بقلم نزيهة سعيد
تصوير: إيما
مكياج: مستيزا
هذا المقال من ملف ‘يا ليل يا عين’ – هيكل العدد هنا
أخبرتني روتانا، الفنانة السعودية الشابة منذ خمس سنوات إنها عاشت كل حياتها في المملكة المحافظة، وكانت تعمل في إحدى كبريات شركات النفط، إلا إنها لم تختر الحياة التي تعيشها وأن هذه الحياة ليست لها، فرحلت إلى لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية لتبحث عن ذاتها، حيث أكملت دراستها وبدأت مشوارها الفني في الغناء والموسيقى، لتشعل المسرح والفيديوهات الموسيقية بطاقتها، رقصها كلماتها، وجنونها لتر إنها وجدت ما تحبه في هذه الحياة.
قالت روتانا لي قبل خمس سنوات “دائما ما عبرت عن مشاعري بالكتابة، منذ أن كنت طفلة، كنت أكتب وأغني ولم أشارك أحد في الموضوع، كنت دائما راغبة في التعبير عن نفسي، ووجدت الغناء كطريقة للتعبير عن ما في داخلي، أتمنى لو أخترت أن أكون من أنا منذ كنت طفلة، ولكن المجتمع والنظام والبيئة لا تدعم هذا التوجه”.
وبعد رحلة طويلة من التأمل في داخلها والتواصل مع نفسها، دشنت روتانا اليوم برنامجا على قناتها على الانستغرام بعنوان “fucked & blessed” أو “ملعون ومبارك” تتحدث فيه عن الجسد، الجنس، الجنسانية، الرغبات، وكل ما يتعلق بها، ١٤ حلقة تحدثت فيها عن هذه الأمور وأكثر، تقول روتانا اليوم لـ”ماي كالي”: “لدي ارتباط عميق بجسدي وبالقوة التي يحملها طوال حياتي. فمنذ سن مبكرة، شعرت بقوة طاقتي الجنسية من خلال الحركة والصوت. كان لدي شعور بأن هناك بئرًا عميقًا من الموارد في جسدي سمح لي بالتواصل مع حدسي، قوتي، معرفتي، على الرغم من نشأتي في بيئة أخبرتني أن جسدي وجنسانيتي قذرة وخطيرة، لتصبح هذه الأفكار وغيرها حملا ثقيلا عليّ كشخص يعتبر نفسه غير جيد”.
“لدي ارتباط عميق بجسدي وبالقوة التي يحملها طوال حياتي. فمنذ سن مبكرة، شعرت بقوة “طاقتي الجنسية من خلال الحركة والصوت
“الهدف من هذا البرنامج هو أن أشفي نفسي وأؤكد لنفسي أن جسدي وجنسانيتي هي أدوات اتصال مقدسة أنشأها الإله. لم يكن لدي شخص من حولي وأنا أكبر ليؤكد لي معتقداتي، هذا البرنامج هو لأؤكد هذا لنفسي بنفسي، على أمل أن أستطيع تأكيد ذلك للآخرين الذين يتم رفضهم أو وصمهم أو معاقبتهم بسبب حبهم لأجسادهم وحياتهم الجنسية”. كما أوضحت روتانا.
وقالت: “الطاقة الجنسية هي أقوى طاقة في العالم لأنها طاقة الخلق، إنها نبض الحياة، تُقمع هذه الطاقة لأنها تتمتع بقوة كبيرة، فعندما يتصل الشخص بحياته الجنسية، يصبح من المستحيل سلبه إرادته والتحكم فيه لأنه مليء بالحياة الكاملة وعلى اتصال بحدسه وبوصلته الخاصة”.
تصوير: إيما (@theemmaexperience). مكياج: مستيزا (@iam_vibes)
المجتمع الأبوي
خلال البرنامج توضح روتانا أكثر من مرة أن هناك العديد من العوامل التي تقف وراء عدم تعرف النساء على أجسادهن وجنسانيتهن، وإن الأمر لا يتعلق بالثقافة العربية والإسلامية فحسب: “النظام الأبوي هو نظام قائم بالكامل على الحفاظ على السلطة للرجال المتوافقين مع الجنس الذي ولدوا به، واستبعاد النساء. لقد جعل النظام الأبوي أجسادنا مجرمة وأُطلق علينا مسمى عاهرات، يزدهر هذا النظام عندما نكون منفصلين عن أجسادنا، منفصلين عن قوة رحمنا، طاقة الخلق لدى الأم، يزدهر هذا النظام على إنكار النساء لرغباتهن واحتياجاتهن، فالناكرات لأنفسهن هن النساء الجيدات”.
وتضيف: “كما تعتمد الرأسمالية كليًا على اعتقادنا بأننا غير كافيات، لذلك نحتاج إلى شراء الأشياء لنكن ذكيات، جميلات، صحيحات، ومتطورات”.
وترى روتانا أن الجوهر الحقيقي للإسلام يدعم فكرة استكشاف النساء لأجسادهن ومتعتهن، كما تعتقد أن الإسلام دين حسي للغاية في صالح المرأة، “ومع ذلك، فإن التفسيرات الأبوية والعقائدية للدين من قبل الرجال المتعطشين للسلطة والسيطرة على الجماهير قد محت هذا الدعم والتضمين، فمن تجربتي الشخصية، بعد الكثير من العمل والتأمل، كنت خلالها خائفة من الاستمتاع واستكشاف جسدي وسعادتي لأن لدي خوف في اللاوعي من أن أفقد عائلتي ومكانتي في ثقافتي وبيتي، تجاهلت جسدي وعاقبته لفترة طويلة، ولكنني أرفض القيام بذلك بعد اليوم”.
الجمهور المتباين
البرنامج في موسمه الأول تضمن ١٤ حلقة، فاقت مشاهدات بعضها الـ٢٧ ألف مشاهدة من مجموع أكثر من ٥٣ ألف متابع لروتانا التي قالت: “أشعر بالفخر بنفسي، أشعر بالامتنان لكل من قضوا وقتًا في المشاهدة، أشعر بالأمل”.
وتواصل: “كانت ردود الأفعال متباينة، ولكن الرد الأكثر شيوعًا الذي تلقيته لهذا البرنامج هو “شكرًا لك، لقد شعرت بالوحدة ولم أعتقد أن هناك شخص سيفهم ما كنت أمر به”، بشكل عام جيل الألفية الثالثة في العالم العربي مستعد جدًا ليكون أكثر صدقًا بشأن تجاربه كبشر. لقد تلقيت على وجه الخصوص رسائل من عرب ومسلمين من مجتمع الميم – عين، الذين شعروا/ن بأنهم/ن موجودين/ات بشكل كبير من خلال البرنامج. بالطبع كانت هناك ردود فعل سلبية أيضًا، فقد شعر الكثير من الناس بالغضب والاشمئزاز وشعروا أن ما تم طرحه غير محترم ويقوّي “الشيطان”. أعتقد أن هذه الردود مهمة أيضًا. أنا لا أتفاعل معها، ولكن من المهم أن يشعر الناس بشيء ما بدلاً من مشيهم/ن أثناء النوم واتباع السيناريو الموضوع لهم/ن من قبل الدين والسياسة والعبودية الثقافية، الذي كتبه رجال متوافقو الجنس عند الولادة مع الجندر الذي يعبرون فيه عن أنفسهم، ويريدون من خلاله السيطرة على الجماهير حتى تموت”.
وقالت روتانا أنه على الرغم من إنها أرادت أن يصل هذا البرنامج إلى أكبر عدد ممكن من الناس، “إلا أن جمهوري من العرب والمسلمين/ات هو الأهم بالنسبة لي، لذلك كان من الضروري ترجمة جميع الحلقات إلى اللغة العربية، كما تمثل اللغة العربية لي ثقافتي وديني ووطني وانتمائي، فقد عارضت لغتي طوال حياتي ما أؤمن به حول الجنس، الروحانية، والمتعة، وتنكرت لمعتقداتي”. وأشارت إلى أن “استخدام اللغة العربية كان شافيًا جدًا للاحتفال بالجنسانية وقوة الإثارة والحب والكويرية والتأكيد على الكثير من معتقداتي”.
“يزدهر هذا النظام على إنكار النساء لرغباتهن واحتياجاتهن، فالناكرات لأنفسهن هن النساء الجيدات”
وأخبرتنا: “ردة الفعل كانت مليئة بالمشاعر، لقد دعمني أصدقائي ومجتمعي بالكثير من الحماس والحب. فنحن جاهزون/ات للتغيير ونقف بجانب بعضنا البعض وأنا ممتنة للغاية لذلك. كما كانت استجابة الجمهور جميلة جدا. لقد شعر الكثير من الناس، وخاصة الفتيات العربيات/المسلمات والشباب من مجتمع الميم – عين، بأنهم/ن معترف بهم/ن. لقد شعروا بوحدة أقل من خلال هذا البرنامج وشعروا بالإلهام للتحدث عن حقيقتهم. بالطبع، كان هناك أيضًا رد فعل عنيف ونقد من أولئك الذين ليسوا مستعدين/ات لسماع مثل هذه الأشياء أو الانفتاح عليها، وكثير من الناس ليسوا مستعدين/ات”.
تعمل روتانا على إنتاج الموسم الثاني للبرنامج، “سيتضمن الموسم الثاني حوارات أكثر حميمية حول عملية التحول من وراء الكواليس إلى الانفتاح كما أنا كفنان/ة وشخص. هناك الكثير لنناقشه حول أمهاتنا، والعار، وأسماء العائلة، والعبودية الثقافية، وغيرها”.
وأكدت خلال حديثها عن جمهورها على منصة انستغرام: “لم أكن أنوي أبدًا تقديم هذا البرنامج أو التحرك في اتجاه تثقيف ومناقشة الحياة الجنسية، لكنني مررت بصحوة مع جسدي وحياتي الجنسية وشعرت بالتزام أخلاقي لمشاركة ما تعلمته. أردت أن يصل هذا البرنامج إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص”.
وعن تضمينها البرنامج للحديث عن مجتمع الميم – عين أسرت لنا روتانا بسرها: ” أشعر بالحرج من مشاركة ذلك، ولكن قبل الانتقال إلى أمريكا، لم أكن أعرف حتى أن الأشخاص العابرين/ات جنسيًا موجودون/ات، كل ما رأيته على شاشة التلفزيون هو المتشبهون بالجنس الآخر وهو أمر مختلف تمامًا. في الولايات المتحدة تعرفت على نساء ورجال عابرين/ات رائعين/ات، وتعلمت مدى أهمية قيادتهم لتحريرنا. كما أن غالبية المتابعين تلقوا أمر تناول موضوعات مجتمع الميم – عين خلال البرنامج بكثير من الحب والتقدير”.
تصوير: إيما (@theemmaexperience). مكياج: مستيزا (@iam_vibes)
المتعة
الحديث عن المتعة للنساء هو أمر تابو ومحرم، فكيف تخطت روتانا الحواجز النفسية للحديث عنه، أوضحت: “لقد مررت بتجارب في حياتي عبرت فيها عن حقيقتي، وهذا تسبب في تحقيق أكبر مخاوفي. هناك حرية تأتي مع الخسارة. لقد تم رفضي وطردي بالفعل، كنت خائفة جدا من التحدث عن هذه الموضوعات، أثناء تسجيل الحلقات، أصبت بنوبات هلع وكان عليّ أن أتوقف. كنت خائفة ولكنني سجلتها على أي حال، أعتقد أن هذه هي الطريقة للتغلب على الكثير من التحديات التي نواجهها”.
وعن سؤالنا لها عن ما إذا كانت تُعرف نفسها كنسوية ردت روتانا: “هذا سؤال معقد لأنني أعتقد أن مفهوم النسوية تاريخياً (ولا يزال) فاسد للغاية، أنا نسوية نعم، لكنني لا أعتقد أن النسوية تعني أنك تكون في صف النساء، أنا نسوية لأنني إلى جانب المجموعات الأكثر تهميشًا من قبل نظام السلطة الفاسد. لسوء الحظ، الكثير من “النسويات” يدافعن عن مبدأ شمولية وتضمين المرأة، لكنهن سيدققن أو يتجاهلن حقوق أفراد مجتمع الميم- عين، الكوير، العابرات/ون، السود، والفقراء، وما إلى ذلك، وهذه ليست نسوية بالنسبة لي”.
وقالت: “أعتقد أن تجربة النسوية في العالم العربي شابة جدا بالنسبة لما أعتقده من معني للنسوية، لكنني فخورة جدًا بالجهود والعمل الذي يقمن به لترسيخ مشاركتنا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وروحيًا في مجتمعاتنا”.
المستقبل
ختمت روتانا حديثها معنا بالحديث عن حلمها: “حلمي هو إنشاء مساحات يتمكن فيها الناس من الإفصاح عن ما بداخلهم/ن بأمان. آمل أن ينمو برنامج “fucked & blessed” أو “ملعون ومبارك” ليكون برنامجا يستضيف ضيوف عرب/ مسلمين/ات آخرين/ات يرغبون في الانفتاح على حياتهم/ن وخبراتهم/ن. أنا أتدرب حاليا لأصبح مدربة قادرة على العمل بشكل فردي مع العملاء والعميلات والمساعدة في إرشادهم/ن خلال رحلتهم/ن في احتضان أجسادهم/ن وذاتهم/ن الحقيقية، كما سأستمر في خلق الفن من موسيقى وفن أداء ومواد تعليمية أؤكد بها ما أؤمن به، فحياتنا الإيروتيكية هي صلاة وشفاء ونداء حرية لأحبائنا وللعالم”.