كتابة: جاد
الصور من فيلم القفطان الأزرق لمريم طوزاني، 2022
ترجمة: نوارة ب
هذا المقال من عدد عقدة الواوا
عقدت في العام الماضي لقاءات عدة مع رجال متزوجين، وكان إحدى اللقاءات مميزا بشكل خاص، في هذا المقال سأسرد أحداث اللقاء، وأتأمل الثقافة والبيئة المحيطة بالعديد من الرجال الكوير المنتمين لجيل أكبر
(أعمارهم أكبر من 35).
قلت لنفسي وأنا عاري الصدر أنظر في مرآة غرفتي “سأخرج للاستمتاع”. أرطب يديّ وكتفي ومرفقي، وأرش رقبتي بعطري المفضل، ثم أمرر المرطب على شفتيّ كي أجعل طعمهما بنكهة الكرز -أفضل كرز يمكنك الحصول عليه من علبة رخيصة كهذه- أرتدي قميصًا حريريًا دافئًا وأفك الأزرار بشكل استراتيجي لأبرز عظام الترقوة بإثارة.
أتأكد من جلب مفاتيحي والسجائر والمحفظة والهاتف مع معطر النفس للطريق، وأستقل سيارة الأجرة، على الرغم من تأخري 10 دقائق تقريبا لكن أفكر بغرور أن ذلك كان لسبب وجيه.
الشخص الذي سأقابله كتوم للغاية وأكبر مني سنًا كما يبدو ذكيًا، بعد أن شاركني بخجل بعض الصور الباهتة على Grindr توافقنا وأقررنا بشدة انجذابنا لبعضنا، حيث يبدو أنه يعرف ما يريد ويعرف كيف يقضي وقتًا ممتعًا، في الأشهر الماضية كان الجنس رذيلتي المفضلة وأعتقد أن سبب ذلك زيادة ثقتي بجسدي مؤخرا، السبب الآخر هو محاولة تعويض “النقص” في أشياء أخرى وهو ما يسميه أصدقائي “تغذية الفراغ”.
القفطان الأزرق لمريم طوزاني، 2022
راسلته قبل الذهاب وقرأ رسالتي دون رد، يقيم زياد* في فندق صغير في الحمرا وكان اللقاء ما بعد الظهر وبدت الغيوم وكأنها كرات قطنية صفراء باهتة وممزقة، لم تكن الحمرا مزدحمة ذاك اليوم، مع أنها كانت المنطقة الأكثر ازدحامًا في بيروت إلا أن رونقها تلاشى منذ أكثر من عقد، كانت تهيمن على جزء كبير من ثقافة بيروت في الستينيات وتزدهر فيها العديد من المناسبات والحفلات والمحلات التجارية، أعتقد أنها ستعرف دائمًا بالشارع الذي يتواجد كل شيء فيه بكثرة.
عندما وصلت إلى الفندق لاحظت أن الردهة والمصعد كانا بالكاد مضيئين، وبدا كل شيء مثقلًا بصمت مميت.
أشق طريقي إلى الغرفة 52 حيث أجد جرسًا قديمًا برقم الغرفة ملصقًا فوقه، أحاور نفسي أنه بالتأكيد خط أريل.
أدق الجرس مرة، لا رد.
أدق الجرس مجددًا، لا شيء.
أطرق الباب، يفتحه أخيرًا.
يبدو ألطف في الواقع ويحييني بأدنى صوت ممكن، عيناه واسعتان ذات نظرة متوترة وتبدو شفته رطبة، سمحت لنفسي بالدخول.
تجاهل سؤالي عن أحواله وأخذ يتحسس عروق ظهر كفي بإبهامه، لقد وقف هناك يحدق بعيني مستثارًا للغاية، بادرت إلى تقبيله وأنا لا أزال بالقرب من الباب، شعرت وكأنه على وشك قول شيئًا ما، لكنه قطع الغرفة مسرعا لإغلاق الستائر، فلاح ضوء النافذة على يده ليلمع خاتم الزواج في إصبعه، هنا خطفني من وركي بقوة من تحت قميصي وبدأ بتقبيلي قبل أن تتاح لي الفرصة على طرح السؤال.
لم أقاوم ذلك لكن الرهبة والأسئلة تزايدت في رأسي، لم أعرف أنه متزوج قبل القيام بهذا، هل كان يجب علي أن أسأل قبل اللقاء؟ هل كان يجب أن أفترض أنه في علاقة؟ هل هذه أول خيانة له؟ أنا لست أحادي العلاقات، لكن لا أعرف إن كان شريكه كذلك، كماأحترم الإلتزام بالعهود التي نقطعها على أنفسنا، الثقة مفهوم ذو قيمة عالمية وخواتم الزفاف عربون الثقة وعهد بالحب.
تشتد حدة الجو وأنا أتأرجح بين التسليم للأمر والتوتر، استسلمت وأنا أشعر بالعرق البارد يسيل على ظهره، كان يستخدم أسنانه كثيرًا ويحاول إثبات هيمنته لكني لم أكن أسمح له، نزع قميصي عني وغطى صدري بالقبلات، أتأوه وأرميه على السرير وهو يهمس: “نعم تحكم بي” عضضت حلمته فبدأ بالأنين بلطف، أمسكت قضيبه من فوق سرواله، لأجده مبلل ومرتخٍ.
قال لي: “لقد- لقد قذفت” ثم أبعدني عنه وطلب مني المغادرة، سألته “هل يمكنني الاستمناء قبل المغادرة؟” رفض وبرر ذلك بعدم حدوثه عادة، وبأنه سرح بخياله هذه المرة، وأخبرني أنه يريد رؤيتي مرة أخرى. نظرت إلى الساعة على هاتفي لأكتشف أنني مكثت في الغرفة ل 7 دقائق فقط.
“هل أنت متزوج؟”
“لا، أنا مطلق منذ عام” قال ملقيًا نظرة خاطفة على خاتم زواجه وهو يبتسم “لا يمكنني خلعه”.
“أنا آسف لسماع هذا، كيف كانت تجربتك؟” سألت مدركًا فورًا أنه لم يكن الوقت المناسب لطرح سؤال كهذا.
“لقد علمتني التجربة الكثير، لكنني لست نادمًا على الزواج”
أطفاله يعيشون في الولايات المتحدة حيث نشأوا وكذلك طليقته، غادرت ووضعت سمّاعات الأذن وقررت العودة إلى المنزل.
القفطان الأزرق لمريم طوزاني، 2022
تتضمن معظم لقاءاتي سواء كانت موعدًا أو غير ذلك محادثة تدور حول الهوية الكويرية، فالرجال الذين التقيت بهم والذين تزيد أعمارهم عن 35 عامًا والذين يُعرّفون أنفسهم كمثليين، تزوجوا من نساء في وقت ما، أما الآخرون مثلي فتمكنوا من تجاهل السؤال “متى سنفرح بك وبأولادك؟” لفترة طويلة حتى أصبح السؤال بلا معنى، أتذكر كل المرات التي رفضت وبالكاد أهنت فيها الرجال الأكبر سنًا الذين قالوا لي: “أوه، أود مقابلتك لكن لا يمكنني استضافتك… أنا أعيش مع زوجتي وأولادي”.
غالبًا ما يواجه هؤلاء الرجال ظروفًا صعبة، فالعائلات الفقيرة تنظر إلى الزواج وتكوين الأسرة على أنها طقوس يجب تأديتها كـ”ـواجب” تجاه الله، وقد تنظر الأسر الميسورة إلى الزواج كوسيلة للحفاظ على ثروة الأسرة، وغالبًا لا يُرحم الأشخاص المثليون الذين يتم رصدهم في أوضاع حميمية مع شركائهم وعند حصول ذلك تتعدد التهديدات بالعنف أو التبرؤ، في كل هذه الحالات يعني الزواج الأمان حتى لو كان مجرد غطاء.
لذلك لم تتح الفرصة لكثير من هؤلاء الرجال أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وحاول البعض تجاهل جنسانيتهم، يحمل الكويريون وغيرهم في جميع أنحاء المنطقة ضغينة تجاه الكوير الآخرين الذي ينتهي بهم المطاف في علاقات مغايرة، الحقيقة هي أن الغالبية العظمى من مجتمع الميم يفتقرون للاحترام والتأييد؛ فهم محرومون من المساحة والأمان اللازمين للتعبير علنًا عن هويتهم واحتضانها، حتى اليوم تخدم المساحات الصديقة لمجتمع الميم غالبًا الأشخاص الأغنياء كفاية في بيروت بينما يعبر معظم أفراد الميم عن هويتهم خلف أبواب مغلقة.
القفطان الأزرق لمريم طوزاني، 2022
غادرت الفندق ومشيت إلى المنزل، لم أنوِ التعامل مع أي شخص لبقية اليوم فوضعت سماعتي، كانت السماء رمادية وكان الجو رطبًا وكئيبًا.
أتخيل زياد الذي لا يزال متزوجًا في حمامه يندب الحياة التي كان من الممكن أن يعيشها بشكل مختلف، ويتخيل ما كانت ستكون عليه الأمور لو اتخذ خياراتا مختلفة، أتصور قطرات عرقه على جبينه الرقيق تهطل مذيبًا الدموع عن وجنتيه المتوردتين، بدأت أتساءل هل كانت جنسانيته سبب طلاقه؟ ربما لم يكن ليتزوج لو قال أحدهم لزياد الأصغر سنًا أن ميوله هذه طبيعية وهو ليس مجنونًا.
إن حيازة المساحة للتعبير عن أصالتك امتياز حقيقي، وإشهار هويتك مفهوم غربي، فعائلاتنا ستحاول “حل” جنسانيتنا كما لو كانو سيحلون أي “مشكلة” في حياتنا، اقترحت معالجتي النفسية السماح لعائلاتنا باحتضاننا بدلاً من “الخروج من الخزانة”1: لا إعلان ولا تصريحات بل التصرف على طبيعتك فحسب، يعني الاحتضان إدخال جوانب صغيرة من حياتك تجعل عائلتك سعيدة، مثل مشاركة اهتماماتك وملابسك الجديدة ومشارتك أفكارك ومواقفك بصدق، مع إدرك أن تحقيق هذا ليس ممكنًا للجميع ، فقد يريد بعض الآباء السعادة لأبنائهم وبناتهم لكن فهمهم للسعادة مستلهم بشكل كبير من الطريقة الأبوية التي تتم تربيتهم علها ومحيطهم الذي لا يتسامح مع الهوية الكويرية.
كان لدى الجيل السابق من الرجال المثليين في لبنان مجموعات للتعارف على ام اس ان ماسنجر أو عبر مواقع الويب مثل مانجام، كانت تلك المنصات وسيلة لمقابلة أشخاص يشبهونهم، كما سمحت لهم بالتعارف مع الحفاظ على سرية هوياتهم، كان الهدف من هذه المساحات هو ممارسة جنسانيتهم أو المواعدة ولكنها أصبحت مجتمعًا آمنًا عبر الإنترنت للعديد من الأشخاص أيضًا، أخبرني أحدهم أن علاقته استمرت عقدين مع رجل التقى به على مانجام.
لم يكن الجيل الأقدم محظوظًا إلى هذا الحد، قرر الكثير منهم تكوين أسر في منتصف العشرينات من العمر ولم يكن لديهم اتجاه واضح في الحياة ناهيك عن إحساس كامل بجنسانيتهم، كانوا يعرفون ما يعجبهم بالطبع لكن لم يسعوا تجاه ما يريدون، وقد كانوا كويريين لكن لم يرتبطوا بهذه الهوية، عندما أسألهم اليوم عن ذلك يتحدث البعض عن الاختباء من الجميع بما في ذلك زوجاتهم، بينما يتحدث آخرون عن صدقهم مع أنفسهم في مواجهة الضغوط العائلية.
القفطان الأزرق لمريم طوزاني، 2022
بينما أواصل المشي إلى المنزل أرى مجموعة من المراهقين يرتدون ملابس سوداء بالكامل يسيرون في طريقي، كان البعض يلتقط صورًا لنفسه بالهواتف والبعض الآخر ينظر في عيني كأنه مستعد للقتال، لقد كان ذلك تجسيدًا حرفيًا للصورة النمطية لذلك الجيل.
يسعدني رؤية مدى تعبيرهم عن أنفسهم ومعرفتهم ما يريدون، لا يبدون سعداء ولكنها حقيقتهم ولن يغيروها من أجل أحد، هؤلاء المراهقين لا يبدون وكأنهم يلومون أنفسهم على الحياة التي ضاعت من بين أيديهم، مخاوفهم في الحياة تناسب مرحلتهم العمرية فيقلقون بشأن علاماتهم في المدرسة وما إذا كان مظهرهم يعجبهم، أو تراودهم أسئلة مثل: هل يحبني أصدقائي؟ لماذا لا يستطيع والداي فهمي؟ هل سأرتاح عندما أكبر؟ ستكون الجنسانية إحدى هذه الأسئلة بالتأكيد عندما يكتشفون هوياتهم، الفرق يكمن في وجود من يخبرهم أنهم ليسوا مجانين.
- حسب تعريف جمعية أصوات نساء فلسطينيات مثليات، الخروج من الخزانة “وصف وضعي للسيرورة التي من خلالها تتبلور هوية الشخص الجنسية حتى الوصول إلى مرحلة قبول الذات بهويتها الجنسية، وإشهار الهوية الجنسية أمام العائلة، الأصدقاء وأحياناً أمام المجتمع كله. يكون الإشهار عن الذات، في حالات عدة، جزئياً، يحدد الفرد فيه دوائر الأشخاص الذين يريد أن يشهر نفسه أمامهم.”