المقال بقلم: جالد أ
ترجمة: هبة مصطفى
العمل الفني: ملوخية الفيل
هذا المقال من عدد عقدة الواوا
مثّل الإنترنت جزءً كبيراً من نشأتي؛ فقد أجابت المعلومات الغزيرة المتاحة عليه عن معظم أسئلتي وأرضت جوانب كثيرة من فضولي، مثلاً متى سيُعرض فيلم “هاي سكول ميوزيكال” (الإنجليزية: High School Musical) لأول مرة على قناة إم بي سي ماكس؟ لقد جعل الإنترنت من المستحيل ممكناً؛ فقد عرفت من خلاله أن الرجال يمارسون الجنس مع الرجال؛ لقد اعتقدت لفترة طويلة (أو، بالأحرى، دُفعت للاعتقاد) أن الكويرية تقتصر على الانجذاب فحسب لا الفعل، وكل ما تطلبه الأمر هو أن أتصفح منصة “تمبلر” (الإنجليزية: Tumblr) لأدرك أن الرجال يحولون هذا الانجذاب إلى فعل.
على الرغم من انبهاري بما رأيته من مشاهد لرجال في أوضاع حميمة مع رجال آخرين، فقد بدا ما رأيته بعيداً ونائياً وكأنه شيء لا يمكن أن يحدث إلا في سياقات بعيدة للغاية، لا في السعودية.
بعد فترة وجيزة من ذلك، اكتشفت أن الإنترنت يتيح أدوات “لنا” وطرقاً يمكن من خلالها للرجال العرب العثور على بعضهم البعض وبناء الحميمية (شخصياً وافتراضياً) مع الحفاظ على سرية هوياتهم، كما مكّنهم من استكشاف سبل اقتصادية مختلفة – مثل العمل الجنسي الرقمي – قد تكون أقل أماناً بكثير دون حاجز الأمان الذي يوفره الإنترنت.
العثور على بعضنا بعضا
على الرغم من شيوع استخدام تطبيقات المواعدة، فإن معظمها محظور أو ينطوي استخدامها على الكثير من المخاطر في البلدان الناطقة بالعربية؛ فستظهر لك رسالة منبثقة تقول “هل أنت متأكد/ة من أنك تريد/ين إظهار ملفك الشخصي في هذه المنطقة؟” عندما تفتح/ين تطبيقي غريندر (Grinder) وتندر (Tinder) لتذكّر المستخدمين/ات باستمرار بهذه المخاطر. توفر منصات التواصل الاجتماعي، من ناحية أخرى، وسيلة آمنة ليلتقي الناس من خلالها؛ فلأنها لا تخدم صراحةً هدف العثور على شركاء/شريكات، يمكنها أن تحمي المستخدمين/ات من المتفقدين العشوائيين أو الشرطة، كما أنه من الأسهل الوصول إليها وتخصيصها حسب استخدام كل شخص؛ إذ يمكن للمستخدمين/ات – باستخدام الوسوم (هاشتاغز) – تضييق نطاق ما يبحثون/يبحثن عنه بأعلى درجة من الدقة.
يتضمن المنشور الأول لرجل من مدينة حفر الباطن يبلغ من العمر 53 عاماً مجموعة من الكلمات المفتاحية والسمات الجسدية: المدينة والعمر ونوع الجسم والوضع الجنسي والقدرة على الاستضافة، إلخ. اسم المستخدم الخاص به يتكون من مجموعة من الحروف العشوائية ولديه عدد قليل من المتابعين، أما صورة ملفه الشخصي فمأخوذة من أحد مواقع الصور التجارية ومنشوراته جميعها عبارة عن منشور واحد مكرر، وفيها يطلب من الأشخاص الذين تتوافق صفاتهم مع ما هو منشور إرسال رسالة مباشرة إليه.
هذا النوع من المنشورات إجراء معتاد متبع في منظومة العثور على شريك، حيث الخطوة الأولى هي البحث عن الكلمات المفتاحية والبحث عما يبحث عنه المستخدمون وما يقدمونه، وتختلف الخطوات التالية بعض الشيء؛ فالبعض يتبادلون صور أجسادهم أو يسألون عن المكان الذي يعيشون فيه، ويشارك البعض اسم عائلاتهم أو صور وجوههم حسب مستوى ارتياحهم، بينما يفضّل آخرون اللقاء في مكان عام أولاً.
على الرغم من أن العملية تختلف باختلاف الأشخاص الذين سيتقابلون، فإن أشكال التبادل والتواصل هذه تضمن للشركاء المحتملين تكوين فكرة عن هوية بعضهم دون الكشف عن أي بيانات قابلة للتتبع يمكن مشاركتها مع الأصدقاء أو الأقارب أو غيرهم، وبدلاً من اعتبار هذا مجرد قيد، ينبغي أن ننظر إليه على أنه سعي إلى التواصل وفقاً لشروطهم وما يناسبهم.
Artwork by Mloukhiyyé
التوفيق بين الشركاء على الإنترنت
صادفت وسيطاً للتوفيق بين الشركاء لديه أكثر من 56 ألف متابع وحساب احتياطي به أكثر من 000,6 متابع، وهو لا يشارك صوره أو معلوماته الشخصية، بل يستخدم الحساب للنشر عن الرجال الذين يسعون إلى التواصل ومقاطع فيديو يعثر عليه المستخدمون أو يتلقونها واستطلاعات رأي على شاكلة “أي رقم في هذه الصورة يمثل قضيبك؟” وللمشاركة في هذا التفاعل مع الجمهور (سواء بوضع تعليق على الصور أو إرسالها)، فكل ما عليك فعله هو إرسال رسالة مباشرة إليه.
تعتمد هذه المنشورات على سلسلة من الكلمات المفتاحية، كما هو الحال مع جميع المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في هذه الحالة، هناك حاجة إلى وسائل مساعدة بصرية (أي، صور الجسد أو الصور العارية أو مقاطع الفيديو، إما لأنفسهم أو النوع الذي يبحثون عنه لتسريع عملية المطابقة، ويظهر عدد لا يُحصى من صور الخصور ومقاطع الفيديو التي تصور أجزاء من الجسد عندما يتصفح المرء هذه الحسابات، ويتواصل رجال من المغرب إلى مصر إلى العراق إلى قطر تبعاً للمسافة التي تفصلهم عن بعضهم بعض، وما إذا كان الممكن رؤية بعضهم شخصياً أو عن طريق مكالمة فيديو إذا كانت المسافة بينهم بعيدة، وجميع أشكال التفاعل هذه غير قابلة للتتبع؛ فالمعلومات التي يشاركونها مبهمة ولا تحتوي مقاطع الفيديو عادةً على صوت (سواء في صورة كلمات منطوقة أو تأوهات).
يتفاعل بعض المستخدمين مع هذا المحتوى المصور فحسب، دون أن تكون لديهم نية في اللقاء أو التواصل؛ فالمتعة بالنسبة لهم تتمثل في الرؤية والمشاركة، وتتبع مقاطع الفيديو نمطاً مماثلاً؛ فمدتها لا تتجاوز 05 ثانية وتُظهر أجساداً يمارس أصحابها الجنس (دون أن تُظهر وجوههم أو تحجبها)، وقلة منها فحسب يمكن تحديد جنسيات من هم فيها، وبالطبع، هذه المنظومة ليست مثالية؛ فبعض أو كل المعلومات الشخصية تتعرض للتسريب، وقد وجد مستخدم مصري الجنسية مقطع فيديو كان قد صنعه قبل سبع سنوات متداولاً عبر عدة حسابات، وليس لديه أدنى فكرة عن كيفية عثورهم عليه ونشره على نطاق واسع على هذا النحو.
العمل الجنسي على الشاشة
توفر منصات مثل أونلي فانز (OnlyFans) وسيلة أخرى للتفاعل مع الحميمية الكويرية، ويستفيد بعض المستخدمين/ات من مقاطع الفيديو هذه، حيث يجمعون/يجمعن ما “ندر” أو “لم يسبق عرضه” منها ويحمّلونها/يحمّلنها على منصات البث، بل وينشرون/ينشرن تعليمات حول كيفية الوصول إلى الصفحات التي غالباً ما تكون محظورة، وفي الغالب تؤرشف هذه الصفحات الفيديوهات القديمة التي تم تسريبها وغيرها من فيديوهات على الإنترنت، ويدّعي أحد الحسابات الذي يتابعه أكثر من 25 ألف متابع/ة أنه يقدم “أكبر مكتبة من المقاطع الإباحية (البورنو) العربية الحقيقية“، وربما كلمة “الحقيقية” هي ما يجعل المشتركون/ات يتابعون/يتابعن المحتوى ويتفاعلون/يتفاعلن معه، ويجده المتابعون/ات مألوفاً لديهم/ن ويعبّر عن ظروف تجاربهم/ن الجنسية.
Artwork by Mloukhiyyé
ينشئ مستخدمون/ات آخرون/أخريات محتوى أصلياً ويشاركونه/يشاركنه على هذه المنصات، وهناك طلب متزايد على المحتوى الأصلي والمألوف، مثلاً ينشر صانع محتوى سعودي لديه أكثر من 84 ألف متابع/ة ويعيش بين السعودية وقطر مقاطع فيديو لرجال ونساء بينهم توافق رضائي ويريدون التقابل، وقد قام بتحميل أكثر من 002 مقطع فيديو، لكل منها عنوان مخادع ومضلل وسيناريو يتسم بالخصوصية الثقافية ويضيف بُعداً آخر من الألفة، ومن هذا الفيديوهات فيديو يقول وصفه “قابلت رجلاً في عزومة ولكن انتهى الأمر إلى ممارسة الجنس معه” وآخر يُظهر رجلاً يغازل أحد زملائه في فريق لكرة القدم، وعلى حساب آخر يتابعه أكثر من 44 ألف متابع/ة، يخلق صانع محتوى مصري الألفة بارتداء الجلابية في مقاطع الفيديو الخاصة به، وهناك صناع محتوى آخرين، مثل صانع محتوى سوري مقيم في تركيا ولديه أكثر من 01 آلاف متابع/ة، لا يصورون/يصورن تجاربهم/ن مع زبائنهم/ن بل لقاءاتهم/ن، بما في ذلك مع سائحين/ات.
الاستثناءات والخصوصية الثقافية
في حين أن عدم الكشف عن الهوية هو المعيار العام في المنطقة، فإن البعض يظهرون وجوههم ويحجبون وجوه شركائهم، لكن هذا أكثر شيوعاً بين صانعي المحتوى العرب في الخارج بسبب المخاطر، ولا يزال جمهورهم من الرجال الناطقين باللغة العربية في المنطقة، ويمكنك استنباط ذلك من اللغة المستخدمة في مقاطع الفيديو والممارسات المتبعة في التعليق التوضيحية، حتى عند ممارستهم الجنس مع رجال غير عرب، ويتداول آخرون المواد الإباحية المنتجة في البلدان الغربية ولكنهم يكيّفونها مع السياق باستخدام تعليقات توضيحية وسيناريوهات ذات خصوصية ثقافية مشابهة لتلك التي يتم إنتاجها في المنطقة.
تدفعنا هذه الأشكال المتنوعة “للمحتوى ذي الخصوصية الثقافية” إلى التساؤل عما يجذب الجمهور إليها، أهي الصورة أم السيناريو أم اللغة أم مزيج من كل هذا؟ في حين أنه لا توجد طريقة واضحة للإجابة عن هذا السؤال دون إجراء مقابلات مكثفة، فمن المحتمل أن السياقات المألوفة (أو السياقات المعاد صياغتها أو تخيلها) تسمح للمشاهدين بالتفاعل بشكل مختلف وأن استخدام اللغة العربية يسهّل العثور على المحتوى من خلال عمليات البحث باستخدام الكلمات المفتاحية.
خاتمة
بالطبع، هناك العديد من الطرق التي يتواصل بها الرجال العرب الكويريون في المنطقة، سواء على الإنترنت أو خارجه، وهناك تاريخ من ممارسة الرجال للجنس مع الرجال والتمكين والثقة في هوياتهم، لكن وجود صور الحميمية وأشكالها هذه وتداولها عبر الإنترنت يوفر طريقة بديلة للبحث عن المتعة والحميمية ويُظهر لنا ما يطوره مختلف الأشخاص من إبداع للتغلب على قيود الرقابة والسلامة.
استخدم الرجال العرب الكويريون منصات التواصل الاجتماعي لإنشاء شبكات اجتماعية من الأشخاص الذين يعيشون على مقربة منهم (الذين من المحتمل أن يصادقونهم أو يواعدونهم أو يمارسون الجنس معهم) أو حول العالم، بدلاً من الاعتماد على تطبيقات المواعدة وحدها والمخاطر قد تشكّلها، واستخدموا خصائص كل منصة، مثل الوسوم، للبحث عما يريدونه على وجه التحديد، ولاحقاً تحولت هذه التفاعلات الفردية إلى قواعد غير معلنة حول كيف ومتى ينبغي أو يمكن مشاركة الصور والمعلومات على هذه المنصات العامة ومع بعضهم بعض وماهيتها.
تمهّد “القواعد” التي تنبثق عن سياق ثقافي محدد الطريق أمام سبل جديدة يمكن للرجال العرب الكويريين الاستفادة منها واستخدامها للاستكشاف والتواصل، ولا يكشف الطلب المتزايد على المحتوى – الأصلي أو المؤرشف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والمستقل – الذي يمثل المشاهدين ويلامسهم عن رغبات الأشخاص فحسب، بل عن أوجه القصور الموجودة في صناعتي الجنس والحميمية في الوقت الحالي، وينتج الرجال العرب الكويريون عوالهم الافتراضية عوالمهم الافتراضية من المتعة والحميمية وفق شروطهم بطرق مذهلة.