بقلم: سيدة عسل
العمل الفني: لينا
هذا المقال ملحق بعدد عقدة الواوا
يحاول الناس في منطقتنا وحول العالم التوصل إلى مختلف الأفكار حول “ما يجعل الأطفال مثليين ومثليات” متسائلين عما إذا كان الناس “يولدون على هذا النحو” أم أنه اختيار أم رد فعل تجاه صدمة ما، ومعظم الأشخاص الذين يحاولون شرح الأسباب أو إيجادها يستندون إلى افتراض أن الناس يولدون مغايرين ومغايرات على “طبيعتهم/ن” ولا بد أن شيئاً ما قد حفز “شذوذهم/ن”، كما لو أن العثور على السبب الذي يجعل شخصاً ما مثلياً أو مثلية سيساعد في إيجاد حل لعلاج هذه “المشكلة” أو القضاء عليها في مهدها.
لكننا نعلم أن هويات أفراد مجتمع الميم عين متنوعة الأطياف وأن أفراد مجتمع الميم عن موجودون/ات في جميع أجزاء العالم ويأتين من خلفيات إثنية وأوضاع اجتماعية واقتصادية متنوعة، ونعلم أن الحميمية المثلية ليست ظاهرة جديدة أو غربية، وفي حين أن مسميات مثل “مثلي/ة” و”عابر/ة” قد تكون مستوردة، إلا أن هناك مفردات وطرق متنوعة لوصف الأفعال والرغبات الجنسية المثلية حول العالم.
لا تزال هناك العديد من “الخرافات الثقافية”، على الرغم من أن المثلية لم تعد تُعتبر واحدة من “اضطرابات الصحة العقلية”، وسأتصدى أدناه لعدد من الخرافات الشائعة حول “ما يجعل الأشخاص مثليين ومثليات”، التي يركز العديد منها على الطفولة والنشأة – التوافق الثقافي حول متى “تبدأ” الكويرية، وعند محاولة منع الأطفال (ربما لا سيما الفتيان) من أن “يصبحوا مثليين ومثليات”، غالباً ما يكون هناك سؤالان: هل تؤثر بنية الأسرة أو وسائل الإعلام على الميل الجنسي للأطفال؟ وهل يرتبط بالعلم أم بحدث صادم؟
وبتفكيك هذه الخرافات المحيطة بالفروق الدقيقة وجذور الوصمة، فإننا قد نتجه نحو نزع الشرعية عنها والطرق التي تضر بها أفراد مجتمع الميم عين.
الخرافة الأولى: سيكبر الفتيان ليصبحوا مثليين إذا نشأوا في بيئة تتمحور حول النساء (العمات، والخالات، والشقيقات، إلخ).
يخشى بعض الذكور الذين ربتهم أمهات عزباوات أو أمهات دون نظير ذكر أو نشأوا محاطين بالنساء (العمات والخالات والشقيقات) من أنهم سيكبرون ليصبحوا أنثويين، أو “أطفالاً مدليين لأمهاتهم”، أو ضعاف الشخصية، أو ما هو أسواء من ذلك، مثليين، ولا تزال هذه الخرافة الثقافية موجودة على الرغم من دراسات الحالة التي تثبت خطأ حجة السببية هذه.
الخرافة الثانية: التعرض لمحتوى الميم عين سيجعل الأطفال كويرين وكويريات.
الأطفال سريعو التأثر، وما من شك في أن الناس يتأثرون ببيئتهم، لكن في حين أن وسائل الإعلام لها تأثير كبير على الأطفال، إلا أنها لا تمتلك القدرة على “تحويل” جنسانيتهم.
يمكن دحض هذه الخرافة بسهولة إذا ما فكرنا في الأطفال الذين/اللاتي نشأوا/نشأن في الثمانينيات والتسعينيات والذين/اللاتي قرأوا/قرأن عن الآلاف من الشخصيات الغيرية وشاهدوها وكبروا/ن ليصبحوا مثليين ومثليات؛ فلم يكن هناك تمثيل لمجتمع الميم عين، وإن وُجد فقد كان محدوداً للغاية ومستتراً، واليوم الآباء والأمهات قلقون من أن وجود شخصية واحدة مثلية في أحد برامج الأطفال قد تجعل ابنتهم تستيقظ ذات يوم وتطلب من فتاة أخرى مرافقتها إلى حفل التخرج، لكن الشيء الوحيد الذي تغير هو أن بعض وسائل الإعلام والشبكات الترفيهية بدأت تأخذ خطوات واسعة لتصبح أكثر شمولاً ولتعزز التسامح والقبول وتقلل التحيز تجاه الفئات المهمشة، وهذ الشبكات ليست مدفوعة بـ “الأجندة المثلية”، بل بشعبية المحتوى والطلب عليه.
قد تكون وسائل الإعلام مرتبطة بإعلان المزيد من الأشخاص عن كويريتهم/ن، لكنها، مجدداً، ليست السبب في كويريتهم/ن؛ فوجود المزيد من الشخصيات المثلية في الكتب والبرامج التلفزيونية يؤدي إلى مزيد من التمثيل، وهو ما يعلّم الناس أن هناك طرقاً مختلفة للوجود والعيش، ورؤية شخصيات تشبههم/ن أو تمر بتجارب مماثلة لتجاربهم/ن والتوحد معها يساعدهم/ن على تنمية إحساس أقوى بالهوية أو الانتماء، وفي حين أن هذه الشخصيات والقصص قد تكون إشكالية، مثلما إذا كانت تعزز الصور النمطية، فإن وجود شخصيات كويرية يمكن أن يخلق بيئات أقل خطورة أو وحدة أو اقل إساءة للفهم للأفراد والمجتمعات، كما يوفر مساحة أكبر ليرى الأشخاص أنهم/ن جزء من شيء أكبر عندما يدركون/يدركن جنسانيتهم/ن اليوم أو يعلنون/يعلنن عنها.
العمل الفني: لينا
الخرافة الثالثة: إذا لم تكن التنشئة هي التي تجعل الأطفال مثليين ومثليات، فلا بد أن هناك تفسير علمي لذلك باعتباره نوعاً من “المرض” أو الشذوذ.
وصف عالم الوراثة أندريا جانا من معهد “برود” التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد وزملاؤه، في عدد لمجلة “ساينس” صدر عام 2019، أكبر مسح حتى الآن للجينات المرتبطة بالسلوك المثلي، وقد خلصوا من خلال تحليل الحمض النووي لما يقرب من نصف مليون شخص من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى أن الجينات تشكل ما بين 8٪ و25٪ من السلوك المثلي، وفي حين أنه لم تكن هناك أدلة على وجود “جين مثلي” واحد، فقد كانت هناك أدلة دامغة على وجود أساس بيولوجي للميول الجنسية مبرمج في الدماغ قبل الولادة بناءً على مزيج من الجينات والظروف السابقة للولادة التي لا يختار الجنين أياً منها، وإذا كان الانجذاب للجنس نفسه يمكن أن يتأثر بالجينات، فإن هذا قد يجعل الناس أكثر تقبلاً لفكرة أن السلوك الجنسي المثلي مجرد جزء طبيعي من تنوعنا بصفتنا بشراً وليس شيئاً منحرفاً.
توقفت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين والدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية – الذي يتشارك الجذور ذاتها مع علم النفس والطب الاستعماريين – عن تصنيف المثلية الجنسية على أنها مرض طبي في السبعينيات، مع استبدال ذلك بإرشادات علاجية للأشخاص الذين/اللاتي يشعرون/يشعرن بالضيق بسبب مثليتهم/ن.
في حين أنه من الصحيح أن أفراد مجتمع الميم عين قد يعانون/يعانين من القلق، والاكتئاب، والانتحار، وتعاطي المخدرات، إلخ بمعدلات أعلى من عامة السكان، فإن هذا ليس لأنهم “بطبيعتهم/ن” أشخاص شديدي الاضطراب؛ فهذه المعدلات أعلى في مجتمع الميم عين بسبب الوصم الاجتماعي التاريخي للمثلية والعنف الموجه ضد المثليين/ات، فلنواجه الأمر، هذه الطفرة في “الوعي بالصحة العقلية” التي تشهدها جميع مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي شيء لم يسبق لنا الحديث عنه من قبل؛ فالناس بوجه عام يتبنون آليات تأقلم سيئة عندما يتعلق بالأمر التعامل مع الضغوط اليومية، فلكم/ن أن تتخيلوا/تتخيلن مقدار الإحساس الداخلي بالعار، والذنب، والعنف، والكراهية التي يلقاها المثليون/ات يومياً.
الخرافة الرابعة: تسبب التجارب الصادمة مثل الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة الانجذاب نحو الجنس نفسه.
ربما تكون هذه الخرافة هي الأخطر؛ لأنها تقلل من حقيقة أن الاعتداء الجنسي تجربة معقدة يصعب على الضحايا التعامل معها؛ إذ يمكن لأجساد الضحايا أن تستجيب للاعتداء بعلامات الاستثارة، مثل الانتصاب، أو البلل، أو النشوة الجنسية، ويعتقد البعض أنهم/ن ربما قد استمتعوا/ن بالاعتداء، وإلا لمَ تفاعلت أجسادهم/ن بهذه الطريقة؟ ربما بسبب هذه الافتراضات أو الطريقة التي نتعامل بها مع الصدمة، فليس من غير المألوف أن يفكر الضحايا فيما حدث لهم/ن ويضطرون/يضطررن إلى النظر في هويتهم/ن الجنسية أو علاقتهم بالنوع الاجتماعي للمعتدي بعد الاعتداء.
لكن الشعور بالاستثارة أو التفكير والتقييم اللذين قد يحدثان بعد الاعتداء ليس بالأمر السهل؛ فأجسادنا تستجيب للمحفزات الجنسية بغض النظر عن الموقف أو السياق، حتى وإن كانت تشعر بالاشمئزاز أو عدم الأمان أو كانت تقاوم ما يحدث بشدة، ويُطلق على هذا “عدم توافق الاستثارة” (arousal non-concordance)، ويحدث عندما يكون هناك انفصال بين التجربة العقلية العاطفية للمتعة ورد فعل الجسد تجاه المحفزات الجنسية، وفي سياق الاعتداء الجنسي، قد يشر العديد من الضحايا بالاستثارة اللاإرادية، مع ملاحظة أن الاستجابة الجسدية، بغض النظر عن ذلك، لا تحل محل الموافقة.
افتراض أن الأشخاص “يبقون غيرين/ات حتى يتعرضوا/ن للاعتداء” افتراض تبسيطي بقدر ما هو مسيء، ويتجاهل واقع أن الجنسانية متعددة الأطياف وانسيابية، فضلاً عن كون هذه الفكرة متجذرة في حجة السببية بدلاً من الارتباط؛ فقد يكون هناك ارتباط بين الكويرية والأشخاص الذين/اللاتي تعرضوا/ن للاعتداء الجنسي في الطفولة بسبب ارتفاع سوء معاملة أفراد مجتمع الميم عين بوجه عام، مما يجعلهم/ن أكثر عزلة وضعفاً، وطرد شخص ما من منزل الأسرة بسبب ميوله/ا الجنسية، وهو أمر شائع نسبياً، يعرض هذا الشخص لخطر أكبر، وقد تدفع هذه الهشاشة أيضاً الأطفال إلى مواقف يلتمسون/يلتمسن فيها المودة من البالغين/ات الذين يثقون/يثقن بهم/ن، لا سيما عندما يكون هناك افتقاد لعاطفة الأبوين، سواء كان ذلك من خلال التلاعب، أو الاهتمام، أو المودة، أو الهدايا.
قد يكون من البنّاء أكثر للمهتمين والمهتمات التركيز على رفاه الضحية وطبيعة السياق الذي حدث في الاعتداء، بدلاً من التركيز على الميل الجنسي للشخص قبل الصدمة أو بعدها؛ لأن هذه الخرافات الثقافية يمكن أن تصبح عقبات خطيرة تقف في طريق الفهم والتعافي.
: بعض الأساطير الأخرى واجبة الذكر التي يبدو أنه ليس لها أي أساس مشروع وحقيقي
“الأشخاص الكويريون/ات كذلك لأنهم/ن لم يلتقوا/يلتقين بشخص يحبونه من الجنس الآخر”.
“هناك المزيد من الأشخاص المثليين/ات الآن لأن الأمر أصبح موضة أو لخلق عنصر الصدمة”.
الزواج المثلي منحدر زلق سيؤدي بالناس في النهاية إلى تزوج كلابهم/ن”.