English

الكلمات والعمل الفني: طارق العُبيد
ترجمة: هبة مصطفى
هذا المقال من عدد سنة ورا سنة

ميمز البلاك بيري المحرجة، وملصقات الأزهار المبهرة التي يرسلها لنا أقاربنا الأكبر سنا بمحبة (وباستمرار) عبر تطبيق «واتساب»، والمنتديات التي ظهرت في العقد الأول من الألفية، كلها أشياء اعتبرتها لسنوات من المسلمات، ثم أدركت أنها تشمل أسلوبا بصريا خاصا يعبر عن العالم العربي ما بعد اكتشاف النفط.

صيغ مصطلح «غرافيكس الخليج» لأول مرة عام 2020 مع ظهور حساب على تطبيق «إنستغرام» يحمل الاسم نفسه1، وقد نشر هذا الحساب مجموعة من الصور والذكريات من الماضي الرقمي للعالم العربي، بما في ذلك الصور الذاتية «السيلفي» ذات تعبير وجه البطة «داك فايس2» المتبادلة عبر «ماسنجر» البلاك بيري، ومقاطع الفيديو منخفضة الجودة المراسلة عبر «البلوتوث» للشباب البدو الدرباوية في شاحناتهم الصغيرة من طراز تويوتا، والإعلانات والملصقات المبتذلة لمسرحيات ومسلسلات تلفزيونية كويتية.

عندما عملت مع صاحب الحساب –سأسميه «ج. د.»– لتعريف «غرافيكس الخليج» أكاديميا من أجل أطروحتي في مرحلة الدراسات العليا، استقرينا على تعريف يصف جمالية متأصلة في جماليات «الكامب3» المبهرجة والتجريبية واللامبالية بأسلوب عربي قح في زمن ما بعد اكتشاف النفط، وقد تقبلتها روح العصر؛ فقد شغلت «غرافيكس الخليج» مساحة ثقافية تطورت بسرعة بفعل ظهور التسويق الغربي الحديث وحساسيات التصميم التقليدية (والصراع بينهما).

العمل الفني: طارق العبيد

لطالما كانت المنطقة الناطقة بالعربية تقدر الفنون البصرية الديناميكية والمعبرة، وذلك بفضل تاريخ غني من التقاليد الفنية، غير أن ثورة ثقافية قد اندلعت مع وصول الإنترنت إلى المنطقة عام 1991 وأصبحت المدونات والمنتديات الإلكترونية الأولى أرضا خصبة لأساليب جديدة للتواصل وتمثيل الهوية العربية.

تطور ما بدأ كتجارب رقمية متفرقة إلى لغة جمالية متماسكة، ما نعرفه الآن باسم «غرافيكس الخليج»، ويعتمد هذا الأسلوب، المولود من رحم تقاطع ثقافة البوب الغربية والحساسيات العربية، على الجماليات الصارخة والمبهرجة في العقد الأول من الألفية، مثل مستقبلية «مشكلة الألفية4» وموضة «ماك بلينغ5» ، مقترنة بالتقدم التكنولوجي المحرز في أدوات التحرير الرقمية.

تجسد غرافيكس الخليج في جوهرها جماليات «الكامب» و«الكيتش6» التي عرفتها سوزان سونتاغ في مقالها الصادر عام 1964 بعنوان «ملاحظات عن الكامب» بأنها «حب المبالغة، والخروج عن المألوف، والأشياء التي تكون على غير ما هي عليه»، وتشع التصميمات جرأة تعانق عدم الكمال والانحلال. و«الكامب» –كما تصفه سونتاغ– فن يأخذ نفسه على محمل الجد لكن لا يمكن أخذه على هذا المحمل تماما لأنه «أكثر من اللازم»، وهذا يلخص تماما روح غرافيكس الخليج: أغلفة الألبومات المزينة بنصوص براقة، والتعديلات غير المتقنة للصور التي تتخللها خلفيات من الصور الجاهزة، والفوضى البصرية التي تبدو متعمدة بطريقة ما.

العمل الفني: طارق العبيد

رأيت هذه الجماليات في كل مكان مع نشأتي في الكويت: في الإعلانات الكويتية، وعلى أغلفة الأقراص المدمجة لمغنيات البوب ​​اللبنانيات، وحتى في المنشورات الإعلانية للفعاليات المحلية، ولنظرتي الطفولية والغرة للأمور، لم أفكر قط في أسلوب التصميم هذا باعتباره جمالية في حد ذاتها، ناهيك عن كونه «جمالية» تستحق الدراسة الأكاديمية أو مؤهلة لذلك؛ فقد كانت مجرد ضجيج بصري في حياتي اليومية كأحد أفراد الطبقة المتوسطة.

الآن، بعد أن أعدت وضع «غرافيكس الخليج» في سياقها وأنا شخص بالغ، بدا تحليلي المتجدد لها مثل العثور على جزء من تاريخي الثقافي الذي أغفلته، وكان تناول «غرافيكس الخليج» في أطروحتي محاولة شاملة لمنح أسلوب التصميم العشوائي المتعمد شيئا من القيمة الأكاديمية والثقافية، خشية أن يضيع بسبب الأثير الرقمي، وقد حفزني ذلك أكثر على حمايته وتعزيزه قدر استطاعتي عن طريق استكشاف حقبة ثقافية من التصميم الجرافيكي، وإبرازها، والحفاظ عليها.

كان جزءا مما جعل غرافيكس الخليج جذابة للغاية هو سهولة الوصول إليها؛ ففي أوائل العقد الأول من الألفية، مع انتشار أجهزة الكمبيوتر والبرامج مثل «فوتوشوب» على نطاق واسع، لم تعد أدوات التصميم حكراً على المحترفين المدربين، وبدأ الناس العاديون في التجربة، وابتكار أدواتهم للتسويق، ودعوات الزفاف، والميمات، وقد أدت هذه الدمقرطة لتصميم إلى أسلوب بصري غريب ومميز كان غير ناضج، وغير متقن، وشخصي للغاية، وكانت جماليات غرافيكس الخليج بمثابة أسلوب للتواصل بقدر ما كانت شكلا فنيا ووسيلة يتفاعل بها الناس مع عالم يشهد حداثة سريعة، مع تأكيد هوياتهم/ن العربية بفخر.

العمل الفني: طارق العبيد

لنأخذ على سبيل المثال التايبوغرفي في غرافيكس الخليج؛ فغالبا ما تظهر الخطوط ممدودة، أو مشوهة، أو محددة بألوان معدنية براقة باستخدام إعدادات مسبقة في برنامج «فوتوشوب»، ويوجد تضارب متعمد في الألوان، وتوضع تركيبات مثل المطبوعات ذات الأشكال الحيوانية أو الخلفيات اللامعة في طبقات عشوائية، ومع ذلك تبدو النتيجة متماسكة في فوضاها، وتعبر هذه العناصر عن مجتمع إيجاد طريقه بين التقليد والحداثة وبين التأثيرات العالمية والجذور المحلية.

تقاطعت غرافيكس الخليج أيضا مع الخطاب الجندري المعاصر، لا سيما في تصوير الأنوثة، وأصبحت نجمات البوب ​​العربيات، مثل هيفاء وهبي، أيقونات لهذا الأسلوب؛ فقد تشبع فنهن بالوضعيات المثيرة والتأثيرات المبهرة، وتحدت هذه العناصر المرئية الأعراف المحافظة، كما عززت فكرة الأنوثة المصطنعة، وصورة النساء باعتبارهن فاتنات وغير عاديات، وبالنسبة للمجتمعات العربية المعادية للثقافة، قدمت غرافيكس الخليج شكلا من أشكال التعبير كان تخريبيا واحتفاليا في آن معا، وقد وفرت طبيعتها المبالغ فيها مساحة لاستكشاف الهويات التي ربما كانت لتظل مخفية لولاها.

انتعشت غرافيكس الخليج من جديد في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي اليوم؛ فمنصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك» مليئة بمشاعر الحنين إلى العقد الأول من الألفية، وقد تبنى المبدعون/ات العرب الشباب هذا الانتعاش كوسيلة لإعادة الاتصال بتراثهم/ن الثقافي، والاهتمام المتجدد بها ليس مجرد مفارقة، بل هو استرجاع لعصر غالبا ما يتم رفضه باعتباره «مبتذلا» أو «ساذجًا»، وبالاحتفاء بغرافيكس الخليج، يقر هؤلاء المبدعون/ات بوجود لغة بصرية ازدهرت ذات يوم على الهامش.

مع تطور رؤيتي الفنية، لم أعد أرى «غرافيكس الخليج» كجماليات، بل كعدسة يمكن عن طريقها بحث التحولات المجتمعية الأوسع نطاقا، كما أنها تعبر عن تأثير العولمة، والثقافات الرقمية الصاعدة، ومرونة الهويات المحلية، وهي شهادة على قدرة التصميم على التقاط لحظة زمنية، وبالتالي تشكيل فهمنا لهويتنا.

في النهاية، تعتبر غرافيكس الخليج احتفالا بعدم الكمال، والتجريب، والمبالغة، وهي تذكير بأنه يمكن العثور على الجمال فيما هو غير متقن وغير تقليدي، وبالنسبة لي، تمثل ارتباطا شخصيا عميقا بتاريخ ثقافي لا يزال يتطور ويشكل العصر الرقمي ويتشكل به.

غرافيكس الخليج للأبد

  1. @gulfgraphixx
  2. Duck face.
  3. Camp.
  4. Y2K.
  5. McBling.
  6. Kitsch.