بقلم: سمسم
العمل الفني: لينا
هذا المقال ملحق بعدد الذبذبات
تنويه: في الحروب والنزاعات المسلحة لمختلف أسباب وقوعها تواجه الأقليات الجنسية/الجندرية خطرا متزايدا لجرائم الحرب، كالعنف الجسدي/الجنسي/النفسي والتعذيب والقتل. فتظل حبيسة غير مرئية لتحافظ على أمانها، ما يجعل هذه الانتهاكات عصيةً على الرصد والقياس.
تشكل الوصمات المجتمعية المتعلقة بالاعتداء الجنسي (بالأخص للرجال) حاجزا كبيرا يحول دون تسجيل وتوثيق العديد منها، والأشد خطرا أنه يحول دون وصولهم للمساعدة الطبية الضرورية والأدوية الواقية من الأمراض المنقولة جنسيًا إن وُجِدت
الأدهى والأمر، أن الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالانتهاكات المختلفة التي تتعرض لها الأقليات الجنسية غير موثقة وتظل خارج سجلات الجهات الحكومية والإنسانية المختصة. كما تشكل الوصمات المجتمعية المتعلقة بالاعتداء الجنسي (بالأخص للرجال) حاجزا كبيرا يحول دون تسجيل وتوثيق العديد منها، والأشد خطرا أنه يحول دون وصولهم للمساعدة الطبية الضرورية والأدوية الواقية من الأمراض المنقولة جنسيًا -إن وُجِدت.9
في هذا الصدد تحدثت مع ر.ق، شاب مثلي سوداني سرد لي واقعة تهديده بالاغتصاب قائلا “في رحلة خروجي من مدينة الأبيض المُحاصرة كان هناك العديد من نقاط التفتيش التي تتبع لمليشيا الدعم السريع. في كل النقاط كان يتم إنزال جميع ركاب الحافلة وتفتيشهم/ن يدويا وإذلالهم/ن، وسرقتهم/ن. مظهري وطريقة حديثي كانا’زي النسوان’ حسب قولهم، فتعرضت للكثير من التحرش الجسدي واللفظي من قبلهم، وتم تهديدي بالاغتصاب حيث قال لي أحدهم “أي زول زيك نحنا بنزعـ*ـه” (أي نغتـصبه). كنت طوال الطريق خائفا ومتوترا وقلقا من الخطر الذي كان من الممكن أن يحل بي”.
العمل الفني: لينا
كما أخبرتني م.ش لا ثنائية الجندر أن قوات الدعم السريع اعتدوا عليها هي ومجموعة من أصدقائها المثليين في حي جبرة، وهو حي من أحياء مدينة الخرطوم: “ضربونا بالسيطان وأساؤوا لنا بهويتنا. كانوا ينعتوننا بـ “النسوان”، وضربوني بطرف الكلاش في رأسي، وعلقوني من رجليني في البلكونة وكانوا حيرموني منها، عذبونا كتير ونهبوا أموالنا، وطردونا من الشقة الكنا موجودين فيها عرايا. بعد معاناة وصلنا لإمدرمان حتى استطعت أن أعالج جروحي”. وهناك العديد من الشهادات والقصص المروعة للانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات الجنسية في السودان، لكن الوصمة تدفع بالكثيرين لالتزام الصمت. فرفض أحد أفراد مجتمع الميم عين المتواجد قسرا في إحدى المدن المشتعلة نشر ما يتعرض له حاليا من أفراد الدعم السريع، الذي هو أقرب للرق والإتجار الجنسي، خوفا على حياته وحياة من معه.
ولا يمكننا أن نغفل النقص الكبير جدا في العون والدعم النفسي الصديق وغير الواصم للأقليات الجنسية -التي تعاني أصلا من الأزمات النفسية بسبب الوصمة والرفض المجتمعي والخوف من الملاحقة القانونية- حيث كانت تعاني من ندرة في العلاج النفسي الموثوق والصديق الذي لا يعاديها ولا يصنف طبيعتها بالمرض الذي يستوجب العلاج. بالقياس بهذا الوضع السيئ مسبقا يمكننا أن نستنتج رداءة الوضع النفسي للأقليات الجنسية خلال الحرب والنزاع المسلح.
فهي تتعرض للاعتداءات أو/و تسمع بالاعتداءات الممنهجة التي تطال الكويريين. وتصيبهم/ن العزلة الاجتماعية الكبيرة بالبعد عن دوائرهم/ن الاجتماعية بسبب العمليات العسكرية المكثفة والغارات في بؤر النزاع والنزوح إلى المجهول خارج مناطق استقرارهم/ن، مع الدمار المستمر للبنية التحتية وسوء الاتصالات والإنترنت الذي يزيد العزلة خناقا. وأيضا العنف المنزلي الذي يمكن أن يتعرض له أفراد الأقليات الجنسية نتيجة بقاء أفرادها لفترات طويلة مع أسرهم في ظل ظروف لا تسمح لهم بالاستقلالية الاقتصادية مع تسارع انهيار الاقتصاد السوداني. يقول م.ح: ” أصبحت في حالة وهن نفسي تامة بعد عجزي عن الحصول على أدويتي المضادة للاكتئاب طيلة فترة الحرب. فقدت كل وسائل الدعم النفسي وأهمها رفقة أصدقائي وصديقاتي من الميم عين، كما فقدت عملي الذي كان يوفر لي نوع من المسافة الآمنة من عائلتي التي تكره طبيعتي”.
الأقليات والأولويات
ختاما وبالعودة إلى التساؤل الذي طرحته في بادئ سردي، حول مدى أهمية وأولوية مناقشة قضايا الأقليات الجنسية في ظل هذه الحرب، وهل يعتبر النقاش إنفصاليةً عن الواقع وتجاهل للأولويات؟
افتقار هذا المقال لأبسط الأرقام المتعلقة بوضع الأقليات الجنسية في السودان خلال هذه الحرب وما قبلها كافٍ لأن يكون مؤشرا لفداحة واقع الأقليات في السودان. لكن الإجابة ببساطة أنه وبكل المعايير المستخدمة لترتيب الأولويات، فقضية الأقليات الجنسية ووضعها في الحرب مهمةٌ للغاية وتتطلب تسليط الضوء والاهتمام العاجل بأفرادها. ومناهضة كل الخطابات السامة التي تساهم في زيادة وتيرة العنف والانتهاكات التي تلحق بها. كما من المهم إنشاء مساحات آمنة، تسهل فيها عملية رصد وتوثيق تلك الانتهاكات التي تهيئ لها الحرب بيئة خصبة. وتوفير العون القانوني والنفسي الطارئ في ظل حرب لم ترحم ذوي الامتيازات فكيف يكون حال مجموعات مضطهدة ومرفوضة باسم الدين والمجتمع والقانون، والتي لا تمتلك أي دعم من الأجساد المدنية في المنطقة وفي العالم لدعم أفرادها ومساعدتهم/ن في الحصول على ملاجئ آمنة بعيدا عن الخطر الجسيم الذي يتبعهم/ن ببقائهم/ن في السودان.
- تقصي الحقائق: ماذا أحدث عام من الحرب والدمار في السودان؟ تقرير BBC عربي.
- تقارير الأوضاع – مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية – الأمم المتحدة/ 20 يونيو 2024
- قناة الشرق الإخبارية، لقاء تلفزيوني مع سليمى اسحق، 25 أكتوبر 2024، سليمى أسحاق: 309 حالة اغتصاب مسجلة في البلاد منذ بداية الحرب | مديرة وحدة مكافحة العنف ضدّ المرأة والطفل في السودان لـ”الشرق”: 309 حالة اغتصاب مسجلة في البلاد منذ بداية الحرب #الشرق_السودان | By الشرق للأخبار – السودان | Facebook
- القانون الجنائي السوداني لعام 1991
- تفاصيل ما حدث في زواج المثليين في أبو حمد، صحيفة المشهد السوداني، 8 مارس، 2020
- Annick T.R. Wibben. Researching Wars; Feminist Methods, Ethics, and Politics. Interventions (London. Series. Print)
- قائد قوات الدعم السريع.
- عمليات الاغتصاب الجماعي في دارفور – تقرير هيومن رايتس ووتش، 2014
- العنف الجنسيّ | الاستجابة الطبية – أطباء بلا حدود n.d. MSF. Accessed July 22, 2024.