بقلم يحيى الزنداني
العمل الفني: لينا أ.
هذا المقال من ملف ‘يا ليل يا عين’ – هيكل العدد هنا
“أنت رجل كن قوياً ولا تظهر أي عواطف، أنتِ امرأة كوني فاتنة وابرزي ملامحك” لطالما كانت الصورة النمطية هاجس يعيش فيه أغلبنا طمعاً في التقبل والاندماج.
في مجتمعنا العربي نجد أشكالا كثيرة للاختلاف إلا أنها تصب في نفس قالب القواعد النمطية التقليدية، فقصر النظر الذي يمثله مشاهير مجتمع الميم عين الظاهر بعدم تقبل الاختلاف ونشر الكراهية حيث إنهم يشوهون الحقائق معتبرين كل ما لا يشبههم كنشاز رغم قدرتهم على أن يكونوا عوامل محفزة داخل مجتمعاتنا الشرقية وأن يساعدوا في محو الأفكار المغلوطة عن مجتمعنا مما يجبرنا أن نكون في صراع دائم معهم.
الترويج للكثير من الأفكار الكاذبة والتي نسمعها تقال باسم مجتمع العابرين للعامة، وهي من الأسباب الأساسية في عدم قدرتنا على فرض التقبل في مجتمعاتنا أو حتى تقبلنا لذواتنا، والاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي التي جُعلت لخدمة المجتمع بشكل عام ولدعم الشرائح التي تعاني من الاضطهاد بشكل خاص، أصبحت مصب أساسي في نشر الكراهية والأفكار المغلوطة وتحديد القواعد المجتمعية حتى في المواقع الافتراضية تجبرنا على الشعور إنا عالقون في عنق زجاجة بسبب من يتم اعتبارهم واجهه لمجتمع الميم عين، وبحكم كوننا نمثل الشريحة ذاتها ونواجه نفس أشكال الإضطهاد علينا جميعا أن نقدس الاختلاف ونسمح بالحرية الجندرية واللاثنائية الجندرية أن تكون أساسا في مقياس إيماننا بذواتنا و احترامنا للآخرين.
في هذا المقال سنتناول الأنماط الأساسية الشائعة للمعلومات المؤذية التي يروجها مشاهير السوشيال ميديا من وعن مجتمع الميم عين.
النمط الأول: تحريم التحول أو العبور الجنسي/الجندري
كاتولينا وهي واحدة من أكثر العابرات شهرة على السوشال ميديا حيث لها ما يقارب مليون ونصف متابع على سناب شات وحده صرحت مرة أن كونها تميل للذكور لن يجعلها تخضع لعمليات العبور الجنسي التي تسميها “بالتحول” وأنها تخاف منها خشية من عقاب الله الذي قد يطالها حيث أنها ستكون وقتها قد “غيرت خلقته” وعدم قدرة أي أحد أن يكون إلا بشكل الولادة مهما عمل من عمليات، وإنها لجأت للجنس مع الرجال كعمل وكسب رزق فقط لحاجتها المادية بسبب اضطرارها لذلك! وإن العبور الجنسي غير صحيح لأن هؤلاء الأشخاص “شاذين جنسيا” باعتقادها. الدقيقه 1:07 تشرح كون عملها كان لحاجتها ان ذلك والان في امريكا ليست مضطرة . ” يا شاذ يا لوطي يللي قلب خصوته ” كاتولينا تتحدث عن هيفاء مجيك
برغم أن ما تقوله كاتولينا سببه رغبتها بكسب تعاطف الناس معها ولكن ذلك يعود بالأثر السلبي على جميع أفراد مجتمع الميم عين لأنها ببساطة قامت بمحو معاناة العابرين والعابرات وحاجتهم الملحة للعلاج وعمليات العبور الجنسي لأنه بحسب ما تقول أن ذلك لا يتوافق مع إرادة خالق أجسادهم/ن من منظورها والأسوأ أنها بذلك أيضا ادعت أن الميول المثلية حاجة للكسب المادي بالإجبار أو وقت الحاجة إن أجبرتك الظروف على ذلك، بالوقت الذي فيه الميول المثلية جنسيا فطرية وليست مرتبطة بالعمل بالجنس. ويجب الرد عليها بأن “التحول” ليس حراما، فعلى سبيل المثال الأزهر يمنح فتوى تجيز التحول وفي المذهب الشيعي الخميني أفتى بجواز التحول. (المذهب الخميني)
النمط الثاني: كراهية المثلية الجنسية واللاثنائية الجندرية
هيفاء ماجيك (فأكثر من ثلاثة مليون على سناب شات) هي لا تختلف عن كاتولينا بل وجمهورها أكبر أيضا لذلك تعتبر أكثر شراسة منها في نشر الكراهية والأفكار المغلوطة عن أفراد مجتمع الميم عين، فهيفاء ماجيك تحرم المثلية وتجيز العبور الكامل وبذلك تلغي اللاثنائية الجندرية (وهي فئة كاملة داخل مجتمع العابرين/ات) وتزيد الاضطهاد على بقية مجتمع الميم عين.
حتى أنها تدعي أن الأشكال غير النمطية التي يظهر بها الأفراد هي سبب التنمر المجتمعي والنبذ والكراهية مما يزيد ويبرر الاضطهاد على بقية مجتمع الميم عين، هيفاء ماجيك أيضا رفضت الترحم على سارة حجازي مدعيه أنها ملحدة وهذه ليست المرة الأولى لهيفاء حيث أن سجلها ممتلئ بالتحريضات والتنمر على أفراد مجتمع الميم الممتلئ الهوموفوبيا “كراهية المثليين”..
” ماهذه الحرب؟ ولأي درجة تصل الكراهية؟ فقدت ثقتي بنفسي ولم أعد أستطيع مغادرة منزلي ومواجهة الناس .. اخترت العزلة بسببهم وأقول الله فوق كل ظالم”
ملاك اللبنانية
النمط الثالث: تهديد وابتزاز والتشهير ضد أفراد مجتمع الميم عين
قالت لي العبارة اللبنانية ملك عند التواصل معها “بسببهم جالي إنهيار عصبي، كلهم اتفقو على تدمير حياتي بدافع الغيرة والحسد لكن حربهم كانت قوية جدا ومافيها أي رحمة …. “
ملاك كانت آخر ضحايا كاتولينا التي واجهت موجة من التشهير ضد ملاك لتشويه سمعتها … مما اضطر ملاك أن تقف دفاعا عن نفسها وتصرح بالحقيقة لكون الناس هاجمتها بالوقت الذي كانت هي به الضحية وتحاول حماية أسرتها فقط وعدم الإفصاح عن مدى العنف الأسري الذي تتعرض له من قبل أخيها …
ملاك كانت تتعرض للتعنيف المستمر من قبل أخيها المتعاطي للمخدرات مما جعلها واقعة بين نارين فحب ملاك له ألزمها الصمت لمدة طويلة ولكن سرعان ما زادت حدة أخيها بغرض ابتزازه المادي لها لشراء الممنوعات. (فيديو على السناب نشرته ملاك وقامت كاتولينا بالتراجع عن أقوالها بعد ذلك).
بعد إكتشاف ملاك لإدمان أخيها ووصوله إلى تهديدها بالقتل وجرحها بألة حادة أضطرت أن تطرده من منزلها وتبلغ السلطات بذلك ولكنه الآخر استغل مشاكل اخته مع كاتولينا فذهب إليها بأدلة كاذبة لتقوم بالتشهير بأخته .. وما فعلته كاتولينا كان فعل لا أخلاقيا قبيحا بعيدا كل البعد عن الإنسانية حتى أنها لم تاخذ عناء التأكد من المعلومات من ملاك وقامت بالنشر ضدها مباشرة.
” ماهذه الحرب؟ ولأي درجة تصل الكراهية؟ فقدت ثقتي بنفسي ولم أعد أستطيع مغادرة منزلي ومواجهة الناس .. اخترت العزلة بسببهم وأقول الله فوق كل ظالم”.ملاك اللبنانية
هذا ما ختمته ملاك بمحادثتنا فهي بالوقت الحالي تمر بأزمة نفسية صعبة ومخاوفها ترتفع بسبب معاداة الجميع لها وتصديقهم للإشاعات واستسهال التنمر والقذف ونشر كل ما هو مغلوط بسهولة شرب الماء متناسين أن الكراهية تقتل وأن ما يتعرض له الأفراد يمس الجميع ويجعلهم عرضة أيضا لما تعرضت له ملاك وغيرها.
نجد في المغرب صوفيا طالوني تشن حملات تنمر وكشف مواقع وهويات أفراد من مجتمع الميم مما يعرضهم لخطر كبير من الحكومة والمجتمع منهم من حاول الانتحار وآخرين تم طردهم من المنزل من قبل أسرهم الغريب في الأمر أنها هي نفسها تعرضت للاضطهاد بسبب اكتشاف والدها أنها ليست الذكر الذي يتوقعها أن تكونه واعترافها بتمنيها كونها الذكر الذي أرادها والدها أن تكونه ليفخر بها، ولكن ذلك لم يمنعها بعد ذلك من التوقف عن الأضرار بغيرها، وقد شنت صوفيا حمله لفضح والتشهير لأفراد مجتمع الميم والمثليين في المغرب والتحريض لقتلهم مطالبة السلطات بسجنهم أيضا.
العمل الفني: لينا أ.
النمط الرابع: الاستفادة من قلة الوعي المجتمعي والخلط مع بينيي الجنس البيولوجي
“الله سبحانه وتعالى خلق ثلاثة أجناس ذكر أنثى وخنثى والخنثى ينقسم إلى ثلاثة أقسام خنثى ذكر اللي هو ذكر مع ذكر خنثى انثى اللي هو بنت مع بنت وخنثى مشكل اللي عنده العضويين وخلل هرموني واني انثى كامله” هنادي الرديني عبارات رددتها العابرة اليمنية هنادي الرديني وتظن بهكذا مغالطات أنه قد يتم تقبلها .. معلومات مغلوطة كهذه يستخدمها الكثير من العابرين\ات المؤثرين ولكنها تسبب الضرر على مجتمع العين، فالجنس البيولوجي ينقسم إلى ذكر وانثى أما الإنترسكس أو ما يسمى بالجنس البيني فهو ما لا يعرف فيه نوع الجنس بالتحديد لإختلاط الأعضاء التناسلية أو عدم وجودها.
كذلك هيفا ماجيك التي أكدت لجمهورها أن لديها خلل هرموني وأن العادة الشهرية تأتيها بل وإمكانيه إنجابها بشكل طبيعي أيضا! وغوغائية ما تقوم بنشره هذه الأفراد مستهجنة حتى في أوساطنا بشكل كبير لما لها من استصغار للعقول وتكذيب للوقائع بالوقت الذي يجب فيه أن يكون هناك أساس حقيقي للمعلومات والأخبار التي تدور حولنا ومصداقية في منتهى التقدير لجميع أشكال الاختلاف وتقبلها إلا أنه نادرا ما يتم التصريح عنها، كل ذلك يقوم بالإضرار الفعلي على جميع الأصعدة بأفراد مجتمعنا بشكل مباشر.
النمط الخامس: التعميم ومحو فردانية تجارب الأشخاص في الترهيب من العبور الجنسي وأن اختيار عمليات العبور خيار فاشل *جويل بدر
قامت جويل بدر بعمل عملية التصحيح الجنسي من ذكر لأنثى وندمت على ذلك وتحذر الجميع منها، لم تعترف جويل أنه من الممكن أن خيار العمليات لم يكن مناسبا لها وأنه من الطبيعي أن بعض أفراد مظلة الترانس قد لا يحتاجون لعمليات التصحيح الجنسي، بل قامت بالتعميم كقاعدة ترفض فكرة العبور الجراحي بناء على تجربتها الفردية متناسية أنه من الممكن أن يكون حدوث مضاعفات لها بعد العملية هو أحد الأسباب أيضا وآخر الدراسات النفسية تثبت أن مصدر النشوة والإحساس الجنسي في الدماغ لا الأعضاء التناسلية وتؤكد الدراسات التي تم جمعها من العابرين/ات بشعورهم/هن بنوع من الرضا الجنسي بعد العمليات الجراحية.
النمط السابع : لفت الانتباه وحب الشهرة
نجد في الوقت الحالي أغلب مشاهير مجتمع الميم في السوشيال ميديا يحاولون بشكل حثيث جذب الانتباه لهم حتى إن كان ذلك في سبيل الإضرار بغيرهم فتجدهم يحاربون بعضهم البعض أو يدعون أنهم مختلفين عن الآخرين وأفضل منهم في سبيل دعم مشاريعهم الخاصة وتسليط الأضواء عليهم والشهرة. ومن المؤكد أن هكذا تصرفات تضر باعتبار الأفراد أنهم فرد من كل وجزء من جماعة وجميع ما يفعلونه غير عابئين بمساوئه وأضراره على الجميع ولا يمسهم هم بشكل شخصي، ما يفعله مثل هؤلاء يعزز الفجوة بيننا ويخلق العداوات بشكل غير مسؤول وحتى انه يوطد الكراهية علينا من العالم الخارجي الذي يرانا كشخص واحد وأي شخص منا يعبر عنا ككل مما يوصلنا إلى نقطة محورية “كونك من أفراد مجتمع الميم لا يعطي حصانة من كونك هوموفوبيك أو كاره ولا صلاحية التحدث باسمنا”.
جميع هذه السمات التنميطية التي يقومون ببثها عبر المجتمع وتأصيلها فيه تجعل منهم يصنفون ككارهين وينشرون رهاب المثلية لاغين/ماحين التعددية الجندرية ومظلة اللاثنائيي الجندر أيضا، هم حتى أشد خطورة من غيرهم مما يستدعي الوقوف والتصدي الجاد والحازم منا جميعا، بحكم تمثيلهم لنا وظهورهم العلني كأفراد من مجتمع الميم عين في حين عدم قدرة الأغلبية العظمى من المجتمع دفع هكذا ضريبة للظهور والمخاطر التي لن يستطيعوا حماية أنفسهم منها بعد ذلك، مما يزيد مساوئ ما يتم عرضه من قبلهم وكونهم مقياس للجميع لعدم توفر أي مصادر أخرى للعامة سواهم.
لذلك فإن فوائد نشر المعلومات الحقيقية والحث على تقبل جميع أفراد مجتمع الميم عين يساعد على ترجيح الكفة في المساواة واتخاذ قرارات موحدة أكثر استنارة وتعبير عنا وبذلك تكفل لنا جمعيا الحصول على حقوقنا والحرص على استخدام منابر التواصل في استهداف الجمهور لتوصيل الرسالة بشكل أفضل يدعم في تحسين نتائج مناهضة العنف وتقبل الاختلاف ويجعل من المحتوى الذي يتم نشره محتوى فعال مما يساعد في تدشين حملات ومبادرات قوية وسارية وبالتأكيد أيضا أصوات مسموعة أكثر.
تحسين علاقتنا ببعضنا البعض أمر ضروري يمكننا من استخدام المعلومات الدقيقة في الحث على فهم اختلافاتنا و شرحها للأخرين وكون الشخص عابر جنسيا يعني أن هويته الجندرية التي في الدماغ وهي ما يعبر بها عن نفسه تكون إما مخالفة أو معاكسة لجنسه البايولوجي وأحيان أخرى تكون بشكل متباين أيضا فيعرف الشخص عن نفسه بين الجنسين كليهما أو بلا جندر محدد فلا يحب أن يعبر عن نفسه كذكر أو كأنثى ومن الممكن أن يرى نفسه في كليهما معا مما يطلق عليه كويري الهوية الجندرية والميول الجنسيه لا تمت بأي صلة بالجنس أيضا ولا بالهوية الجندرية وجميعها ليس للفرد أي اختيار فيها ويجب تقبلها حتى وإن كانت معارضة لما نعتبره عادات وتقاليد أو حكم إلهي.
العابرين والعابرات لا يوجد لديهم أعضاء مختلطة ولا وجود الخلل الهرموني سبب في العبور أما الانزعاج الجندري لا يتم تشخيصه إلا في العيادات النفسية التي تحدد هوية الدماغ أو ما تسمى بالهوية الجندرية وبالنسبة لبقية الفحوصات المختبرية منها والجسدية فنحن نقوم بها كإجراء روتيني لتأكيد الحالة وعدم وجود لبس بينها وبين أي تشخيص آخر وإذا كان اختيار أحدنا في إتمام العمليات لما يفضله فهو لن يستطيع الإنجاب بعد ذلك إلا أن دراسات الخلايا النخاعية تتطور وقد تصل قريبا لحل يجعل لدينا القدرة على الحصول على أطفال بيولوجيين بعد إتمام عمليات العبور الجنسي.
دائما ما نستخدم عبارة “الأقارب عقارب” و”احذر من عدوك مرة وصديقك ألف مرة” وها أنا اليوم أقول “عدونا منا وفين” وكدت أن أقع في نفس الغلطة التي تعمل على تشتيت الصفوف والحد من التآلف بيننا لتكوين فجوة عميقة بين بعضنا البعض، هل من الصحيح أن استخدم أنا وغيري هذه العبارة؟ أم أن عدونا الحقيقي هي المفاهيم الخاطئة التي نحملها معنا وكل ما نواجهه من كراهية ونتعرض له سببه الحقيقي هو الأنانية واللامسؤولية وضيق الأفق؟ حيث إن اهتمامهم الوحيد بالشهرة وجذب الانتباه لكسب الرزق غير مكترثين بحياة الكثيرين التي قد تزيد سوءا بسببهم.
كل هذا يجعلنا نتوجه لسؤال معين وهو كيف نحسن من وجود مواقع التواصل في حياتنا وجعلها منبر أساسي لنشر التقبل والتوعية بالوقت الذي تقف لنا فيه خرافة القواعد النمطية بالمرصاد؟ والحل هنا يكمن في التوعية، معرفة أن انتشار بذور القوالب النمطية يكون طابعة موجود في أساس تربيتنا وتعليمنا ويفرض علينا أن نحذر من التمييز الجنسي بكافة أشكاله وتعزيز استيعاب الأفكار المختلفة كإضافة مفيدة لا كشيء يهدم ما قبله فالكون يستوعب وجودنا ولا حاجة لهذه الحرب التي نخسر بها جميعا.
“ما يزال لدينا خيار اليوم: إما التعايش السلمي أو إفناء بعضنا البعض بشكل عنيف علينا أن نغير ترددنا في الماضي إلى فعل”. الناشط الراحل مارتن لوثر
…………
كاتب المقال: يحيى الزنداني رجل عابر يمني طالب طب نسوي وناشط في حقوق الإنسان ومدافع عن مجتمع الميم عين بشكل خاص.