بقلم خالد ع.
ترجمة نوارة علي
العمل الفني: لينا أ.
هذا المقال من ملف ‘الهجرة والغربة’ – هيكل العدد هنا
لا شيء يختصر الموقف العام تجاه مجتمع العابرين جنسيًا في دول الخليج مثل المقابلة التي أجرتها الصحافية أمل عاطف مع الممثلة الكويتية زهرة الخرجي، لصحيفة الراي الكويتية وأبرزت فيها آخر المستجدات المهنية للخرجي وأدوارها القادمة في الدراما التلفزيونية وعلى المسرح. ترى الممثلة أن هناك “ظواهر” اجتماعية معينة منها قضية “المتحولين جنسيًا” التي يجب تسليط الضوء عليها من خلال الفن. وأفصحت بحماس عن استعدادها التام لتكون “متحولة جنسيًا” إذا طُرح عليها دور رجل، كما أكدت أنها ستتعامل مع هذه الشخصيات على أنها “مرضى” سواءً كان ذاك المرض “جسديًا أم نفسيًا”.
قالت الخرجي أنه “لا بد أن تُعالج هذه القضية بالشكل العلمي الصحيح، خصوصًا أن هناك حالات ناتجة عن سوء التربية، مثلًا تربية ولد وسط الفتيات، وعلى إثر ذلك يُولد في داخله شعور أنه أنثى ويتصرف على هذا الأساس ويحدث لديه خلل نفسي”، وأشارت إلى أن مثل هذه الأحداث يمكن أن تنتج مسلسلًا دراميًا يطرح هذه القضية بموضوعية و”يضع حلولاً ناجحة لكيفية معالجتها ومحاربتها، كي لا تتضخم ككرة الثلج”.
من حين لآخر تفيض وسائل التواصل الاجتماعي بعناوين وتعليقات غاضبة تتناول موضوع العابرين جنسيًا كما فعلت الخرجي في مقابلتها- أنه يجب “تشخيصهم” و”علاجهم”. إن مجرد وجود الأشخاص العابرين سواءً في الأماكن العامة أو الخاصة يعد سببًا كافيًا لإدانتهم وتجريمهم اجتماعيًا وسياسيًا بل وحتى طبيًا، على سبيل المثال نذكر المطالب باعتقال امرأة عابرة كانت متوجهة إلى مركز تسوق في السعودية في عام 2017 وإلقاء القبض على مها المطيري في 2019 بسبب حسابها العام في تطبيق سناب شات. من الواضح أن وجود العابرين جنسيًا في هذه الدول يشكل تهديدًا يمس القيم الاجتماعية الأساسية، ويتم التعامل مع الأشخاص العابرين كما يتم التعامل مع التهديدات وذلك عبر الإقصاء الاجتماعي والعنف الفردي والعنف قبل الشرطة، بالإضافة إلى السياسات والمسؤولين الذين يمنعون عمليات العبور الجنسي والقوانين التي تجرمها.
طلبتُ من 15 شخصًا من العابرين جنسيًا من مختلف المناطق في الكويت والسعودية والإمارات أن يشاركوا تجاربهم في العبور الجنسي في الخليج في محاولة لتوثيق تجربة يتم نفيها ومحوها عمدًا من قبل السياسات والأفراد على حد سواء. ويحكي المشاركون عن الدين والعائلة والقوانين والتقاليد، والعقبات التي يواجهونها في العبور طبيًا وفي الإفصاح عن هوياتهم/هن الجندرية للمجتمع.
الإفصاح عن الهويات الجندرية
قد يفترض المرء أن الدين هو العقبة الواضحة التي تمنع الأشخاص العابرين جنسيًا من الإفصاح عن هوياتهم/هن الجندرية، ففي النهاية كل من الكويت والسعودية والإمارات دول ذات أغلبية ساحقة مسلمة. قال ابن عباس وهو أحد الصحابة المسلمين “لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال” ويوجد غير ذلك من الأحاديث التي تصنف “التشبه بالجنس الآخر” شيئًا يستحق التجريم والعقوبة.
لكن لا يكفي أن يلقي المرء نظرةً للنصوص الدينية فقط لبحث أسباب التوصيم والتجريم، فالنظم القانونية المختلفة التي تحكم هذه الدول تلعب دورًا كبيرًا في ذلك أيضًا. السعودية هي الدولة الوحيدة من الدول المذكورة أعلاه التي أسست نظامها القانوني وفق الشريعة المستمدة من القرآن والحديث، ورغم توافق أغلب قوانين الإمارات مع الشريعة إلا أنها متأثرة أيضًا بنظام القانون المدني البريطاني، أما الكويت فنظامها مبني بالكامل على نظام القانون المدني الفرنسي.
الفخ الآخر الذي قد يقع فيه الشخص هو افتراض أن الأنظمة القانونية الأخرى التي لا تتبع الشريعة لن تجرم الأشخاص العابرين جنسيًا باتهامات “التشبه بالجنس الآخر”، في الحقيقة العكس صحيح حيث أن هذه القوانين لا تُستمد من فروض دينية بل من حاجة للحفاظ على النظام الذكوري الذي يعتمد على ثنائية الجنس والظلم في هذه الدول، ولتحقيق هذه النتيجة يخلق النظام قوانين تجرم أي هوية لا يعتبرها متوافقة الجنس تحت اسم المحافظة على “الذوق العام” و”الأخلاق”.
إحدى الأسباب الرئيسية التي تمنع أروى* العابرة ذات الـ17 عامًا من الكويت من الإفصاح عن الهوية الجندرية هي عدم قدرة القانون على حمايتها، وتجريمه وشيطنته لها بدل ذلك، تقول “عائلتي ستقتلني بدم بارد إن علمت بشأني، المجتمع يكرهنا والقانون لا ينصفنا”، وتعني بالقانون المادة 198 من القانون الكويتي. هذا القانون أيضًا عقبة أمام ياسين* العابر الكويتي ذو 17 عامًا الذي يخوض العبور الجنسي ويقول أن المادة “تحرض المجتمع علينا.” ورغم معرفة أصدقائه القريبين هويته الجندرية إلا أن عائلته ما تزال تجهل ذلك.
أقرّ مجلس الأمة الكويتي في مايو 2007 تعديلًا لقوانين سابقة تعنى بالآداب العامة وهو المادة 198 التي نصت أن “كل من ارتكب في علانية فعلاً فاضحاً أو تشبه في مظهره بالجنس الآخر، يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار (3500 دولار).” وأصدرت هيومن رايتس ووتش في 2012 تقريرًا بعنوان “يطاردوننا من أجل المتعة”: التمييز وعنف الشرطة ضد النساء العابرات جنسيًا في الكويت” يوثق حالة مجتمع العابرين في الكويت قبل وبعد إقرار المادة 198. هذا التقرير مهم لفهم أن إساءة استخدام السلطة للقوة عند تعاملها مع المجتمعات المهمشة ما هو إلا انعكاس لمعتقدات وسلوك المجتمع نحو العابرين جنسيًا.
أما وزارة الصحة في الكويت فتعترف بـ”اضطراب الهوية الجندرية” كحالة طبية رغم تجريم الدولة للأشخاص العابرين/ات، ويعني ذلك أن المواطنين يفترض أن يتمكنوا من الحصول على التشخيص والعلاج لهذا الاضطراب المزعوم.
في المقابل تحظر الإمارات “التشبه بالجنس الآخر” تحت شرط واحد وهو إن فعله الرجال لدخول المساحات الخاصة بالنساء فقط، المادة 359 تعاقب “”كل رجل تنكر بزي امرأة ودخل مكانا خاصا بالنساء” بسنة سجن أو غرامة ّ قیمتھا 10 آلاف درھم (2700 دولار) أو كلا العقوبتین معا”.
رغم عدم وجود مادة صريحة أخرى تجرم الأشخاص العابرين/ات جنسيًا في الإمارات لا يظن حامد* أنه سيفصح عن هويته الجندرية أبدًا، حامد عابر ذو 18 عامًا من دبي ويذكر أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم إفصاحه عن هويته الجندرية هو “عدم تقبل المجتمع.” كالعابرين/ات الآخرين/ات في الخليج يشعر أنه مقيد من قبل رهاب العبور الجنسي في المجتمع، وعلى الرغم من أن المادة 359 هي الوحيدة في النظام القانوني في الإمارات إلا أن ذلك لم يمنع الاعتقالات المتكررة للأشخاص العابرين.
لا تملك السعودية قانونًا منظمًا ضد الأشخاص العابرين/ات جنسيًا، وعوضًا عن ذلك ينظر الناس لفتوى ابن باز عند مناقشة العبور الجنسي، وكان ابن باز عالمًا إسلاميًا ومفتي المملكة من 1993 حتى وفاته في 1999 وأفتى في جميع جوانب الحياة بما فيها الجوانب القانونية. وقال أنه “لا يمكن لأحدٍ كائناً من كان أن يغيِّر خلق الله تعالى من ذكر إلى أنثى أو العكس” وأوضح أن إحساس الشخص في داخله غير الجنس الظاهر “ليس عذراً لتغيير جنسه، بل هو اتباع للشيطان في تغيير خلق الله.” لكنه صرح أن إجراء العمليات الجراحية والعبور الطبي جائز للأشخاص متداخلي/ات الجنس البيولوجي، ورغم الاعتداد بتصريحات ابن باز وتقديرها إلا أن هذه الفتوى يتم رفضها لدعمها “تغيير خلق الله” بطريقة ما، وتشير هذه الفتوى لاحتمال وجود أشخاص لا يتوافقون مع نمط ثنائية الجنس وتُظهر مفهوم أن الجسد لا يحدد الهوية الجندرية.
التثقيف المغلوط للعامة وتشويشهم بين الهوية الجندرية والهوية الجنسية يولد إحباطًا في الأشخاص العابرين/ات جنسيًا يحول دون ظهورهم بحرية في المجتمع، من هؤلاء الأشخاص عبدالعزيز* العابر ذو الـ21 عامًا من السعودية والذي لم يظهر نفسه بسبب “آراء الناس والمجتمع ونظرتهم تجاه الأشخاص العابرين/ات، وخلطهم بين كون الشخص عابرًا أو مثليًا.” رغم اختلاف الأراء حول العبور الجنسي وعدم وضوحها أو تقنينها تحت الشريعة إلا أن المثلية تم تجريمها وإقرارها غير قانونية.
نهايةً تعتقل الشرطة السعودية كما الإماراتية الأشخاص العابرين لانتهاكهم “الآداب العامة” بغض النظر عن عدم وجود أي قوانين تحظر وجودهم، المشكلة ليست في القوانين ضد العابرين بل في تنفيذها تعسفيًا حيث لا توجد معايير أو أوصاف دقيقة لما قد يبدو عليه “تقليد الجنس الآخر” أو “انتهاك الآداب العامة”، وهذه المعايير يتم تحديدها من قبل الشرطة أو القضاة الذين غالبًا ما يسيئون استخدام سلطتهم.
هذا التعسف هو سبب خوف نورة* العابرة ذات الـ22 عامًا من الإفصاح عن هويتها الجندرية، هي خائفة من أن “يتم الإبلاغ عنها والتشهير بها” حيث يمكن لأي أحد الإبلاغ عنها لانتهاكها “الأخلاق العامة”، واعتمادًا على مدى انتشار الأخبار عن القضية يتم زيادة شدة العقوبة والإدانة التي يمكن للمتهم أن ينالها.
العبور الجنسي الطبي
إن عملية العبور الجنسي ليست محددة أو لها وصف فردي بل لكل شخص عابر/ة رحلة وتعريف خاص به/ا، يغطي هذا القسم تجارب أشخاص عابرين/ات في “العبور الطبي” الذي يتضمن سلسلة من الإجراءات كعملية تغيير الجنس جراحيًا والعلاج بالهرمونات، ومناقشة لإمكانية الوصول والحصول على هذه الإجراءات في كل من الكويت والسعودية والإمارات.
أعلنت وزارة الصحة السعودية في عام 2014 أن جراحة تغيير الجنس (GRS) ستصبح حقًا لكل مواطن ضمن الرعاية الصحية المجانية التي يتلقونها، لكن القيام بالجراحة ليس قرار الشخص وحده بل يجب أن يوافق عليه “خبراء الصحة” وأسرة الشخص. ويشكل هذا التوكيل عائقًا يحول دون حصول العابرين على الرعاية اللازمة في حال لم توافق عائلاتهم أو لم يعتبر مسؤولو الصحة حالتهم “شديدة الحاجة” بما فيه الكفاية للوصول لهذه الرعاية.
ما تزال نورة في مرحلة العبور الجنسي حيث تستخدم الإنترنت والصيدليات المختلفة للحصول على حقن الهرمونات. وترى أن الحصول على هذه الخدمات الطبية يقتضي المرور بعملية معقدة لا داعي لها، وتتمثل العملية في تشخيص علماء النفس للعابرين/ات بـ”ـاضطراب الهوية الجندرية” ومن ثم تحويلهم للعلاج. تعمل نورة بما يوفره نظام الرعاية الصحية العام، الوصول لهذه الخدمات خلال العيادات الخاصة ممكن أيضًا لكنها محدودة ومكلفة ومتاحة في المدن الكبيرة فقط.
تظهر الطبقية وتفاوت الثروات في مصاعب الحصول على الرعاية الصحية والفروقات بين النظامين العام والخاص، هذا التفاوت يعتبر حاجزًا يمنع العابرين/ات من الإفصاح عن الهوية الجندرية والمرور بالعمليات الطبية اللازمة. ولا ينطبق ذلك على السعودية فحسب بل يمتد لسائر دول الخليج والعالم. سمير* رجل عابر من السعودية يبلغ من العمر 31 عامًا وعبر طبيًا في بريطانيا أثناء دراسته، الخدمات في السعودية من وجهة نظره تقتصر على العلاج النفسي فحسب، أما المضي قدمًا نحو الجراحة و/أو الهرمونات فيبقى صعب المنال للأغلبية العظمى.
وتسمح الإمارات لمواطنيها بعمليات العبور الجنسي لعلاج حالات “اضطراب الهوية الجنسية”، وعلى غرار السعودية فإن مواصلة العلاج والحصول عليه يعتمد على موافقة “لجنة طبية” خاصة تضع معايير غير ثابتة وتختلف من شخص لآخر. حامد أيضًا اضطر لحضور جلسة مع طبيب نفسي في عيادة خاصة ليتم تشخيصه باضطراب الهوية الجندرية، وكلفه فتح الملف 600 درهم (حوالي 160 دولار) بينما تكلف كل جلسة 350 درهمًا أو أكثر اعتمادًا على الحالة. وكان حامد ممتنًا لقدرته على تحمل تكاليف جلسات العلاج لكنه اضطر لإيقافها مؤخرًا بسبب مخاوف عائلته التي كانت تغطي ثمن الجلسات.
أما وزارة الصحة في الكويت فتعترف بـ”اضطراب الهوية الجندرية” كحالة طبية رغم تجريم الدولة للأشخاص العابرين/ات، ويعني ذلك أن المواطنين يفترض أن يتمكنوا من الحصول على التشخيص والعلاج لهذا الاضطراب المزعوم. ومع ذلك فإن العديد من الأشخاص العابرين/ات يعلمون بالهرمونات فقط كخدمة مقدمة ولا يملكون المساعدة اللازمة للعمليات الجراحية، نتيجة لذلك يجد الكثير من الشباب العابرين في الكويت أنفسهم غير قادرين على الوصول للموارد المتاحة بالفعل، وينتهي بهم الأمر إلى إنكار هوياتهم بسبب القوانين والضغوط العائلية التي تجرمهم.
رغم اعتراف وزارات الصحة هذه باضطراب الهوية الجندرية على الأوراق إلا أن الوصول للخدمات والعمليات الجراحية والعلاج يبقى صعبًا ومحدودًا للغاية، وهذا ما يحتاجه مجتمع العابرين/ات في هذه الدول وفي الخليج، ويجب الأخذ بعين الاعتبار توفر هذه العلاجات من عدمها في الأماكن المختلفة.
الخاتمة
لا توجد تجربة واحدة تجمع كل قصص العابرين/ات في الخليج. فالعوامل المختلفة بدءًا من النشأة والجغرافيا والطبقة الاجتماعية ونوعية وثائق السفر تشكّل تجارب العبور في الخليج فيما يخص الإفصاح عن الهوية الجندرية وعملية العبور. بالإضافة إلى ذلك، تلعب التشريعات المؤسسية والتجريم دورًا رئيسيًا في صياغة تجارب الأشخاص العابرين خارج إطار حياتهم الشخصية ومجتمعاتهم حيث تشكل كيف ينظر ويتعامل المجتمع مع هوياتهم وكيف يشيطنونها في نهاية المطاف. إن توثيق هذه التجارب أمر بالغ الأهمية وليس لإضفاء الطابع الإنساني لمجتمع العابرين فقط، بل لتسليط الضوء على حياتهم وقصص الأشخاص الذين لطالما تم محوهم من شجرات العائلة والأماكن العامة وحتى المؤسسات العامة.
* تم تغيير أسماء الأشخاص حفاظًا على سلامتهم/ن.