سأقدم عرضاً لموسيقى التكنو؛ ففي المنطقة، يظن الناس أن أي موسيقى يتراوح إيقاعها من 135 إلى 140 دقة 4في الدقيقة وإيقاعات الكيك 5و السنير 6و الهاي هات هي من نوع التكنو، وقالت لي منتجة صديقة إن الأمر لا يهم كثيرًا وأن لا فرق عندها بين التكنو وغيره من الأنواع، وأنا أعلم أنه لا ينبغي لنا التركيز على الفروق بين الأنواع الموسيقية، لكن ثمة تاريخ لها ولكل نوع سياق خاص به.
نشأتِ بين الكويت والمملكة المتحدة، ولهذا تعرضت لمزيج من التأثيرات الثقافية المختلفة، فهلا أخبرتنا عن ذلك؟
في الكويت، كنا متأثرين/ات للغاية بالهيب هوب الأمريكي بسبب حرب الخليج، وكان الأمريكيون نوعًا ما متخلفين عن الآخرين كعادتهم [تضحك وهي تقول ذلك]، وكانت الكويت في هذه الفترة مثل بوتقة تجمع الكثير من المؤثرات، لا سيما من الثقافات الإفريقية والهندية، وكانت “فرقة ميامي”، وهي فرقة كويتية عربية إفريقية كثيرًا ما كانت تدمج السامبا البرازيلية في موسيقاها، واحدة من فرقي المفضلة، وقد كنت أستمع إليها أثناء نشأتي أكثر مما كنت أستمع إلى الموسيقى اللبنانية أو الشعبية، وقد جذبني هذا إلى أشكال مختلفة من الأصوات والموسيقى.
وعندما انتقلت إلى المملكة المتحدة وعشت في منطقة غالبيتها من البيض، شعرت بانفصال شديد عن ثقافتنا العربية، والمجتمع الذي شعرت بأكبر قدر من الارتباط به هو مجتمع السود، الذي ساهم إلى حد بعيد في صناعة الموسيقى البريطانية لدرجة أنه لم يكن ليصير لهذه الموسيقى وجود لولا إسهاماته؛ حيث يستمد الفنانون/ات البريطانيون/ات السود موسيقاهم/ن من جذورهم/ن وأصولهم/ن، سواء من منطقة الكاريبي أو من القارة الإفريقية، ويمكنك سماع ذلك في ثقافة “المنظومة الصوتية” الجامايكية، وهذا ليس بالشيء الهين في المملكة المتحدة، وقد غيرت هذه التأثيرات نظرتي للموسيقى.
كنت تقومين بجولة عالمية، فهل تغيّرين عروضك بتغير الجمهور؟
في كل بلد أقدم فيه أعمالي، أحاول أن أدمج موسيقى أو أغنية يشعر الجمهور المحلي بالارتباط بها، وأحاول إدخال هذه العناصر بطرق مرحة وغير متوقعة؛ فأسلوبي في المزج يعتمد على عامل الصدمة، ودائمًا ما أضيف “ريمكسات” جديدة عملت عليها بين العروض، وأنا أرى صناعة العروض مثل على أنها إنتاج للأداء بدلًا من كونها مجرد مزج للموسيقى والأغاني.
هل اصطدمت بالرقابة في أي من هذه السياقات؟
أجل، واجهت الرقابة في بعض البلدان؛ على سبيل المثال، لم يُسمح لي مرة بتقديم أحد العروض وأنا أرتدي الجلابية، حيث قالت الجهة المنظمة إن هذه قد يسبب مشكلة، ورفضت الشرطة ذلك رفضًا قاطعًا، وهذا لأني امرأة؛ فقد قدم رجل أبيض عرضًا مرتديًا جلبابًا في الأسبوع السابق لذلك.
تحمل الجلابية رسالة قوية، وأنا أراها من منظور خليجي وليس لبناني، ولهذا كان العديد من المصريين واللبنانيين يرون أن مكانها هو البيت فقط، لكن من منظور خليجي، فهي شيء يرتديه الجميع في الحفلات والأعراس، ويتأنق الناس بارتداء الجلابيات المبهرة للذهاب إليها.
أشعر كما لو أنني ملكة جر عندما أرتديها، وكأنني بطلتي الخارقة؛ ففي سياق الأداء، تمثل لي الجلابية الحرية والتحرر من المجتمعات الأبوية، وهي تمدني بالكثير من القوة والثقة، كما لو أنني أقول للعالم “وماذا في ذلك، يمكننا أن نفعل أشياء لا يُتوقع منا أن نفعلها بصفتنا نساء”، وهذا الموقف قوي للغاية، ومن المذهل عدد النساء اللاتي يحضرن حفلاتي – أعتقد أنهن يشعرن بالأمان لحضورها، وقد صارت الجلابية التي ارتديتها في “بويلر روم” شيئًا أيقونيًا، وأصبح ارتداؤها في الليلة التي أقدم فيها عرضاً لأول مرة في بلد جديد تقليدًا.
تصوير: ملك قباني، معالجة الصور والطباعة: حسين سالم
7ساهمتِ أيضًا في العديد من المشروعات المجتمعية، بما في ذلك “فيوتشر فيميل ساوندز” 8و”سافرون ريكوردز” 9و”هايفن فور أرتستس” وغيرها، فهلا حدثتينا عن ذلك؟
أفكر كثيرًا في الإرث الذي أن أتركه ورائي، ولا أعتقد أنه كان لديّ الكثير من النماذج التي يُحتذى بها، بصفتي امرأة، لا سيما امرأة عربية في مجال موسيقى الدي جي.
في وقت ما، كان هناك خلاف كبير بيني وبين معلمي – لتوضيح الأمور، إنه رجل عربي متوافق الهوية الجندرية، وفي إحدى محادثاتنا الأولى قال لي “أنا لا أعارض وجود النساء في مجال الدي جي، لكني أرى أنهن لا يقدمن أفضل ما لديهن”، ولا تسيئي فهمي، فهو داعم لي للغاية ويرى أن ما قاله إشكالي، لكن كلامه هذا واقع بالنسبة للكثير من النساء في المجال، والنساء العربيات تواجهن الكثير من العقبات؛ فليس لدينا الامتيازات ذاتها لتقديم العروض، وليس لدينا امتياز “اعملي اللي بدك إياه”، ويتعين علينا النضال بقوة أكبر لتقديم أفضل ما لدينا.
الوضع الآن ربما يكون أفضل، لكن عندما دخلت مجال الموسيقى، كان مقدار ما تعرضت له من تحرش جنسي هائلًا، فذات مرة، سألت دي جي في محطة إذاعية شهيرة في مشهد الدرم والباس عما إذا كان لديه أي مسارات لم يتم إصدارها يمكنني لعبها، أجاب “إذا أرسلت لي بعض الصور العارية، فسأرسل لك بعض المسارات”، ومثل هذه الأشياء تحدث كثيرًا، في بعض الأحيان، كنت أشاهد الرجال حرفيًا يغيرون أكبر عدد ممكن من الإعدادات قبل مجيئي، لأنهم يريدونني حقًا أن أخفق، والحيز المتاح للنساء قليل ويتم تحريضنا ضد بعضنا بعض.
لا أريد أن أتنافس مع امرأة أخرى ليكون لي مكان في هذا الحيز، وإذا كان بوسعي تعليم فنانة ما أي شيء عن المجال وكيفية المضي قدمًا فيه -أو على الأقل- تجاوز العقبات التي واجهت صعوبة في التعامل معها، وهذا هو جوهر الأمر بالنسبة لي، جعل النساء يشعرن بالأمان أثناء تعلم شيء جديد.
عندما قدمت ورشة عمل لموسيقى الدي جي في “هايفن فور أرتستس” في بيروت، أخبرتني العديد من النساء أن العديد من استوديوهات الدي جي في بيروت كانت ترفض النساء أو تدفعهن إلى المغادرة، وقد تلقيت طلباً من فتاة كانت تقدم بالنيابة عن أمها للمشاركة؛ فلطالما كان حلم الأم أن تصبح فنانة دي جي، لكن لم تقبلها أي مدرسة من مدارس تعليم الدي جي في لبنان لأنها في الخمسينيات من عمرها وترى هذه المدارس أنها كبيرة في السن للغاية، لكني قبلتها على الفور وكانت سعيدة للغاية، وقد أثلج صدري رؤيتها تحضر ورشة العمل.
إذا لم يكن لنا وجود في هذه المساحات، وإذا لم نكن نتخذ هذه القرارات، فإننا لن نفتح الأبواب لغيرنا، ويتعين علينا أيضًا أن نفكر في كيفية فتح المزيد من الأبواب للعرب الأفارقة والشعوب الأصلية من المنطقة لأن الشوام يهيمنون على جزء كبير من صناعة الموسيقى.
كنت تتحدثين بصراحة عن الإبادة الجماعية التي تحدث في فلسطين، فما هي ردود الفعل التي وصلتك من المملكة المتحدة وأوروبا على ذلك؟
كنت مهتمة للغاية بالسياسة منذ بداية مسيرتي المهنية بصفتي مصممة وفنانة دي جي، والموسيقى شيء سياسي، سواء أعجبنا ذلك أم لا، فقد بناها السود وذوي البشرة البنية والسكان الأصليين، كشكل من أشكال المقاومة، وعلينا تحمل مسؤولية التحدث عن هذه الأشياء، ومن غير المنطقي أن نتوقع من الفنانين/ات أن يكونوا/يكنّ بلا قيم أو نزاهة أو ذكاء أو خبرة في هذه الأشياء، وبالنسبة لي، وجودي نفسه، بصفتي إنسانة، شيء سياسي وانتهى.
تصوير: ملك قباني، معالجة الصور: حسين سالم
هلا تحدثت أكثر عن بعض التحولات التي لاحظتها، سواء في الغرب أو في المنطقة، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023؟
في أوروبا، هناك مخاوف بشأن سلامتنا، ونتحدث إلى النوادي عن اتخاذ احتياطات أمنية أكثر، ولم نكن نفعل ذلك من قبل، وقد لاحظت تغيراً في طاقة الناس؛ فهناك شعور عام بالإرهاق والحاجة إلى التضامن الاجتماعي، حتى وإن كان ذلك من خلال الرقص أو الاستماع إلى الموسيقى كوسيلة للتعبير، وأن نتواجد في مكان ما تصدح فيه أغاني بلغتنا وأن نعرف أن غالبية الناس من حولنا يشاركوننا الحزن ذاته لأمر يثير في النفس الفرح والحزن في آنٍ معاً.
كان تقديم العروض في أوروبا مختلفاً عنه في المنطقة؛ فإذا ما قارنت بين العروض التي قدمتها في بيروت في 2023 ثم في 2024، يصبح الحزن وفقدان الطاقة الذين شعرت بهما جليين لدرجة مؤلمة، وكان شعوري بالثقل أكبر بعد العرض الذي قدمته في يونيو/حزيران 2024، وكنت أجلّت تقديم العروض في بيروت لمدة طويلة لأنني لم أقدر على فعل ذلك بينما كانت عائلتي في الجنوب يسمعون أصوات القنابل التي كانت قريبة منهم لدرجة أن بيتهم كان يهتز، وغالباً ما كنت أتواصل معهم لأشاركهم قلقي ومخاوفي، وكانوا يقولون لي دائماً إن هذا عملي وإن علينا أن نستمر.
انضممتِ إلى إضراب عالمي للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة لمدة شهرين، فما الذي جعلك تقررين العودة إلى العمل مرة أخرى وإحضار آرائك السياسية إلى مساحات الأداء؟
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتني إلى العودة هو أنه كان لدي حجوزات مسبقة بالفعل، وبدلًا من إلغائها، فكرنا أنه من الأفضل المضي قدمًا فيها واستخدام الفعاليات لجمع التبرعات للناشطين/ات المحليين/ات، وهذا ما فعلته في ميلانو، وما سأفعله في برلين وأمستردام، ولو كان الأمر متروكًا لي حقًا، فلا أعتقد أنني كنت سأعود بهذه السرعة، وأعتقد أن للأمر علاقة بطريقة تربيتي الإسلامية، فأهلنا غير معتادين على ثقافة ارتياد النوادي الليلية، أليس كذلك؟ ولهذا لا يرون تجربتنا مع تقديم العروض فيها كشكل من أشكال المقاومة، بل مجرد حفلات.
كنت أشعر بالحزن الشديد والحداد على أهلنا في فلسطين؛ فما يحدث غير معقول، وهناك مراحل مختلفة للحزن، والآن أنا في مرحلة الغضب وأريد أن يكون لي صوت عال وأن يكون لي وجود وأحيانًا أريد أن أبقى في المنزل وأنعزل، وعندما عدت إلى العمل وقدمت عرضًا في ميلانو، كنت قد أعددت مجموعة من الأغاني الحزينة والكئيبة، لكني شعرت أن الجمهور يحتاج إلى الفرح والبهجة، ليس على سبيل النسيان بل على سبيل البهجة المليئة بالغضب والتحدي، وأنا أبحث دائماً عن أسباب لأواصل تقديم العروض، لكن بمجرد أن أقف على خشبة المسرح، أجد أن الجمهور يذكّرني بأهمية فعل ذلك؛ فالبنسبة للعديد من الأشخاص، تمثل عروضي فرصة للشعور بالاحتواء وبأن هناك من يسمعهم/ن، ولن نسمح للنظام الصهيوني بتدمير إيماننا ووحدتنا.
الآن، أبدأ عروضي بالتحدث عبر الميكروفون وتهيئة الجو العام في المكان، وأذكّر الجمهور بأنني لا أؤدي هذه العروض لتكون فرصة للنسيان، بل للقاء بعضنا وتجديد طاقتنا والنضال بقوة أكبر ضد الاحتلال ومن أجل تحرير فلسطين ولبنان والسودان وغيرها، وأنا أعلم أن هذا النهج ليس مثالياً، لكن لا شيء كذلك، ونحاول جميعنا التعلم وفعل ما في وسعنا، وقد عملت أنا وفريقي بجد لضمان ألا تكون الأموال التي نحصل عليها والأماكن التي نؤدي فيها غير تابعة لمنظمات صهيونية، وقد فعلت ذلك لأعوام، ولكننا رأينا كيف أن منظمات ومؤسسات كنا نعدها حليفة قوية لنا اتخذت مواقف “حيادية” أو حاولت فرض الرقابة على عملنا، ولن أعمل معها مجددا، ونحن مسؤولون/ات بصفتنا فنانين وفنانات عن بذل العناية الواجبة عند اختيار الأماكن التي نقدم عروضنا فيها والمجموعات التي نصبح جزءاً منها لنتأكد من توافق قيمها مع قيمنا.
من الصعب التفكير في المستقبل بينما نشهد كل هذا الدمار، لكن هل تودين اختتام مقابلتنا بمشاركة بعضًا من خططك المستقبلية؟
أريد التوجه نحو الأداء الحي والمباشر، وأنا أتصور نفسي أذهب في هذا الاتجاه بصفتي مؤدية وفنانة، وليس بصفتي دي جي فحسب، وأنا أنتج موسيقاي بالفعل، لكني أريد إصدار المزيد من الموسيقى الأصلية، والتعاون مع العديد من المنتجين/ات الذين/اللاتي أحترمهم/ن، وسيصدر بعض هذه التعاونات العام المقبل، كما أريد التعاون مع بعض 10المطربين/ات مثل ناي البرغوثي وولاء سبيت وبقلاوة، وهي مغنية ومنتجة أغان لبنانية أيرلندية هنا في المملكة المتحدة، والعديد من المنتجين/ات الآخرين/الأخريات، وآمل أن أتمكن من تقديم بعض من هذه الموسيقى وأن يقدّر المتابعين/ات حقيقة أن أذواقنا تتغير باستمرار وأن يرافقوني في رحلتي، وأنا لا أعلم حتى ماهية الرحلة، لكني أمضي فيها على أي حال.