English


بقلم: حازم ج
ترجمة: هبة مصطفى
العمل الفني: لينا
هذا المقال ملحق بعدد الذبذبات

هل يمكن للمجتمعات الكويرية1 في لبنان، لا سيما في الجنوب، الحداد على اغتيال حسن نصر الله؟ في منطقة دمرتها عقود من الاحتلال والحرب والعنف الإمبريالي، لا يتعلق هذا السؤال بشخص حسن نصر الله فحسب، بل بما يمثله؛ فقد جسّد المقاومة ضد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والإبادة الجماعية الصهيونية، التي لا تزال تتصاعد بموافقة صريحة ودعم مباشر من القوى الغربية.

يأتي حداد وولاء العديد من الكوير في لبنان للمقاومة -لا سيما الأكثر تأثراً بالحرب والنزوح والفقر- فوق أي تعبير عن الهوية الجنسية أو الجندرية، لكن سياسات المنطقة، التي تشكّلها آلة الحرب الإسرائيلية والقومية المثلية2 الغربية، تجعل من المستحيل تقريباً على العديد من الكوير التعبير علانية عن حزنهم على نصر الله والإرهاب الذي يُمارس دون خوف من الإدانة من داخل مجتمعاتهم/ن وخارجها.

يأتي حداد وولاء العديد من الكوير في لبنان للمقاومة -لا سيما الأكثر تأثراً بالحرب والنزوح والفقر- فوق أي تعبير عن الهوية الجنسية أو الجندرية، لكن سياسات المنطقة، التي تشكّلها آلة الحرب الإسرائيلية والقومية المثلية الغربية، تجعل من المستحيل تقريباً على العديد من الكوير التعبير علانية عن حزنهم على نصر الله والإرهاب الذي يُمارس دون خوف من الإدانة من داخل مجتمعاتهم/ن وخارجها.

لطالما أدت قيادة نصر الله لحزب الله إلى جعله شخصية استقطابية في السرديات الغربية، حيث تُصوّر حركات المقاومة التي تواجه الصهيونية على أنها “إرهابية”، لكن هذه السرديات تتجاهل التجارب الحياتية لمن يعيشون على أرض الواقع، لمن  يرى في حزب الله قوة دفاع ضرورية ضد العدوان الإسرائيلي؛ ففي عام 6002 عندما نزح أكثر من مليون لبناني/ة بسبب القصف الإسرائيلي، أصبحت مقاومة حزب الله رمزاً للنجاة والكرامة في مواجهة الاحتلال الغاشم. ومع ذلك، على الرغم من هذا الواقع، غالباً ما تُجبر المجتمعات الكويرية في لبنان على الصمت بفعل الأجندة الليبرالية الغربية، التي ترفض أي شكل من أشكال التضامن مع حزب الله وتخلط بين مقاومة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ودعم العنف، وتخلق ثنائية مزدوجة بين الكويرية ونضال حزب الله من أجل التحرير، ويُحرم الكوير ممن تتشكل حياتهم/ن بالعنف ذاته من مساحة للحزن والحداد.

لم يكن نصر الله نصيراً لحقوق الكوير، كما يتضح من تصريحاته العامة المتأصلة في خطابه المعادي للمثليين/ات وانحيازه للاتجاه المحافظ اجتماعيا في لبنان، ويُقال إنه قد رسّخ (أو أعاد ترسيخ) الوصمة ضد مجتمع الميم عين+ عبر المنطقة، ويسهم هذا الموقف في المخاطر المحيطة بالتعبير عن  جندرية وجنسانية غير معياريتين أو ممارستهما، التي غالباً ما تكون أكثر حدة في المناطق الريفية والمحافظة.

لكن الهوية الكويرية في لبنان تتجاوز الميل الجنسي أو الهوية الجندرية؛ فهم/ن ناجون/ات من الحرب ولاجئون/ات وأعضاء في حركات المقاومة قبل أن يكونوا/يكنّ كويريين/ات، وغالباً ما يجب أن يكون لكويريتهم/ن مكانة ثانوية مقارنةً باحتياجات أكثر إلحاحاً، مثل الحق في العيش والحق في مقاومة الاحتلال والحق في الدفاع عن مجتمعاتهم/ن ضد العدوان الأجنبي.

وينبغي ألا يضطر الكوير في الجنوب العالمي، لا سيما المنخرطون/ات في حركات المقاومة، إلى الاختيار بين حقهم/ن في المقاومة وفي الوجود بصفتهم أفراداً كوير.

ليس قمع الهويات الكويرية في الجنوب العالمي، لا سيما في الدول المناهضة للإمبريالية مثل لبنان وأوغندا والعراق وجورجيا، بظاهرة منعزلة؛ فغالباً ما لجأت هذه الدول -في تحدٍ للهيمنة السياسية الغربية وتجميعها لحقوق أفراد مجتمع الميم عين+ في أجنداتها السياسية الأوسع نطاقاً- إلى تجريم هويات أفراد مجتمع الميم عين+ كجزء من رفضها الأوسع للنفوذ الغربي، والقوانين الأوغندية الصارمة التي تجرّم الانتماء إلى مجتمع الميم عين+ مثال بارز على ذلك، وكذلك التشريعات القمعية في كلٍ من جورجيا والعراق، وبعبارة أخرى، بالنسبة لهذه الحكومات، يؤطر قمع حقوق الكويريين/ات على أنه أحد أشكال المقاومة الثقافية والسياسية ضد الإمبريالية الأخلاقية الغربية.

يجد الكوير أنفسهم في هذا المشهد الجيوسياسي بين نارين؛ فمن ناحية هناك خوف من الاضطهاد والتهميش في البلد الأم بل وقد يتعرضون/يتعرضن لهما، سواء من جانب الدولة أو الجماعات المسلحة أو مجموعات المقاومة أو القوى الاجتماعية، حيث تُسيّس هذه الهويات كأدوات لمقاومة الإمبريالية الغربية. ومن ناحية أخرى، طلباً للجوء أو التضامن من الغرب، يُتوقّع منهم/ن الامتثال لنسخة جامدة وغربية من الكويرية تمنع المشاركة السياسية المناهضة للاستعمار، وفي هذا الوضع، يجد الكثيرون/ات اضطرارا إلى ترجيح أحد أشكال الاضطهاد الذي يتعرضون/يتعرضن لها – ككوير أو من 3لبنان – على غيره، وإن كان هذا إشكالياً وغير واقعي بطبيعته.

الغرب الذي يدّعي أنه يناصر حقوق أفراد مجتمع الميم عين+ لا يفعل ذلك بدافع التضامن الحقيقي، بل للحفاظ على الهيمنة الجيوسياسية، ويتجلى هذا التكتيك في الطريقة التي يُجبر فيها طالبو/ات اللجوء على أداء نسخ نمطية من الهوية الكويرية تتلاءم مع السرديات الغربية، كما تشير إلى ذلك مجلة رافيا (الإنجليزية: aiffaR)، ويجب أن يقدم اللاجئون/ات الكوير أنفسهم/ن على أنهم/ن مقبولون/ات وتتوافق مواقفهم/ن وآرائهم/ن السياسية مع المُثُل الغربية، وإلا فإنهم/ن يخاطرون/يخاطرن برفض طلبات لجوئهم/ن.

هذا هو جوهر المشكلة مع القومية المثلية4 – الاستحواذ على حقوق أفراد مجتمع الميم عين+ كأداة للإمبريالية، حيث يناصر الغرب التحرر الكويري بانتقائية عندما يتوافق مع مصالحه الجيوسياسية، لكنه يظل صامتاً عندما يقاوم هؤلاء الكوير الاحتلال أو الاستعمار أو الاستغلال الرأسمالي، بل ويقمعهم/ن ويشيطنهم/ن، فهل يمكن للغرب الذي لا يزال متواطئاً في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل أن يدّعي حقاً أنه يناصر تحرير أفراد مجتمع الميم عين+ في الجنوب العالمي؟ الإجابة واضحة: لا، لا يمكن.

العمل الفني: لينا

حان الوقت لحركة عالمية لمجتمع الميم عين+ تفصل نفسها عن الإمبريالية الغربية وتقر أن الكوير في الجنوب العالمي يواجهون/يواجهن صراعات متعددة، والنضال من أجل حقوق الكوير ليس منفصلاً عن النضال ضد الاحتلال والحرب والاستغلال؛ فلا ينبغي أن يضطر الفلسطينيون/ات الكوير، على سبيل المثال، قمع هوياتهم/ن في مواجهة نظام الفصل العنصري الصهيوني ولا ينبغي أن يخشى اللبنانيون/ات الكوير الرفض بسبب حزنهم على نصر الله، قائد ربما يرونه مدافعاً عن منازلهم/ن وعائلاتهم/ن.

لكن لا يمكننا تجاهل التعقيدات الموجودة داخل حركات المقاومة ذاتها؛ فقد تسببت تعليقات نصر الله المعادية للمثليين/ات في توتر لا مفر منه بالنسبة لهم/هن في المنطقة: كيف يمكن التوفيق بين كويرية الشخص ودعمه/ا لحركة يُزعم أنها تحرمه/ا من حرياته/ا الجنسية والجندرية؟ بالنسبة للبعض، الإجابة واضحة: تأتي نجاتهم/ن وإيمانهم/ن وحاجتهم/ن إلى مقاومة الهيمنة الأجنبية أولاً، ويسبق النضال من أجل الاحتياجات الأساسية – الملجأ والأمان والكرامة – النضال من أجل حقوق أفراد مجتمع الميم عين+ في سياق يتعرض فيه وجود مجتمعاتهم/ن ذاته لتهديد مستمر.

لا يعني هذا أنه يجب تبرير قمع الهويات الكويرية داخل هذه الحركات أو التغاضي عنه؛ فعلى العكس من ذلك، يجب أن نبحث بشكل ناقد الطرق التي تم بها تحويل الأعراف الاجتماعية المحافظة في الدول المناهضة للإمبريالية إلى سلاح لقمع الكويرية، لكن يجب علينا أيضاً أن نقاوم الدافع الليبرالي الغربي لإطلاق الأحكام على هذ الحركات من منطلق فوقية أخلاقية منفصلة، وينبغي ألا يضطر الكوير في الجنوب العالمي، لا سيما المنخرطون/ات في حركات المقاومة، إلى الاختيار بين حقهم/ن في المقاومة وفي الوجود بصفتهم أفراداً كوير.

يجب علينا رفض ثنائية الاختيار التي يفرضها الغرب – إما احتضان نسخة منقحة وغربية من الكويرية أو تصنيفنا على أننا رجعيون/ات، حتى وإن كنا نقاوم الإمبريالية – من أجل بناء تضامن كويري عالمي حقيقي، ويجب أن نقر بأنه لا يمكن تحقيق التحرر الكويري دون التصدي لنُظُم الاستعمار والاحتلال والاستغلال العالمي الأوسع نطاقاً التي تشكّل حياة الكوير في الجنوب العالمي، ويقتضي منا مستقبل التحرر الكويري الحقيقي أن نستمع إلى من هم في الخطوط الأمامية، من لا يناضلون/يناضلن فقط من أجل حقهم/ن في الحب، بل أيضاً من أجل المقاومة والنجاة وعيش حياة تخلو من الهيمنة الاستعمارية.

إذا كانت الحركة العالمية لمجتمع الميم عين+ ستواصل الاستناد إلى “عكاز” القومية المثلية، فإنها ليست قوة من أجل التحرر على الإطلاق، بل مجرد ترس آخر في آلة الإمبريالية، وقد حان الوقت لنتخيل تحرراً كويرياً يتجاوز الحدود ويرفض استحواذ القوى العالمية عليه ويتضامن مع جميع المقهورين/ات، سواء كانوا/كنّ يواجهون/يواجهن القنابل أو الرصاص أو الحدود، ويجب أن يتمتع الكوير بالحق في الحداد على شهدائهم/هن والدفاع عن أوطانهم/ن وتشكيل مستقبلهم/ن الحر من قيود الإمبريالية الغربية.

  1. يُستخدم مصطلحا “الكويريين/ات” و”مجتمع الميم عين+” بالتبادل في جميع أنحاء المقال.
  2. Jasbir Puar, Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times, Duke University Press, 2007.
  3. أودري لورد، “لا يوجد تسلسل هرمي للقمع”.
  4. Puar, Terrorist Assemblages.