أجرى المقابلة: إلياس جهشان
تصوير: محسن عثمان
تنسيق وتلبيس: وسيم لحمر
مكياج: تمارا حنا
مساعد\ة المنسق :ماري خكس
رئيس التحرير: خالد عبد الهادي
هذا المقال من عدد الذبذبات
أحدث فنان البوب الفلسطيني بشار مراد ضجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ربيع العام الحالي لمشاركته في مسابقة “سونغفاكيبني” الآيسلندية، التي تنعقد كل عام لتحديد من سيمثل آيسلندا في مسابقة “يوروفيجن”، وفي حين أن أغنية “الغرب المتوحش” – التي شارك بشار في كتابتها مع أينار ستيف أحد أعضاء فرقة “هاتاري”، التي رفعت علم فلسطين في نهائي مسابقة “يوروفيجن” لعام 2019 احتجاجًا على إقامتها في تل أبيب – قد خسرت المسابقة بفارق ضئيل، فإن العرض يلقي الضوء على سياسات الأداء الإشكالي في مثل هذه الفعاليات.
بشار من القدس الشرقية، وهو ابن سعيد مراد مؤسس الفرقة الفلسطينية الرائدة “صابرين”، وتمسكه بالموسيقى وبالقضية الفلسطينة طويل وعميق؛ فقد بدأ مسيرته المهنية عام 2015، لكن لم يحظ باهتمام عالمي إلا بعد مشاركته في فعالية “غلوبال فيجن” التي بُثت عبر الإنترنت مباشرة احتجاجًا على إقامة مسابقة يوروفيجن في تل أبيب، وبعدها أطلق بشار أسطوانته المطوّلة الأولى “مسخرة” (2021)، الذي يضم الأغنية سريعة الانتشار “أنتين“، التي أُنتجت بالتعاون مع أيقونة الهيب هوب الفلسطينية تامر نفار، وقد استمر اكتسابه للزخم منذ ذلك الحين، حيث غنى الأغنية الختامية لفيلم “نهاية الأسبوع في غزة”1 وأطلق أسطوانته المطوّلة الثانية “نفس” (2024)، كما أصدر أغان منفردة جديدة من ألبومه الأول الذي سيصدر قريبًا 2“الجحيم“.
يتحدث بشار في هذه المقابلة مع إلياس جهشان حول تجربته مع مسابقة “سونغفاكيبني” وسط الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ومقاطعة مسابقة “يوروفيجن” ودور اللغة في موسيقاه وسبب رفض اختزال هويته كفلسطيني كويري.
[حُررت هذه المقابلة لغرض الإيجاز]
Full fit; Christian Ye. Photography by Mohsen Othman. Styling by Wassim Lahmer.
كيف انتهى بك الأمر، وأنت فلسطيني، إلى المشاركة في مسابقة “سونغفاكيبني”؟
وصلت إلى المشاركة في مسابقة “سونغفاكيبني” بعد تواصلي في عام 2019 مع فرقة “هاتاري”، التي شاركت في “يوروفيجن” في تل أبيب، بهدف الإدلاء ببيان سياسي، وبقينا على تواصل وأطلقنا أغنية “صامد” معاً، كما قدمنا بعض العروض سوياً في السويد وبلدان أخرى، وطوال ذلك الوقت كنت أفكر في مسألة مشاركة فلسطين في “يوروفيجن” وإرث والديّ؛ فقد قادا حملة من أجل إشراك فلسطين في المسابقة عام 2007، وقد كنت في القدس في فترة نهاية الجائحة وأرسلت رسالة إلى أينار لأستفسر عن إمكانية مشاركتي في “سونغفاكيبني” إذا لم أكن أحمل الجنسية الآيسلندية، واكتشفت أن جنسية المؤدي غير مهمة للمشاركة في المسابقة، لكن يجب أن يكون ثلثا كاتبي الأغاني آيسلنديين.
سافرت إلى آيسلندا حيث بدأنا بكتابة أغنية مشتركة، لكننا انتهينا للعمل على ألبوم كامل، بما في ذلك أغنية “الغرب المتوحش”، التي قدمناها في المسابقة.
هلا تحدثت أكثر عن تجربتك في مسابقة “سونغفاكيبني”، لا سيما أنها أُقيمت وسط الإبادة الجماعية في غزة؟
كانت مشاركتي في مسابقة “سونغفاكيبني” تجربة لا تُنسى، لكنها أيضًا سريالية ومليئة بالمشاعر المتضاربة بسبب السياق. كنت أستعد للمشاركة، وأقدّم أغنيتي وأجري مقابلات، ووقعت أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر لتغير كل شيء فجأة وتجعل مشاركتي مسيسة حتى قبل أن يعلن عنها.
شغفي هو الموسيقى والفن، وكجزء من عملي، أبدعت أغنية مدتها ثلاث دقائق مع عناصر من الموضة والمسرح، لكن جاء ذلك في أسوأ توقيت، مما جعلني أشعر بالذنب لرؤية الفظائع مثل “مجزرة الطحين” في الأخبار بينما أعيش حلمي.
إحساسي بأنني أُمثل فلسطين بصوتي كان ذا معنى كبير، خاصة كونّي عشت تحت الاحتلال لأكثر من ثلاثين عامًا وأصبحت الرغبة بالحرية متأصلة داخلي. أستخدم موسيقاي لتحدي القوالب النمطية ولتسليط الضوء على تنوع فلسطين. لو كانت مشاركتي قد جاءت بعد بدء الإبادة الجماعية، لكان شعوري مختلفًا.
Hoodie; TOO DARK TO SEE TOMORROW. Skirt; Trashy Clothing. Shoes; Untitlab. Glasses; Balenciaga. Photography by Mohsen Othman. Styling by Wassim Lahmer. Makeup by Tamara Hanna.
بعد أقل من أسبوع من فوزك بالمركز الثاني مسابقة “سونغفاكيبني”، قُبلت رسميًا الأغنية التي تقدمت بها إسرائيل لـ”يوروفيجن”، واُستبعدت أول أغنيتين تقدمت بهما لأنهما كانتا “سياستين للغاية” وتزايدت دعوات مقاطعة المسابقة. فلو افترضنا أنك كنت قد فزت بمسابقة “سونغفاكيبني”، كيف كنت لتتعامل مع ذلك؟
لن نعرف أبدًا الإجابة عن هذا السؤال، مشاركتي في “سونغفاكيبني” كان فيها شكل من أشكال الاحتجاج، وقد خلق وجودي فيها الكثير من المشكلات مع الصهاينة وأدى إلى الكثير من الجدل، وكان ذلك في آيسلندا فحسب، وأعتقد أن مشاركتي في مسابقة “يوروفيجن” كانت ستُحدث أثرًا هائلًا، لكني أفهم أيضًا أن الضغط كان يمكن أن يؤثر عليّ.
اشرح لنا المعنى وراء أغنية “الغرب المتوحش”؟
أردت أن يتساءل الجميع “لماذا يغني فلسطيني موسيقى الكانتري؟”، تتناول قصة شخص يصل إلى الغرب بأحلام كبيرة، لكنه يكتشف أن الواقع مختلف عما يروج له، الأغنية تنقد شيطنة الغرب للآخرين، كما تركز على الحلم بالتحرر من الحدود والحواجز.
3“أريد أن أضيف أيضًا أني قد أطلقت أغنيتي قبل أن تطلق بيونسيه أغنيتها “كاوبوي كارتر”.
Dress; EMERGENCY ROOM. Shoes; Untitlab. Wig Hat; Christian Ye. Photography by Mohsen Othman. Styling by Wassim Lahmer. Makeup by Tamara Hanna.
هل هناك سبب دفعك إلى التحول من الإنكليزية إلى العربية في كتابة الأغاني؟
تختلف موسيقى “مسخرة” كثيرًا عن موسيقى “نفس”؛ فالأخيرة أكثر سوداوية. لماذا؟
تعكس موسيقاي مشاعري والزمن الذي نعيشه، “مسخرة” كانت تدور حول تحويل القبح إلى جمال وتجميل الواقع القاسي، وعن الاحتجاج والمقاومة و اختراق جميع المساحات وتقويض كل شيء، بما في ذلك موسيقى البوب وحلبة الرقص. تخيّل قوة أداء أغنية “انتفاضة في حلبة الرقص“4 في مهرجان بأوروبا.
أما موسيقى “نفس”، لم يعد بمقدوري الاستمرار في الرقص عليها؛ على سبيل المثال، كتبت أغنية “يا ليل” بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في آب/أغسطس 2022، لقد كانت ردة فعل على تجريد شعبنا من إنسانيته وقتله، كما تعكس الأمل الذي أعادته احتجاجات الشيخ جراح قبل أن يسحق تماما.
Left: Shirt & trousers; EMERGENCY ROOM x SILIQONE. Shoes; Untitlab. Right: Dress; Céline Ching. Photography by Mohsen Othman. Styling by Wassim Lahmer. Makeup by Tamara Hanna.
لماذا تتضمن أغنيتك “حجر” مقاطع من أغاني فرقة صابرين ومقاطع صوتية لغسان كنفاني يتحدث عن الحرية الفلسطينية من مقابلة شهيرة أُجريت معه عام 1970؟
لطالما أردت أن أستخدم أغاني فرقة صابرين التي كبرت وأنا أستمع لها، لهذا أردت أن أقدمها للجيل اليافع كجزء من فني. لما أعطيت بعضها لأينار ولدت تجاربه أغنية “حجر“5، بكل الرمزية التي يحملها لكل الفلسطينيين: ديارنا وأرضنا ونضالنا وجدار الفصل العنصري وغيرها، وتمزج الأغنية بين الحزن والأمل، بذلك تجسد تجربتنا كفلسطينيين.
وبالنسبة لكلمات غسان كنفاني، خصوصا مقطع – التوق إلى الحرية – يعكس الرسالة التي أقدمها في موسيقاي، وأعتقد أنه لا توجد أغان فلسطينية كثيرة باللغة الإنكليزية تتحدث عن النضال.
Full fit; Christian Ye. Photography by Mohsen Othman. Styling by Wassim Lahmer.
كيف تتعامل مع تسييسك لأنك كويري ولأنك فلسطيني، ومع مسألة الغسيل الوردي؟
لا أتعامل معها؛ فأنا أعيش حياتي كما أريد، لكن قد يتعين عليك اختيار هوية على حساب الأخرى أحيانا، لكني لا أعتقد أن هوياتي منفصلة عن بعضها.
ذلك يؤثر على الطريقة التي أتحدث بها عن هذه الأشياء بسبب الغسيل الوردي والكيفية التي يتم بها استخدام هوياتنا الكويرية الفلسطينية ضدنا، وأنا أعلم دائمًا كيف ستُستخدم كلماتي ضدي.
وقد سئمت من تجرؤ المحتلين والقتلة على تعليمنا معنى الحرية، وأنا أرى أن الاحتلال وتكتيكاته للغسيل الوردي تخلق المزيد من الكراهية للمثليين/ات؛ فهو يربط بشكل وثيق بين الهوية الكويرية وعلم قوس قزح وإسرائيل، لكن هذه استراتيجية قديمة؛ فقد انكشفت حيلة الغسيل الوردي حتى قبل أن تبدأ الإبادة الجماعية في غزة، وكل ما يفعلونه الآن ما هو إلا دق المسمار الأخير في نعش هذه الاستراتيجية، ولم نعد بحاجة إلى الحديث عن الأمر؛ فهم يفضحون أنفسهم بالصور.
كان، ولا يزال، الكيان الصهيوني يخنق المجتمع والشعب والثقافة الفلسطينية منذ فترة طويلة، وقد أصبحت هوياتنا مجرد وسيلة لذر الرماد في العيون لصرف الانتباه عما يحدث، وقد وصلت إلى نقطة لم أعد أرغب معها في المشاركة في هذه المناقشات التي تحاول إثبات أننا لا نستحق القتل بشكل يومي.
Full fit; Christian Ye. Photography by Mohsen Othman. Styling by Wassim Lahmer.
عندما يصنفك الناس على أنك “فنان فلسطيني كويري”، هل ترى ذلك نعمة أم نقمة؟
أنا متعدد الهويات؛ فأنا فلسطيني وكويري وفنان، ولكنني لست هذه الهويات فحسب. يتم تسليط الضوء عليها لخدمة غرض ما؛ فهي ضرورية ليكون المرء مرئيًا. أفضل أن أكون “فنانا فلسطينيا” لأني فخرو بفلسطينيتي، كما تتمسك بهويتك أكثر كلما تعرضت لهجوم وإنكار أكبر.
لكن في الوقت نفسه لا أريد أن يحدّني تصنيف معين، وأنا أعلم أن عبارة “فنان فلسطيني” لها رنين الآن ويستفيد منها الكثير من الأشخاص، لكن هناك إبادة جماعية، ونعم أنا فلسطيني، لكني لا أريد استغلال القضية الفلسطينية.
أريد أن يقدر فني لموهبتي، لا بسبب التصنيفات أو الهويات التي أحملها.
يمكنكم الآن الاستماع إلى أغنية بشار مراد “الجحيم“6 من ألبومه الأول الذي سيصدر قريبًا.
على الغلاف
نجم الغلاف: بشار مراد
تصوير: محسن عثمان
تنسيق وتلبيس: وسيم لحمر
مكياج: تمارا حنا
مساعد\ة المنسق :ماري خكس
أجرى المقابلة: إلياس جهشان
Morcos Key : تصميم الغلاف
تركيب وتصميم الغلاف: علاء السعدي
رئيس التحرير: خالد عبد الهادي
هذا المقال من عدد الذبذبات