بقلم: ليل الطويل
ترجمة: هبة مصطفى
العمل الفني: ملوخية الفيل
تدفق المستخدمون/ات الإسرائيليون/ات على منصات المواعدة في مصر، ولبنان، والإمارات، وفلسطين، والأردن خلال الأشهر الماضية (نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023)، وعلى الرغم من تباطؤ التدفق الأولي، إلا أن المستخدمين/ات في المنطقة لا يزالون يقابلون عدداً كبيراً من الحسابات الإسرائيلية على تطبيقات المواعدة، مثل تندر، وبامبل، وغريندر.
يستخدم الهيكل الصهيوني الضخم للعنف الاستعماري كل الأذرع المتاحة لخنق الوجود الفلسطيني، وقد اندمج الكيان الإسرائيلي، وجيشه، و”أبطاله” الصهاينة في مشروع إمبريالي ضخم انطلاقا من هيكل الاحتلال ذاته على الأرض إلى نشر الدعاية اللاإنسانية والمعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالطبع، يثير الظهور المفاجئ للإسرائيليين/ات على تطبيقات المواعدة في منطقة “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا الشكوك حول ما إذا كانت هذه محاولة أخرى للاختراق وجمع البيانات لتغذية هذا المشروع بشكل أكبر.
ترددت أصداء الخوف الناتج في جميع أنحاء المنطقة؛ فالاحتلال الإسرائيلي لديه سجل حافل ومعروف باستخدام برامج التجسس والمراقبة الصارمة، وهو ما زاد بدرجة كبيرة في المنطقة منذ أن بدأت إسرائيل حملتها للإبادة الجماعية على غزة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقد اُستخدم برنامج “بيغاسوس”، وهو برنامج للتجسس من إنتاج “مجموعة إن إس أو”1 للأمن السيبراني ومقرها “إسرائيل”، في الماضي لاختراق هواتف النشطاء، والعاملين/ات في مجال الحقوق، والصحفيين/ات، وفي الوقت الحالي، تستخدم “مجموعة إن إس أو” برنامج التجسس ذاته في غزة.
يتضمن هذا المقال مقابلات مع ثلاثة أشخاص من مصر وآخر من فلسطين، استخدموا جميعهم تطبيقات المواعدة خلال الشهرين الماضيين لسؤالهم عما إذا كانوا قد شهدوا تغيرات مفاجئة في التركيبة السكانية لمستخدمي التطبيقات، وعلى الرغم من اختلاف المواقع الجغرافية وطريقة الاتصال بالإنترنت، فإن هذه المحادثات تكشف عن أنماط احتلال فلسطين وعسكرتها، وبوجه عام، تعكس انتشار الصهاينة على هذه التطبيقات قدرتهم على الالتواء والظهور في الفضاءات الرقمية والشخصية، ما تثير المخاوف بشأن أمن المستخدمين الرقمي.
خطاب الكراهية واستخدام الوضع العسكري في تطبيقات المواعدة في القدس
قال عمرو*، وهو مُحاضر فلسطيني في الدراسات الإعلامية يعيش في القدس ويبلغ من العمر 27 عاماً، إنه بينما يرى الإسرائيليين/ات على تطبيقات المواعدة يومياً، فقد لاحظ زيادة في أعدادهم في القدس مؤخراً، وعزا ذلك إلى زيادة عدد المستوطنين/ات القادمين/ات من مناطق أخرى مثل تل أبيب، بحثاً عن الفرص الأكاديمية أو فرص العمل، وأضاف عمرو ما يلي، موضحاً أهمية الموقع الجغرافي بالنسبة للتجربة الفلسطينية مع المستعمر:
… لو كنت من حيفا، لكان الأمر مختلفاً عن كوني من الضفة الغربية أو القدس، وأنا من القدس، ولهذا، أنا مواطن فلسطيني، ولديّ إقامة إسرائيلية، لكن ليس لديّ جواز سفر، لذلك، تربطني علاقة مباشرة للغاية بالمستعمر، والسبب في تواجدنا في المكان ذاته هو استيلائه (المستعمر) على أرضنا.
ينعكس واقع العنف العسكري المتفشي في القدس المحتلة على التطبيق من خلال اللغة والإشارات البصرية؛ حيث قال عمرو إنه كان من الشائع أن نرى الإسرائيليين/ات يستخدمون عبارات مهينة تتعلق بالإبادة الجماعية في سيرهم الذاتية على تطبيقات المواعدة منذ عملية طوفان الأقصى، بما في ذلك “الموت للعرب” و”لا للغة العربية يا عاهرات”، و”سنستيقظ على غزة مدمرة”، فضلاً عن ارتداء أصحاب هذه الحسابات للملابس العسكرية للإشارة إلى الهيمنة القومية الصهيونية.
هذا “الغزو الرقمي” في مصر هو مجرد نسخة رقمية من الاستعمار الاستيطاني المستمر لفلسطين، والآلة الصهيونية، التي تتسلل إلى جميع جوانب الحياة، حتى خارج “حدودها”
وينعكس مدى عسكرة المجتمع الإسرائيلي في أنواع العلاقات التي ينشدها المستخدمون/ات الإسرائيليون/ات؛ حيث أفاد عمرو أنه رأى إسرائيليين/ات يستخدمون كلمات مثل “جندي/ة” و”أرتدي زياً رسمياً” في ألقابهم أو سيرهم الذاتية، ويعلن البعض بصورة مباشرة عن أنهم “يبحثون عن جنود”، كما لاحظ العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لنساء إسرائيليات يقاطعن إقامة العلاقات الجنسية مع رجال ليسوا في الخدمة النشطة في الجيش، أو لا يرتدون الزي الرسمي، بل إنه قد رأى ميمات ونكات عن رجال إسرائيليين يتنكرون بمظهر جنود لزيادة فرصهم الجنسية مع النساء الصهيونيات.
وفي حين أن انتشار هذه الإشارات اللغوية والبصرية قد زاد مؤخراً، فقد أوضح عمرو أن إشارات الرغبة الجنسية والجاذبية المرتبطتين بالخدمة والملابس العسكرية كانت موجودة دائماً، وأردف قائلاً إن الملابس العسكرية تُرتدى لتلعب دوراً في هذه المعايير الجنسانية “للإثارة الجنسية”: بالنسبة للنساء، الزي الرسمي “ملتصق بالجسد وضيق”، وبالنسبة للرجال، “يهدف إلى إبراز الذكورة وجعل الشخص يبدو ضخماً”.
كل هذه التمثيلات المجسدة للأنوثة/الذكورة المهيمنة أداة للخيال الجنسي “الجمعي” الاستعماري، وتحدث في سياق أوسع من الترويج للصهيونية على أنها “مثيرة”، ويمكن ملاحظة ذلك في “ترند” على تطبيق تيك توك للجنود/الجنديات الإسرائيليين/ات الذين/اللاتي يرقصون/يرقصن بزيهم العسكري، والإنتاج المستمر لمحتوى جنسي و/أو ذي طابع رومانسي عن الحرب، ويلعب هذا المحتوى على وتر الجاذبية و”الإثارة الجنسية” لصرف الانتباه عن العنف الواضح للاحتلال، مع الترويج للجيش من خلال تطويع نهج صناعة الترفيه المتمثل في “بيع الجنس”، وعلى غرار الحملات الصهيونية الأخرى الرامية إلى إضفاء الطابع الإنساني على المستعمرات الاستيطانية أو تطبيع وجودها، فإن هذه الكليشيهات الجنسية التي غالباً ما تعتمد على ثنائيات عنصرية تصور العرب على أنهم متوحشون بينما تصور الإسرائيليين/ات على أنهم “متحررون/ات جنسياً” وأن “الصهيونية مثيرة” وبالمقابل “حماس هي داعش”.
طغى الارتفاع الحاد في التكتيكات الصهيونية – المتمثلة في خطاب الكراهية وإضفاء الطابع الرومانسي على الجيش – على تطبيقات المواعدة مؤقتاً على النظرة الفيتيشية السائدة للرجال العرب على تطبيقات مثل تندر وغريندر، وفقاً لعمرو، على الرغم من عودتها إلى الظهور الآن رغم مخاوف الإسرائيليين/ات من الالتقاء في الأماكن العامة وسط “أزمة الأمن القومي”.
تزايد مشاعر انعدام الأمن مع انتشار الحسابات الشخصية الإسرائيلية على تطبيقات المواعدة في مصر
بينما يعزو البعض تدفق الحسابات الشخصية الصهيونية على تطبيقات المواعدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى انتقال المستوطنين/ات الإسرائيليين/ات إلى مدنهم/ن، فقد أثار الظهور المفاجئ للمستخدمين/ات الإسرائيليين/ات في مصر الشك والارتباك، وينطبق هذا بصفة خاصة على الكويريين/ات، الذين/اللاتي يستخدمون/يستخدمن التطبيق بحذر، وقد قالت نيرمين*، أخصائية في التسويق تبلغ من العمر 22 عاماً وتعيش في القاهرة وتستخدم تطبيقيّ تندر وبامبل، إنه على مدار الشهرين الماضيين، ظهر لها 4 حسابات إسرائيلية على الأقل، ووفقًا لها “لم يحدث هذا من قبل؛ فلم تظهر الحسابات الإسرائيلية لها من قبل إلا عند السفر إلى سيناء، حينها يكون أصحابها على بعد مئات الكيلومترات”.
العمل الفني: ملوخية الفيل
أكدت سلوى، وهي مستخدمة لتطبيقيّ تندر وبامبل من القاهرة، مخاوف نيرمين، حيث قالت إن الدوافع غير المعروفة للمستخدمين/ات الإسرائيليين/ات مثيرة للشكوك وإنها تشعر بأن هذا الأمر يشبه “الغزو الرقمي” لمساحة تبدو خاصة، بيد أن سلوى تدرك المخاطر الموجودة بالفعل والمرتبطة باستخدام تطبيقات المواعدة بصفتها امرأة كويرية تعيش في مصر، حيث تستخدم قوات الأمن والمدنيون هذه التطبيقات لاعتقال أفراد مجتمع الميم عين+ ونصب الكمائن لهم/ن، وأضاف تواجد الحسابات الإسرائيلية طبقة أخرى من الخوف من الانكشاف والتعرض للخطر عند استخدام التطبيقات، وعن الشك الإضافي الناتج عن وجود إسرائيليين/ات على تطبيقات المواعدة، أوضحت سلوى قائلةً:
… اسمي مميّز جداً وأعمل أيضاً في مجال فريد وأشعر بالضعف بالفعل لتواجدي على تطبيقات المواعدة بسبب خطر المراقبة (من الحكومة وكذلك من عامة الناس) الذي يتأتى مع رؤية الناس لملفي الشخصي، وعلاوة على ذلك، ومع حدوث الإبادة الجماعية في غزة، هناك خطر إضافي، وملاحظة وجود مستخدمين/ات إسرائيليين/ات على هذه التطبيقات أمر غير واقعي – يبدو الأمر وكأنه غزو رقمي، وبعد أن صادفت هذه الحسابات، لا أريد أن أكشف نفسي.
بالمثل، ذكرت نيرمين “بصفتنا كويريين/ات، يجب أن نكون واعين/ات تماماً لهوية من يتحدث معنا على تطبيقات المواعدة، لأن الحكومة المصرية دائماً ما تصطاد المثليين/ات وتعتقلهم/ن، ورؤية إسرائيليين/ات على هذه التطبيقات يزيد الخطر وعدم الشعور بالأمان”.
تتسبب هذه المخاوف في تجنب بعض الأشخاص لاستخدام تطبيقات المواعدة، على الرغم من الطرق التي تسهّل بها المواعدة بين الكويريين/ات في مصر، إضافة إلى الخوف المتزايد مؤخرا بسبب الارتفاع الحاد في الرقابة الحكومية، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستهدف فيها الحكومة المجتمعات الكويرية وتجعل منها كبش فداء.
ظهر العديد من المستخدمين/ات الإسرائيليين/ات الذين يعيشون في “تل أبيب” أو فلسطين المحتلة على بعد بضعة كيلومترات من القاهرة وفق خاصية تحديد الموقع في تطبيقات المواعدة، وعن ذلك تقول نيرمين: “عندما أرى هذه الحسابات، يتبادر إلى ذهني أنهم إما جواسيس إسرائيليون/ات أو مصريون/ات”، وهذه المخاوف مبررة؛ ففي عامي 2022/2021، أصابت برامج التجسس التي صنعتها شركة سايتروكس2 (شركة إسرائيلية مقرها أثينا) هواتف صحفيين/ات في مصر والاتحاد الأوروبي، ومن المقلق استمرار الاحتلال الإسرائيلي باستخدام برنامج التجسس داخل وخارج حدود فلسطين؛ فلا يمكن “الاستهانة” بالعلاقة بين شركات برامج التجسس والجيش الإسرائيلي، وقد حققت العديد من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والحقوق الرقمية، مثل “حملة”، في صناعة الرقابة والتقنيات الجنائية الرقمية المتنامية في إسرائيل، ووفقاً لمؤسسة كارنيغي “إسرائيل هي المُصدّر الرئيسي لبرامج التجسس والأدوات الجنائية الرقمية، وتحتل إيطاليا وألمانيا المرتبتين الثانية والثالثة”.
تداعيات تدخل إسرائيل في النظام العالمي لتحديد المواقع
شادي نور، ناشط وصانع أفلام من القاهرة مقيم في نيويورك، سعى للتحقيق في الدخول غير العادي للمستخدمين/ات الإسرائيليين/ات إلى منصات المواعدة في جميع أنحاء المنطقة، وقال إن العديد من أصحاب الحسابات الإسرائيلية التي ظهرت في القاهرة أفادوا بعدم علمهم/ن بظهورها هناك، وعلى الرغم من أن شادي قد شك في البداية في أن هذه الحسابات كانت محاولة للتطبيع أو خلق التعاطف بين المصريين/ات والإسرائيليين/ات، إلا أنه قد خلص – بعد التحدث إلى مستخدمين/ات في دبي، ولبنان، وسوريا، وغيرهم من أبناء المنطقة – إلى أنه “من المرجح أن يكون هناك خلل ناتج عن تلاعب الإسرائيليين بالنظام العالمي لتحديد المواقع، وهو تشويش متعمد لإشارات هذا النظام الرادع أو المعترض للغارات الجوية”.
كشف تمثيل بصري للبيانات نشرته “إنتل سكاي” عن أن بعض المناطق في مصر تعاني من مستوى عالٍ من التشويش للنظام العالمي لتحديد المواقع، مثل المدن القريبة من المستعمرة الاستيطانية، وعلى الرغم من أنه لم يتم التأكيد على أن هذا التشويش يمكن أن يكون مسؤولاً عن هذا الخلل في البيانات الجغرافية في مدن أبعد مثل القاهرة ودبي، فقد ذكر بيان صدر في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول عن قوات الاحتلال الإسرائيلية أن خدمات النظام العالمي لتحديد المواقع قد “تم تقييدها في مناطق القتال النشطة حسب مختلف الاحتياجات التشغيلية”، وتابع البيان أن الإسرائيليين يجب أن يتوقعوا أيضاً “ثغرات مؤقتة في التطبيقات التي تعتمد على خاصية تحديد الموقع مثل خرائط جوجل“.
ترجمة الشكل: قبرص. سوريا. لبنان. الضفة الغربية. إسرائيل. قطاع غزة. الأردن. تبوك. بورسعيد. القاهرة. مستويات تشويش النظام العالمي لتحديد المواقع: منخفض %0-2، متوسط %2-10، مرتفع <%10
خاتمة
في حين أن ارتفاع عدد الإسرائيليين/ات في تطبيقات المواعدة ناتج على الأرجح عن خلل في النظام العالمي لتحديد المواقع، فإن رؤية الإسرائيليين/ات على هذه التطبيقات يزيد مشاعر المستخدمين/ات بالضعف وعدم الأمان، لا سيما بالنسبة لبعض الفئات المهمشة؛ فقد أدت الزيادة في الدعاية والرقابة الصهيونية على الإنترنت، بالإضافة إلى سمعة إسرائيل واستخدامها التاريخي لبرامج التجسس، إلى حذر الناس عند رؤيتهم/ن لمحتوى إسرائيلي على الإنترنت، وهو ما يثير الريبة في المنطقة.
هذا “الغزو الرقمي” في مصر هو مجرد نسخة رقمية من الاستعمار الاستيطاني المستمر لفلسطين، والآلة الصهيونية، التي تتسلل إلى جميع جوانب الحياة، حتى خارج “حدودها”، وتثير الزيادة في أشكال تمثيل جاذبية العسكرية الصهيونية والخطاب العنيف الصريح عبر تطبيقات المواعدة هذه، والتوسع الإسرائيلي (الملحوظ مؤخراً) عبر المناطق الجغرافية الإقليمية أسئلة مهمة حول التهديدات الرقمية متعددة الأوجه التي يواجهها المستخدمون/ات.
ملاحظات:
أمن البيانات أثناء المواعدة الرقمية
ابتكرت منظمة “Tactical Tech”، وهي منظمة دولية غير ربحية متخصصة في تقاطع التكنولوجيا، وحقوق الإنسان، والحريات المدنية، مجموعة من أدوات الحماية “Data Detox Kit“، (متوفرة باللغتين الإنكليزية والعربية من بين لغات أخرى) حول كيفية زيادة أمن البيانات الشخصية على تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت.
أفاد باحث في المنظمة بأنه على الرغم من عدم توفير هذه الأدوات لحماية شاملة، إلا أنها يمكن أن تساعد القراء على اتخاذ خيارات أكثر استنارة وتقدم لهم/ن نصائح بشأن الخصوصية والسلامة يمكنهم/ن اتباعها أثناء المواعدة الرقمية.
.تم تغيير جميع الأسماء الواردة في هذه المقالة لضمان عدم الكشف عن هوية الأفراد الذين تمت مقابلتهم/ن*