English

حوار مع مروان قعبور أجرته نور سليمان
تصوير: أسماء حمدي
الرسومات والأعمال الفنية من كتاب المعجم العربي الكويري – هيثم حداد
هذا المقال من عدد الذبذبات

ماذا تعني عبارات كـ”عجلة” في مصر، و”شواية” في تونس، و”يربي حمام” في الخليج؟ ماذا لو فككنا توحش لغة الكراهية وسعينا لفهم سياقها التاريخي؟ كيف تتقاطع اللغة مع الهوية؟ وكيف نتحدث فيما بيننا و/أو عن أنفسنا بلغتنا؟ 

أسئلة كان للمصمم الغرافيكي مروان قعبور جرأة في طرحها ومحاولة الإجابة عنها من منظور كويري في جمعه وتوثيقه لـ 330 مصطلحاً في معجم عربي كويري. استلهم قعبور فكرة المعجم من صفحة “تكوير” على “انستغرام” التي أسسها عام 2019 بهدف توثيق وأرشفة الثقافة الكويرية العربية، وخلق أرشيف كويري عربي من خلال البحث في أرشيفات السينما والتلفزيون والمسرح والسياسة والثقافة الشعبية العربية.

صدر “المعجم العربي الكويري” في حزيران/ يونيو الماضي، بالتزامن مع شهر الفخر، عن دار الساقي للنشر في لندن، ويُقسم لستة أجزاء حسب اللهجات العربية وهي لهجات بلاد الشام والعراق وبلاد الخليج ومصر والسودان وبلاد المنطقة المغربية، وأُرفقت المصطلحات بشرح معانيها والسياق التاريخي الشاهد على ولادتها، وفيه ثماني مقالات لكتّاب يعلقون على التجربة ويشاركون تجاربهم وقراءاتهم، منهم الكاتبة رنا عيسى، والمؤلف الموسيقي حامد سنو، والأستاذة والشاعرة مجدولين الشوملي، والكاتب والمخرج الشهير عبدالله الطايع وغيرهم من مواهب، إلى جانب رسومات تعبيرية للفنان الفلسطيني هيثم حداد.

وفي حوار أجرته معه “ماي كالي” في أحد مقاهي شارع بدارو في بيروت، وبكثير من العفوية والشغف تحدث قعبور عن تجربته في جمع المعجم والفكرة من ورائه، وعن التناقضات التي اختار أن يلعب عليها، خصوصاً وأن المعجم يوثق مصطلحات تستخدم غالباً في سياق خطاب التحريض والكراهية ضد أفراد مجتمع الميم/ عين. يطرح هذا النقاش هواجس مجتمع الميم/عين حيال المعجم الذي تزامن نشره مع إبادة غير مسبوقة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وفي ظل لجوئه لسياسات الغسيل الوردي كوسيلة لتبرير محو الهوية والذاكرة العربية الفلسطينية والسياق التاريخي لتجارب شعوبنا الثقافية واللغوية والفنية. 

“أردت رسم خريطة لغوية كويرية للمنطقة عنا ولنا” 

كيف ساهمت “تكوير” في بلورة فكرة المعجم؟ ومن الجمهور المستهدف؟
المعجم هو أول مشاريع “تكوير” التي يتابعها الآلاف وخصوصاً من العالم العربي، وكانوا يستخدمون في رسائلهم وتعليقاتهم على الصفحة مصطلحات كويرية لا أعرف معناها وولدت لدي الفضول لأتعمق باللغة أكثر وبتلك المصطلحات وكيف تختلف بين منطقة عربية وأخرى ولفهم سياقها التاريخي والثقافي.

بدأت بجمع تلك المصطلحات بعد طلبي من المتابعين أن يرسلوها دون الحاجة لتكون مصطلحات علمية أو أكاديمية أو تتوخى الصوابية السياسية بل شعبية وعامية. ظننت أن عددها قد يصل إلى حوالي 60 كلمة وعندما وصلتني مئات المصطلحات على مدى أربع سنوات، قررت أن أحاول رسم خريطة لغوية بصرية كويرية خاصة بمنطقتنا العربية توثق كيف نتحدث فيما بيننا، وما هي المصطلحات التي نستخدمها إن كانت سلبية أو إيجابية، وأن أنشرها في كتاب يكون “عنا ولنا”. 

أما عن الجمهور المستهدف، فهم متابعو الصفحة من الأشخاص العرب الكويريين وكل من يحمل نفس اهتماماتهم/ن الثقافية بالدرجة الأولى، وللأشخاص العرب وغير العرب المهتمين بالسرديات الكويرية، كالباحثين والمؤرخين والكتاب بالدرجة الثانية.

 مع أنه معجم عربي كويري، لاحظنا أن المقالات والمقدمة كُتبت باللغة الإنكليزية فقط بينما جاءت تعريفات الكلمات باللغتين العربية والإنكليزية، لماذا؟
قررت نشر الكتاب بالإنكليزية بعد أن تعذر نشره وهو يحمل اللغتين كما كنت أنوي، وذلك بعد أن قيل لي في عدد من دور النشر أن الكتب المنشورة باللغتين لا تلقى رواجاً، وحين اقترحت أن يصدر الكتاب بنسخة إنكليزية وأخرى عربية، قال لي معنيون وعاملون في المجال أن الموزعين لن يهتموا بتوزيعه في الدول العربية، لذلك ارتأيت أن تكون المفردات وشرحها باللغتين، والأجزاء الباقية بالإنكليزية فقط. 

لكن ذلك لا يلغي أن للأجزاء المرافقة للمعجم كالمقدمة والمقالات أهمية كبيرة لأنها منحته بعداً سياسياً وتاريخياً وثقافياً مهماً جداً، ولكل الكتاب والكاتبات تجاربهم/ن وخبراتهم/ن في مختلف المجالات، الأمر الذي أغنى المعجم. أذكر هنا مقال الكاتب آدم حاج يحيى الذي شرح كيف استخدمَت قوات الاحتلال الإسرائيلي تاريخياً، تجريمَ الجنسانية الفلسطينية لتبرير العنف والسجن المتعّمد للفلسطينيّين. الاحتلال نفسه الذي يدعي اليوم مناصرة حقوق أفراد مجتمع الميم/ عين وحمايتهم/ ن، وأنه “حريص على حقوقنا أكثر من أهلنا”. 

الرسم: هيثم حداد

“هنا تاريخ الأذى”

هل شعرت بالتردد خلال عملك على المشروع أو انتابتك مخاوف من ردة فعل مجتمع الميم/عين نفسه؟
يهمني أن أوضح أن الكتاب لا يجمع اللغة السرية التي قد يستخدمها الأشخاص الكويريين فيما بينهم، المصطلحات الواردة في المعجم هي كلمات شارعنا، كلمات نستخدمها في أحاديثنا بشكل شبه يومي وعلني، لذلك لم أتردد أبداً في العمل على المشروع لأنه يترجم بشكل أساسي اهتمامي باللغة والبيئة اللغوية حول الكويرية في العالم العربي والعوامل التاريخية والثقافية التي رافقت ابتداع أو استخدام مصطلحات معينة، وكان هدفي الغوص في تلك السياقات ونشرها ووضعها بين أيدي القراء ليشكلوا رأيهم وموقفهم تجاهها.

أنا لا أقلل أبداً من الوقع المؤذي لتلك الكلمات على متلقيها ولا أنفي أنها تُستخدم لإهانتنا وقمعنا وتهميشنا، بل على العكس أنا أقول “هنا تاريخ هذا الأذى وسياقه”. الأذى جزء من تاريخنا في هذه المنطقة أيضا وإن كنت تغاضيت عن نشر الكلمات السلبية كنت سأُقدم الحقيقة الناقصة، لذلك ارتأيت تقديم القصة أو المعرفة كاملة للقراء ولهم أن يقرروا.

وعلى صعيد شخصي، ومن خلال عملية البحث صار عندي انفتاح وحب وفضول أكبر تجاه اللغة وفهمها وتفاعلي معها كشخص كويري، وشعرت أن المصطلحات السلبية أو المؤذية التي وثقتها فقدت شيئاً من سُمها وكأنني استطعت تفكيك “البعبع” الكامن ورائها.

كيف لكلمات يستخدمها أشخاص غيريين كشتائم ضد الكويريين أن تكون معجماً كويرياً؟
الغريب أننا نستسهل اعتماد كلمات غربية أو معربة، وكأنها هي اللغة الوحيدة الصحيحة للتعبير عن هوياتنا وشخصياتنا وحياتنا الجنسية، وفي الوقت نفسه نرفض اللغة التي وُلدت في مجتمعاتنا- ولا أجزم أنها كلها صحيحة أو محببة أو politically correct- ولكن حتى تلك الكلمات يستخدمها الأشخاص الكويريين فيما بينهم من باب المزاح وذلك لأن السياق الذي تُقال فيه الكلمة ونبرة الصوت وشكل العلاقة مع الآخر يؤثرون في تحديد وقع الكلمة على متلقيها، ومن حقنا فعل ذلك، أي من حقنا أن نتحكم بلغتنا العامية وطريقة استخدامنا لها وإطلاق أحكامنا عليها. 

تصوير: أسماء حمدي

أنا لا أقلل أبداً من الوقع المؤذي لتلك الكلمات على متلقيها ولا أنفي أنها تُستخدم لإهانتنا وقمعنا وتهميشنا، بل على العكس أنا أقول “هنا تاريخ هذا الأذى وسياقه”. الأذى جزء من تاريخنا في هذه المنطقة أيضا وإن كنت تغاضيت عن نشر الكلمات السلبية كنت سأُقدم الحقيقة الناقصة، لذلك ارتأيت تقديم القصة أو المعرفة كاملة للقراء ولهم أن يقرروا. 

“لنوثق قصصنا ونفرضها على التاريخ”

شهد لبنان كما عدد من الدول العربية حملات تحريضية ضد الميم/ عين بحجة أن المثلية مستوردة من الغرب، كيف سعيت من خلال المعجم لدحض ذلك؟
آمل أن يساهم المعجم في دحض الحجج المماثلة على مستويين، الأول من خلال إثباته أننا موجودين منذ بداية اللغة ونتحدث بلغتنا عن قصصنا الحلوة والمرة والسعيدة والحزينة خصوصاً وأن المعجم يوثق كلمات يعود أصلها إلى عصور قديمة جداً، أما الثاني فيواجه الغرب الذي يدعي أننا نولد جميعاً ذكوريين ولدينا رهاب المثلية ولا قدرة لدينا على تقبل الآخر والنضال من أجل حقوقه.

هو محاولة للقول للغرب إن نظرته لنا سطحية إلى حد بعيد، فواقعنا أكثر تعقيداً وحقيقتنا أكثر عمقاً.

يطرح هذا النقاش هواجس مجتمع الميم/عين حيال المعجم الذي تزامن نشره مع إبادة غير مسبوقة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وفي ظل لجوئه لسياسات الغسيل الوردي كوسيلة لتبرير محو الهوية والذاكرة العربية الفلسطينية والسياق التاريخي لتجارب شعوبنا الثقافية واللغوية والفنية.

تصوير: أسماء حمدي

أهديت المعجم لفلسطين التي تتعرض منذ 10 أشهر لأبشع إبادة وغالباً ما يلجأ الاحتلال للغسيل الوردي لتبرير إجرامه وشيطنة المجتمع الفلسطيني، وطالما أن المعجم يحتوي على مصطلحات تُستخدم كخطاب كراهية ضد مجتمع الميم/ عين، هل تخشى أن يُستخدم في هذا السياق؟ 
أعتقد أن فهم السياق السياسي والتوجه الذي وُضع فيه المعجم كفيل بالإجابة عن السؤال. المعجم وبشكل صريح وواضح ينطلق من فكر تقدمي يساري نسوي يتحدث عن فلسطين ويناصرها، ويتطرق إلى الإبادة والحق بالمقاومة كدليل على كون تلك المبادئ هي في صلب نشاطنا، أنا وكل الأشخاص المساهمين في إنتاج المعجم. ومن هنا، أعتقد أن ذلك سيقطع الطريق أمام من سيحاول تحريفه وتوظيفه في غير محله. 

ما يحدث في غزة هو محاولة محو شاملة ليس فقط لشعب بل لتاريخه وبيئته وثقافته والمحو يسمح للاحتلال بالتحكم بقصة هذا الشعب في الوقت الحالي ومستقبلاً، لذلك علينا أرشفة وتوثيق قصصنا لنحافظ عليها ولنفرضها على التاريخ رغماً عن إرادة الاحتلال، وهذا ما حاولت فعله من خلال المعجم الكويري خصوصاً وأن قصص الكويريين/ات لم تكن دائماً في صلب القصة الشعبية، بل مهمشة.

“تحريك الخيال” 

رسم مصمم الغرافيك الفلسطيني هيثم حداد الرسوم المرفقة بالمصطلحات، لاحظنا أنها رُسمت بشيء من الجمالية قد تُعتبر تلطيفية لتعابير مهينة وقاسية، هل كان ذلك هدفاً بحد ذاته؟ وما الرسالة من وراء الرسومات؟
حاولنا من خلال الرسومات استحضار التعقيدات والتناقضات التي تحملها الكلمات على أنواعها، وكيفية تفاعلنا معها وتخيلنا لها. مثلاً، كلمة “دودَكي” باللهجة الخليجية الواردة في المعجم، وهي تصف شخصاً يجتاحه الدود وفيها إشارة إلى المغالطة القاتلة بأن الرجال المثليين مصابين بشتى الأمراض، أُرفقت برسمة لشخص يرتدي حلي من دود، وفي ذلك محاولة لتقريب الأساطير الكويرية أو أبطال وأشرار قصصنا إلى مخيلة القارئ، وفيها أيضاً رسالة لمجابهة خطاب الكراهية، وكأن الشخص يقول: “رغم كل ما تصفونني به، ها أنا هنا وأحتفي بنفسي”. 

الرسم: هيثم حداد

سم بعض المصطلحات المفضلة لديك في المعجم؟ لماذا تفضلها؟
كلماتي المفضلة هي الكلمات التي أثارت دهشتي عندما تعرفت إلى أصلها وتاريخها، ومنها:

وهي كلمة من أصل تركي هدفها الإساءة، “طوب” تعني مدفع و”جي” تعني صاحب الشيء أو المهنة متل “بتاع” أو “تبع” أي “طبجي” تعني الشخص المسؤول عن ضرب المدفع وتُستخدم لتدل على كل شخص (عادة رجل) يمارس الجنس المثلي. طُبْجي
وهي من أصل خليجي، يتداوله الرجال المثليون للإشارة إلى شخص مثير أو جذاب، ويرجح أنها تعود إلى ظاهرة الصفاعنة في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله، وهم فئة في البلاط كانت تجلس بجانب الخليفة أو الأمراء ووظيفتهم أن يُصفعوا على أقفيتهم مقابل أجر. صَفْعون
وهي كلمة تحقيرية، تُطلق على كل شخص يمتلك صفات أنثوية وذكورية في الوقت ذاته، أو يؤدي أداءًا جندرياً مبهماً أو خارج ثنائية الذكر/ الأنثى، سواءًا أكان عابرة أم لا معيارية أم خنثى وغيره. تُسمع كثيراً ضمن عبارة: “شكر بكر لا أنثى ولا ذكر” التي تشير إلى ذوي الأداء الجندري المبهم بصفتهم “لا معلقين ولا مطلقين” والتي قد تكون اشتهرت (جزئياً على الأقل) جراء ورودها في أغنية للفنان المطرب السوري- اللبناني الشعبي جورج وسوف. قد تُستعمل الكلمة بين الكويريين/ات من باب المداعبة.شَكَرْ
تدل على الرجال المثليين الذين يتبادلون الأدوار مع شركائهم الجنسيين فيتقلبون كاللحم على الشواية. شَواية

ما هو الشعور الذي تتمنى أن ينتاب كل من يقرأ المعجم؟
الفضول والمفاجأة والخيال، وأن تتكثف لديهم فكرة واضحة وواقعية أكثر عن حقيقة الأشخاص الكويريين/ات في العالم العربي ونضالاتهم/ن.