المقال بقلم: أريام معرفي
الصور: فاطمة زُهرة سري
ترجمة: هبة مصطفى
لم أبدأ عيش حياتي حقاً إلا عندما أدركت أن سعادتي الشخصية أهم من إرضاء توقعات الآخرين، ولم يكن لديّ أدنى فكرة أنه التصريح بذلك واستعادة ملكيتي لجسدي وحياتي بصفتي امرأة خليجية ومسلمة، سيُنظَر لهما كأمرين مثيرين للجدل.
عندما تحدثت علناً عما تعرضت له من إساءة وأنا طفلة عبر الإنترنت (هنا وهنا)، أخبرني رجال عرب ومسلمون أنهم يصدقون ما أقول بشأن الإساءة التي تعرضت لها بسبب حجابي، وتلقيت الثناء على ارتدائي له، بل وذهب بعضهم إلى حد إخباري بأن اختياري لملابسي يدل على أنني “محترمة”، وقارنوني بشكل تحريضي بنساء أخريات اخترن السفور.
يستغل هؤلاء الرجال النساء اللاتي يمتثلن للحدود التي يضعونها كمعيار يجب أن تلتزم به النساء ليلقين شيئاً من الاحترام؛ فهناك اعتقاد راسخ بأن النساء الأخريات اللاتي لا يلتزمن بالمعايير التي يضعها الرجال غير جديرات بالكرامة ويجب تجريدهن من إنسانيتهن، ويشعر هؤلاء الرجال بالاستحقاقية تجاه أجساد النساء لدرجة أنهم لا يرون أي خطب في استغلال ضعفي وتشيئي جنسياً عند مشاركة تجارب تعرضي للإساءة، وبدا أنه كان لدى الكثير منهم انطباع بأنني سأكون ممتنة لأنني سأسلم من الكراهية التي يوجهونها للنساء الأخريات.
يعني أننا نساهم في تجريد جميع النساء من إنسانيتهن والحط من شأنهن؛ عند قبول الإطراءات التي نتلقاها على حسابهن، كما تقول (أودري لورد) “لست حرة طالما هناك امرأة غير حرة، حتى وإن اختلفت أغلالنا”.
بصفتي امرأة وناشطة عربية وكويرية لي آراء غير تقليدية، يطالبني الكثير من الرجال العرب والمسلمون بخلع الحجاب؛ فالنظام الأبوي، الذي تعززه قوانين الوصاية الذكورية في الخليج يزرع بذور الاستحقاقية في الرجال لدرجة أنهم يعتقدون أن بإمكانهم تملك جسدي وتقرير ما ينبغي ولا ينبغي لي ارتداؤه، وبما أنني لا أمتثل لمعاييرهم عن المرأة المسلمة الخاضعة والمطيعة، فأنا – من وجهة نظرهم – لست جديرة بالاستقلالية الجسدية، وتكمن مشكلة العديد من هؤلاء الرجال في رؤيتهم للحجاب على أنه شكل من أشكال “الحماية” من التلميحات الجنسية غير المرغوب فيها، وبإكراهي على خلعه، فإنهم يقررون – على مستوى ما، سواء عن وعي أو دون وعي – أنني أستحق التعرض للتحرش والعنف الجنسيين.
عانيت كثيراً، بصفتي ناجية من الاعتداء الجنسي، مع هذه الأفكار المتعلقة بكوني “أستحق” ما حدث لي أم لا، لكني أدرك الآن أنها ليست أفكاري أنا، الأمر الذي سمح لي بالتخلي عنها وتحرير نفسي من الذنب واللوم، وأنا لم أعد أحمل عبء الذنب إزاء الطريقة التي أتعرض بها للجنسنة؛ فالذنب ليس ذنبي ولا ذنب الناجيات الأخريات في هذا العنف، والعار يتحمله المعتدون وحدهم الذين يشعرون بالاستحقاقية تجاه أجسادنا.
عندما نمنح الرجال السلطة لاتخاذ القرارات المتعلقة بما ينبغي للنساء ارتداؤه وعدم ارتدائه، وما ينبغي للنساء فعله وعدم فعله، فإننا نؤيد المواقف الأبوية للوم الضحية التي تقول إن بعض النساء يستحقن العنف الجنسي، والهوس بما نرتديه يشتت الانتباه عن المشكلة الحقيقية المتمثلة في التشييء الجنسي الأبوي للنساء، وتجريده لهن من إنسانيتهن.
غالباً ما يدعي الرجال بأن السبب الذي يدفعهم إلى التحكم بالنساء، والتضييق عليهن، بل والإساءة إليهن هو حمايتهن، وهذا يطرح سؤال “ممن نحتاج إلى الحماية؟”. أصبحت أحترز من الرجال – “أوصياء النظام الأبوي” – الذين يقدمون هذه الادعاءات لتطبيع جنسنة النساء “رؤية النساء من منظور جنسي بحت” وفرضها بدلاً من إعمال امتيازهم لمقاومة هذه السرديات، فهم يقنعوننا بقبول تجريدهم لنا من إنسانيتنا وحرماننا من حقوقنا في العيش بأمان، على الرغم من إثبات التجارب أننا نتعرض للفيتشية الجنسية والتحرش الجنسي بغض النظر عن ملابسنا.
يبدو أن مجتمعنا قد أقنعنا بالخوف من “النسوية” أكثر من “النظام الأبوي”؛ فالأخير يقنع النساء أن دورهن ينحصر في خدمة الرجال وإطاعتهم وأن رفضهن لذلك يجعلهن غير جديرات بالسعادة، والأمان، والحقوق، كما نتعلم من الصغر أننا مجرد أشياء جنسية، وقد أُنشئت العديد من الفتيات في مجتمعنا – بمن فيهن أنا – على الاعتقاد بأن أجسادنا تنتمي لأزواجنا المستقبليين؛ حيث أُشعرنا بالخجل من شعر أجسادنا وشُجعنا على إزالته ومُنعنا من ركوب الخيل أو الدراجات لأنه “سيضر” بزواجنا (قد يسبب تمدد أو فض الغشاء المهبلي ولن نعود “عذارى أطهاراً”)، وبغض النظر عن كيفية قول ذلك، فالخلاصة هي أننا ملك لأزواجنا المستقبليين، ومن المثير للسخرية أن أوصياء النظام الأبوي المعادين للمثلية يخبروننا بأن الكويريين/ات يجنسنون الأطفال بينما أفراد المجتمع هم من يقنعون الفتيات الصغيرات باعتقاد أن أجسادهن تنتمي بالفعل لزوج مستقبلي.
تشييء النساء وتسليعهن مقنن حتى في قوانين العديد من بلدان الخليج، بما في ذلك بلدي الأم الكويت، من خلال قوانين الوصاية الذكورية التي تربط سلامة النساء وحقوقهن (وجميع الأشخاص الذين/اللاتي يتحدد جنسهم/ن عند الولادة بأنه/هم أنثى) بأزواجهن وآبائهن، ولأننا نُعتبر غير قادرات على اتخاذ قرارات مثل تأجير عقار أو الزواج دون إذن من الأوصياء الذكور، فإننا نكبر على الاعتقاد بأن الطريقة الوحيدة للحصول على قدر أكبر من الاستقلال والاستقلالية هي الزواج، ويشرعن هذا الربط بين الزواج والحرية المتصورة تشييء النساء حتى الزواج، لكن، حتى بعد الزواج، تظل هذه الحرية بعيدة المنال، وفي العام الماضي، صرح محام كويتي بأن منح الاستقلالية المالية للنساء أمر “خطير” لأنها تشجعهن على ترك أزواجهن، ويمكن أن تؤدي إلى تفكك الأسرة، ويدل ربط استقلالية النساء بارتفاع معدلات الطلاق على أن أعرافنا الخاصة بالأسرة والزواج قائمة على قهر النساء والخوف من استقلاليتهن.
الطريقة الوحيدة لضمان سلامتنا هي تفكيك النظام الأبوي نفسه، ومن الممكن لنا تنشئة النساء والفتيات بطريقة صحية لا تخدم القيود التي يفرضها عليهن هذا النظام، ويمكننا فعل ذلك بتمكين أنفسنا وغيرنا من النساء بتغذية أجسادنا، وعقولنا، وأرواحنا قبل أي شيء آخر، وهذا يعني منحنا أنفسنا وغيرنا من النساء القدرة على تحديد ما يبدو عليه ذلك وفقاً لشروطنا، وفي غضون ذلك، سأستمر في كوني على طبيعتي وحقيقتي، وسأعيش بالطريقة التي أريد، وسأرتدي الحجاب بفخر دون المساومة على قيمي وحقيقتي من أجل الآخرين، وحياتي وجسدي ينتميان لي وحدي، وليس لأحد آخر، ولست أحتاج إلى إذن لأستعيد ملكيتي على نفسي.