كلمات: محمد أبو حجر و أحمد عسيلي
عمل فني: عمر
هذا المقال من عدد سنة ورا سنة
وبرغم أن كلتا السرديتين تبدوان على طرفي حدوة حصان، فإن طرفي الحدوة أكثر ما تكون اقتراباً من بعضها البعض. فالحقيقة أنه لا يمكن أن تعيش إحداهما إلا بوجود الأخرى. تلتقي السرديتان في إنكار الوجود الكويري في المجتمعات العربية بأنماط معيشته ومفرداته الذاتية. نذكر هنا للاستدلال، أن ناشطة كويرية أوروبية أخبرتنا في جلسة خاصة أنه وفي كل العالم، فإن من لم يتابع برنامج الغناء الأوروبي “يوروفيجن” ليس كويرياً بما فيه الكفاية. توقفنا بذهول عند كلماتها، فحتى تلك اللحظة لم نكن والكثير من معارفنا في المجتمع الكويري في سوريا قد سمعنا بهذه المسابقات إطلاقاً. تحيل القضية هنا إلى مجتمع كويري غربي يحاول أن يفرض معاييره وأنماط وجوده واحتفالاته وطقوسه على أنها أنماط حياة معولمة، وتصبح المنظمات الدولية منها وفروعها المحلية “حصان طروادة” للهيمنة الغربية كما يصفها وليام جلين رايت. تهمل تلك النظرة الاستعمارية كل التاريخ والتجربة الكويرية في البلدان خارج المركز الغربي. ويعرف كثر من المنشغلين في قضايا التحرر الجنسي في العالم العربي اليوم عن حراك شارع كريستوفر ومسيرات الفخر في باريس وأمستردام وبرلين والضمائر المستخدمة لمخاطبة الأشخاص بشكل دقيق، بينما تكاد المعرفة تنعدم عن تاريخ وعمق الحياة الكويرية في الشوارع الخلفية لدمشق والقاهرة والرياض رغم ثراء تلك التجربة.

عمل فني من عمر: الهيجرا، تيشرت ب49 دولار
من كل التحولات التي نعيشها، نستبدل لباسا بلباس جمعياتي رأسمالي يتصنع بالجملة لا علاقة له بذات يدعي أنه يمثلها ويعبر عنها
الصورة المميزة: بوست كارد من حملة صليبية كويرية
،بطاقة بريدية تظهر واقع مخالف للصور الكلاسيكية النمطية للجمل والصحراء والمعمار. في السعي وراء عالم جديد
يجد المسجد الذي يزوره السياح نفسه مستهدفا، من أجل الدولار الذي يرقد تحته
من الأمثلة العديدة على اعتماد المنظمات آليات عمل تسعى لتقديم قصص نجاح فردانية ومنعزلة عن السياق، فكثر في المجتمع الكويري أو حتى الغيري يذكرون سوزي البيروتية، سوزي -والتي أذكر أنها في أول لقاء إعلامي لها كانت تعرف عن نفسها بأنها “شگر“- كانت تجوب شوارع بيروت يومياً سعياً وراء لقمة العيش، رحلت سوزي عن عالمنا مشردة وبحالة من الفقر المدقع. وإن كان كل نشطاء بيروت قد تاجروا باسم سوزي مرات لا تحصى في سياق التقديم لقصص “نجاح” فردية، إلا أن كل الجمعيات المهتمة بحقوق المجتمع الكويري في لبنان وبرغم أن خزائنها تغلق على الملايين يومياً، فإنها لم تسع لأن تؤمن لسوزي حياة كريمة ومماتاً هادئاً، برغم أنها كانت رمزاً وأيقونة تجسد معاناة المجتمع الكويري في المنطقة، ولم تحترم حتى الهوية التي عرفت بها سوزي عن نفسها بل حولتها من “شگر” إلى “ترانس-متحولة”، مستسهلة بذلك تبني قوالب غربية للهويات الجندرية ليس لها أي سياق محلي. ليس الخلاف بين “ترانس” و”شگر” خلافاً بلاغياً فحسب، فقد تحولت تلك المنظمات وبشكل عضوي عبر التمويل أحياناً وعبر الدورات والمخيمات التدريبية التي يحضرها موظفوها إلى ببغاء يردد دوغما الممول الغربي وتعريفاته دونما أدنى إهتمام بالسياق المحلي، فبدلاً من البحث في هوية “الشگر” نسف الخطاب المنظماتي كل تلك التجربة المعاشة مستبدلاً إياها بما يرضي “الدونر-الممول” ويسهل عليه فهمه.

عمل فني من عمر: وداعًا سوزي، تغطية مباشرة من المطار
في المطار، يتداعى الزمن والجغرافيا عندما يصبح الخلاص الفردي لا حدثًا بل حلقة لا تنتهي من الخداع
وفي النهاية، فإن ما تم سرده حتى الآن رغم كبر حجمه، إلا أنه وبكل تأكيد لا يعدو عن كونه محاولات أولية في تحقيق إضافة نقدية في مسار انعطافة حددنا معطياتها في بداية هذا المقال، والذي نراه خطوة نحو الأمام في تحرير النقاش حول قضايا التحرر الجنسي من ثقل الهيمنة الغربية، التي تحاول اخضاع مجتمعنا بكامل مكونات حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية و حتى الجنسية لمحددات وأطر تفرضها على الجميع. يرى المفكر أنطونيو جرامشي أنه لاستدامة حكم طبقة ما، فإنه من الضروري لها أن تحول خطابها خطاباً سائداً في المجتمع، وبناء على ذلك فإن التصدي لهيمنة الإبستمولوجيا الغربية ضرورة في ظل محاولاتها الشرسة لنشر ذاتها كونياً، عليه فأن البحث في مكونات الذات وتطورها عبر التاريخ هو كما نراه جزء من النضال ضد ما يقدم على أنه نهاية التاريخ، سيطرة الغرب على العالم ومقدراته. ونرى في المنظمات الدولية كما أسلفنا، خير حصان طروادة لا لتصدير الهيمنة الغربية فحسب، بل لتفتيت التعاضد والتضامن بين أبناء وبنات مجتمعاتنا وهي كل ما يمكن التعويل عليه في ظل هجمة استعمارية شرسة.
- نجد أن من الملح التعريج على مقالة بعنوان عولمة الخزانة لموسى الشديدي، حيث يروى الكاتب أنه ومن خلال لقاءات عديدة مع أفراد من المجتمع الكويري، فإن “عددااً كبيراً منهم لم يفهم معنى عبارة الخروج من الخزانة Coming out of the closet حتى أو السماع بها من قبل”.
- Jürgen Osterhammel, “Europe, the ‘West’ and the Civilizing Mission,” The German Historical Institute, London, 2005.
- Alexandra Ana, The NGOization of social movements in neoliberal times: Contemporary feminisms in Romania and Belgium, Palgrave Macmillan, 2024.; Arundhati Roy, The End of Imagination, Haymarket Books, 2016.; Tina Wallace, “NGO dilemmas: Trojan horses for global neoliberalism?,” Socialist Reader 40, 2004.; Glen Wright, “NGOs and Western hegemony: Causes for concern and ideas for change,” Development in Practice 22, no. 3, 2012: 123-134.
- أن يغري أحد الذكور المثليين ذكراً ذو ميول غيرية ليمارسا الجنس.
- David C. Korten, Getting to the 21st Century: Voluntary Action and the Global Agenda, Kumrian Press, 1990.
- Ralph M. Kramer and Harold L. Wilensky, Voluntary Agencies in the Welfare State. University of California Press, 2019[1981].
- Ralph M. Kramer and Harold L. Wilensky, Voluntary Agencies in the Welfare State. University of California Press, 2019[1981].
- حاتم حمدي