بقلم: سفيان الحمري
العمل الفني: لينا
هذا المقال من عدد عقدة الواوا
تندرج المازوشية الجنسية ضمن خانة ما يعرف اختصارا ب بي دي إس إم، وهو اختصار بالإنجليزية للممارسات الجنسية التي تشمل التقييد ، التأديب، السادية والمازوخية1. هذه الأخيرة، تقوم على إيجاد الشخص لمتعته الجنسية من خلال الألم، الإنكار والإهانة.
عموما، يجد الشخص المازوشي متعته الجنسية في تجربة أنواع مختلفة من الألم والإذلال. يمكن لهذا الألم أن يتأتى عن طريق الممارسات العقابية، الوضعيات غير المريحة والمواقف المهينة. كما يمكن أن يتطور الأمر إلى أفعال مؤذية، حيث يشارك الشخص المازوشي في ممارسات بالغة الشدة، يمكن أن تلحق الضرر بصحته وسلامته الجسدية.
في المجتمعات الذكورية، لا يرتبط مصطلح المازوشية بشكل شائع بالرجال أو الذكورة، كما يفترض ذلك الباحث في الدراسات الجندرية تيم إيدواردز. وهو أمر لا تستثنى منه المجتمعات الناطقة يالعربية، حيث تسود صورة مركبة عن الرجل، تفترض فيه الفحولة، القوة، الهيمنة، التحكم… خاصة في علاقته بالمرأة. هذه الصورة الذكورية، تشكل عبئا ثقيلا على بعض الرجال الذين يعيشون في المجتمعات العربية، مما يؤثر سلبا على حميميتهم وجنسانيتهم ومتعتهم.
أحمد: “أنا ضحية للعقلية الذكورية”
“منذ بلوغي لاحظت أن خيالاتي الجنسية مختلفة عما يتحدث عنه أقراني من الذكور. كانت جل السيناريوهات الجنسية التي أراها في أحلامي مرتبطة بإهانة المرأة لي وسيطرتها علي، بدل أن أكون أنا المسيطر” يقول أحمد (اسم مستعار)، مهندس في الثلاثين من العمر.
يضيف أحمد في حديثه لـ”ماي كالي”: “أتذكر كم الاستهزاء والسخرية الذي تعرضت له عندما أخبرت أقرب أصدقائي بخيالاتي الجنسية. حينها كان عمري 19 سنة، وكنت أحاول أن أفهم طبيعة تلك الخيالات الجنسية التي تتعارض مع الأفكار السائدة في المجتمع، أي أن الرجل هو الذي يهيمن على المرأة أثناء العلاقة الجنسية وليس العكس”.
يقول الشاب الثلاثيني إنه منذ ذلك الحين لم يعد يتحدث لأي كان حول حياته وتفضيلاته الجنسية. ويتابع القول “بعد التهكم الذي طالني من أقرب أصدقائي، والذي وصل حد التشكيك في رجولتي وسلامة شخصيتي، قررت التكتم عن مازوشيتي في العلاقات الجنسية. حتى بعض علاقات الحب التي عشتها، لم أجرء على البوح لأي من حبيباتي السابقات. وبالتأكيد كانت علاقاتي الجنسية معهن مملة لأنها لم تكن وفق خيالاتي الجنسية”.
يجد أحمد في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة نافذة للتعرف بنساء ساديات، باستخدام حساب مزيف، حيث تظهر صورة البروفايل رجل شبه عار ينحني على ركبتيه ليقبل أحد قدميها، بينما تضع قدمها الآخر على ظهره وتحمل سوطا بيدها. بالنسبة له، تلك الصورة كفيلة بجذب انتباه النساء الساديات اللواتي تستعملن تلك المواقع والتطبيقات لنفس الغرض؛ أي إيجاد رجال مازوشيين.
“بعد التعرف على امرأة سادية من خلال حساباتي الوهمية، تستمر المحادثة بيننا لأيام عديدة، نتكلم خلالها عن خيالاتنا الجنسية ونحاول فيها التعرف أكثر عن بعضنا البعض. بمجرد التأكد من جدية الطرف الآخر نتبادل أرقامنا الهاتفية. بعد اللقاء تبقى علاقتنا جنسية فقط، ولا تتطور إلى علاقة عاطفية… عندما تكون رجلا، يصعب عليك إيجاد شريكة حياة توافق أن تكون هي المهيمنة أثناء علاقاتكم الجنسية” يضيف أحمد في حديثه لـ”ماي كالي”.
ويختم القول بكثير من الحسرة “للأسف، في مجتمعاتنا العربية يعطى للأدوار الجنسية أكبر من حجمها، بالرغم من كونها ترتبط بتخيلات ونزوات لا تتعدي الحياة للجنسية للأفراد. أنا كرجل غير مهيمن في علاقاتي الجنسية أشعر أنني ضحية للعقلية الذكورية التي تسود المجتمع، والتي تفرض علي أن أهيمن على المرأة في الممارسة الجنسية كما في الحياة العامة. وهو الأمر الذي يجعلني أخجل من ميولي المازوشية”.
أي تأثير على حياة الجنسية؟
سواء عند الرجال أو النساء، غالبا ما يطرح السؤال حول ما إذا كانت الممارسات مثل المازوشي أو السادية أمرا عاديا أم أنها تدخل في خانة الاضطرابا النفسية والجنسية. بهذا الخصوص يقول الأخصائي الجنساني، أبو بكر حركات “في السابق كانت المازوشية تصنف ضمن الانحرافات الجنسية، ومن ثم ضمن الاضطرابات. أما الآن، فهي لا تصنف ضمن الاضطرابات، إلا في حالة ما إذا أصبحت الاستهامات المازوشية تؤدي بالشخص إلى ضرر جسدي ومعنوي يتجاوز المتعة الجنسية”.
ويضيف أبوبكر حركات في تصريحه لـ”ماي كالي” أنه “عندما يجد الرجل المازوشي تجاوبا من الطرف الآخر فإنه يعيش جنسانيته بمتعة. لكن يطرح المشكل عندما يرفض الطرف الآخر التجاوب، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بعلاقة زوجية. وإذا لم يكن هناك تجاوب من الطرفين، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة بينهما نتيجة لتدهور واضمحلال العلاقة الجنسية بينهما وانعدام المتعة واللذة فيها”.
العمل الفني: لينا
ويتابع ” إذا كان الرجل مازوشيا، ولم يكن لدى شريكته ميول نحو ممارسة السادية في العلاقة الجنسية، سيصبح هناك ملل في العلاقة الجنسية وملل منها. وبالتالي، سيؤدي ذلك إلى حدوث توتر في العلاقة بينهما نتيجة لغياب الرضا والاشباع الجنسي”.
كما يؤكد الأخصائي الجنساني أنه “كيفما كانت طبيعة المجتمع الذي يتواجد به الشخص، تبقى مسألة المازوشية الجنسية في نطاق الحميمية. هناك أشخاص مازوشيون في علاقاتهم الجنسية، لكنهم ليسوا بالضرورة كذلك في حياتهم اليومية. حيث يمكن للرجل أن يبين عن نوع من السيطرة وفرض النفس خلال حياته اليومية، لكنه يبحث عن علاقات جنسية تحقق له متعته المازوشية”.
وحول تبعات عدم تقبل الرجل لميولاته المازوشية يقول أبوبكر حركات ” هناك من يتقبل ميوله المازوشية، بينما هناك من لا يتقبلها نظرا للصعوبات التي يطرحا أمامه ذلك في علاقاته مع النساء. وهناك من لا يستطيع الزواج بسبب ذلك، وحتى من المتزوجين هناك من يخلق له ذلك مشاكل مع زوجته.” مضيفا ” في حال وجود صعوبة في إيجاد الشريك المناسب، قد يلجأ الشخص إلى أساليب للتعويض مثل الممارسات الفردية”.
الجنسانية، الذكورية والمجتمع
على غرار أحمد، أغلب الرجال المازوشيون في المجتمعات الناطقة بالعربية، أو ممن لديهم تفضيلات وتخيلات جنسية لا تتوافق مع الصورة النمطية التي تروج عن “الرجل العربي”، يعملون جاهدين للتستر عن تلك التفضيلات وعدم البوح بها حتى لشريكاتهم أو زوجاتهم. ذلك، مخافة التشكيك في رجولتهم وتعرضهم للوصم من قبل المجتمع.
في حديثها لـ”ماي كالي” تقول الباحثة في سوسيولوجيا النوع الاجتماعي، سمية نعمان جسوس، إن “الطريقة التي يعيش بها الإنسان علاقته مع الجنس ومع الآخر في إطار الجنس هي نتاج لبناء اجتماعي مرتبط أساسا بالتربية”.
وتضيف “في الدول العربية، يعتبر الرجال حماة لشرف الأسرة الذي يرتبط بجسد المرأة. إذن، علاقة الرجال مع الشرف تشكل عاملا لهيمنتهم على النساء. كما يكون مطلوب من الرجل أن تكون لديه ذكورية قوية، تكون لها علاقة واضحة مع الممارسة الجنسية. هذا الرجل الذي يطالب بأن يكون قويا وفحلا، ليس لديه الحق في التعبير عن مشاعره لأنها تعتبر علامة عن الضعف”.
كما تؤكد الباحثة في سوسيولوجيا النوع الاجتماعي أن “التربية الذكورية تؤدي بعدد من الرجال إلى فقدان الثقة في أنفسهم، لأن جنسانية الرجل تصبح رهينة بقوة أدائه الجنسي. ويمكن لفقدان الثقة أن يؤدي إلى مشاكل مثل الضعف الجنسي والقذف المبكر، وينتج عنها وقوع الرجل في حالة من الخوف من العلاقات الجنسية وتشكل عقد تؤثر على جنسانيته”.
بخصوص نظرة النساء في المجتمعات العربية للرجال المازوشيين بالخصوص، والرجال غير المهيمنين عموما، تشير الدكتورة جسوس إلى أن “المرأة لا تتقبل فكرة الهيمنة على الرجل خلال العلاقة الجنسية لأنها تربت على فكرة أنها كمرأة ليس لها الحق في الشهوة الجنسية، بحيث تصبح مفعول بها في العلاقة الجنسية التي يتحكم الرجل في مجرياتها”.
على غرار أحمد، يعاني العديد من الرجال الذين يعيشون تحت مظلة المجتمعات الذكورية، بسبب تخيلاتهم الجنسية المازوشية. فمنهم من يكتم تلك التخيلات ويقمعها، ومنهم من يتعرض للوصم في حال الإفصاح عنها ومنهم من يجد صعوبة في إيجاد شريكة سادية أو في إقناع شريكته بلعب دور المهيمنة لإرضاء استهاماته الجنسية. بذلك، يبدو جليا أن متعة وجنسانية الرجل هو الآخر، يمكن أن تقع ضحية لعقلية ذكورية تحمله ما لا يحتمل.