بقلم حسن كيلاني
العمل الفني: لينا أ.
هذا المقال من ملف عدد ‘ملحق كورونا’ – هنا
في الأول من أيار/مايو وبعد الإعلان عن صفر إصابات بفيروس كورونا والسماح لوسائل المواصلات العامة بالعمل، قررت كحال الكثيرين من سكان مدينة عمان-الأردن زيارة والدتي والتي لم أراها قرابة الشهر. جلسنا كالعادة في غرفة الجلوس للتحدث ومشاهدة التلفاز وتحديدا قناة رؤيا (الأكثر مشاهدة محليا). في ذلك الوقت كانت تعرض مسلسل “وطن ع وتر”، فرحت لأني لم أتابع هذا المسلسل منذ سنوات، وكنت أشاهد مقاطع مضحكة جدا منه على اليوتيوب منذ 2009 فكان المسلسل العمل الأول من نوعه في فلسطين الذي يقوم على نقد الواقع الاجتماعي السياسي بطريقة هزلية على قناة فلسطينية قبل انتقاله إلى قناة رؤيا الأردنية. قلت لأمي متحمسا باستئذان “يا الله، يلا نحضره”. وهنا بدأت الكارثة، فكان المقطع المضحك هو عبارة يتمحور حول الممثل الرئيسي وهو ينادي شخص بعبارة “أبو نيجرو” والشخص يقول له “ما تناديني أبو نيجرو” وهو يرد “طيب ماشي يا أبو نيجرو”.
“كامرأة سمراء بحكولي انتي حساسة يا أم شعر نيجرو”
نعم في عام 2020 وخلال شهر رمضان ما زال تلفزيون رؤيا يعرض كلمات مرتبطة بتاريخ العبودية لذوي البشرة السمراء. شعرت بقشعريرة أكثر عندما كانت والدتي تشاهد باهتمام وتضحك. هل هذا ما يقال عنه دس السم بالعسل؟ من هنا قررت أن أصور المقطع وأنزله على حسابي في انستغرام وأكتب تعليق عن شعوري بالاستياء تجاه ما شاهدت. بعدها بدقائق ردت على الفيديو صديقتي نوسة وكتبت “طول حياتي والناس بينادولي أم شعر نيجرو وكل ما أقول لهم أنه الكلمة غلط وعنصرية بحقي كامرأة سمراء بحكولي انتي حساسة يا أم شعر نيجرو وأندومي”. وأكملت “بسبب تنمرهم جعلوني أسشور شعري طوال حياتي هذا غير المضايقات من مدرائي بالشغل بحكولي شكلك غير مهني والصالونات بسألوني إذا بدي أعمل شعري بمواد كيميائية ليصبح مستقيم…”.
قبل أن تنطلق صفارات الإنذار لإعلان بداية الحظر عدت إلى بيتي. عادة ما استخدم نيتفلكس لمشاهدة بعض المسلسلات والبرامج ولكن هذه المرة قررت أن أعطي فرصة لحلقات أخرى من مسلسل “وتر ع وطن”، قلت في نفسي قد تكون كلمة “نيجرو” مجرد نزوة بسبب جهل القائمين على المسلسل أوالمنتج أوالمخرج أوالعاملين بالقناة. وبالفعل بدأت بمشاهدة هذا الموسم من الحلقة الأولى على يوتيوب. أسلوب المسلسل عبارة عن صراخ وحركات وشقلبات في محاولة واضحة لتقليد “اللمبي”، بلا أي رسالة واضحة. تركت الحلقات على وجهي علامة استغراب من نوع “أيش بده هاد”؟.
التنمر والتحرش ليس كوميديا
بجانب هذا وذاك ومنذ مشاهدة الحلقة الأولى، لم تخلوا أي حلقة من كره النساء، من التحرش اللفظي والجنسي في الفنيات بالشوارع والأماكن العامة وحتى من العنف المنزلي. يظهر التحرش من تصفير وتعرض بالكلام لللنساء بالشارع على أنه “خفة دم” والعنف المنزلي والصراخ على النساء على أنه شيء معتاد عليه يوميا ويستوجب منا الضحك. نعم يجب أن نضحك بعد أن نقرأ تقرير حماية الاسرة عن أكثر من 1500 حالة عنف ضد النساء في شهر رمضان، وبعد أن نقرأ خبر مقتل فتاة عمرها 14 سنة على يد أخوها بسبب إنشائها حساب على فيسبوك وغير قصة اقتلاع أعين فاطمة في جرش العالقة في ذهني منذ تشرين الثاني/نوفمبر السنة الماضية إلى جانب قصص العنف ضد النساء المتزايدة يوميا. أردت بالطبع أن أغلق اليوتيوب بعد الحلقة الثانية، فلم يكن هذا ما أبحث عنه من المسلسل القديم، ولكن في الوقت ذاته أثار فضولي في مشاهدة ما يشاهد أهلي ومتابعي قناة رؤيا.
وهنا رأيت ان التنمر او العنصرية لم تقتصر على النساء وأصحاب البشرة السمراء بل في الحلقة الثالثة تناول المسلسل الأشخاص ذوي الإعاقة والزواج، تتمحور مشاهد الحلقة عن تقدم نفس العريس للزواج من سيدة مرات عدة، لكن كل مرة العريس يظهر بإعاقة حركية أكثر حدة، وكلما زادت حدة الإعاقة كبر مبلغ المهر وشروط العروس في مشاهد تهميش وسخرية من إعاقة العريس، تصور الأشخاص ذوي الإعاقة على أنهم لا يصلحون للزواج إلا إذا كان معهم الكثير من النقود لتعويض الإعاقة من جهة وعلى أن النساء طامعات يبحثن عن المال عن طريق الزواج و يبعن أنفسهن.
ناقصنا “تحريض على العنف”؟
وصولا إلى الحلقة الثامنة التي وصلت مشاهدتها على منصة اليوتيوب حوالي مليون ونصف. وفي محاولة لتقليد مشاهد من “مجدي ووجدي” اللبنانية في التنمر على الرجل “الناعم” ذو الشعر الطويل والملابس الضيقة فاتحة الألوان متحدثا بلهجة مدنية خاطئة (دلالة على أنه فلاح منسلخ عن ثقافته). يأتي جار هذا الشخص ويقوم بضربه بالعصا ويركض وراءه في الشارع بمشهد يصور “الرجولة” على أنها عنف يمارس ضد المواطنين في الشارع والأماكن العامة. بعد تذكر قصص كثيرة لأشخاص من مجتمع الميم والعابرين/ات جندريا تم ضربهم في الشارع (شاهدناها بفيديوهات منشورة على يوتيوب من شوارع جبل الحسين ومحافظة الزرقاء) وبعض من أقدم على الانتحار بسبب هذا العنف وآخرون هربوا خارج البلد بحثا عن اللجوء على أمل العثور على مكان آمن وشارع لا يضربهم/هن أحد فيه، لا يبدو لي هذا المشهد مضحكا أبدا.
مسلسلات رمضان هي منفس الكثيرين هذه الأيام وخصوصا للعائلة لتقضي وقت مميز خلال الحجر الصحي بسبب انتشار جائحة كورونا. تعود بي الذكريات للحماس أثناء انتظار فوازير شريهان. كنا نجلس ونشاهد أزياء ورقصات من ثقافات مختلفة حول العالم، ونضحك مع زكية زكريا الشخصية التي كانت أول من لعب على مبدأ الصدمة في المقالب الرمضانية والعديد من المسلسلات التاريخية التي كانت في الأغلب هادفة. لكن منذ عدة سنوات قد توقفت عن إيجاد ما هو مميز على التلفاز. نجوم طاش ما طاش أصبحوا ذو أجندة سياسية سعودية والكوميديا الأكثر مشاهدة هي من نصيب رامز جلال “الطائش”، وحتى الكوميديا المحلية التي طالما كانت تتسم بالبساطة ومحدودية الإنتاج استبدلت حارة أبو عواد بأبو الفراجين.
من حلقة لأخرى أحاول فهم المقصد والرسالة وراء المسلسل، وفي ذات الوقت أتخيل شعور الأشخاص ذوي الإعاقة أو النساء المعنفات أو الأشخاص ذوي البشرة السمراء أو الرجال الناعمين وهم يشاهدون المسلسل في شهر “التسامح والرحمة”، لكن لا أرى سوى الصراخ على الطفل والمرأة والضرب والتعنيف والتحرش والعنصرية في إطار كوميدي وحركات بهلوانية غير مفهومة ولا داعي لها. جلست بعد مشاهدة بعض الحلقات وشعرت بالإحباط وأنا أفكر هل كنت أضحك وأنا صغير على مشاهد تنمر وعنف في برامج رمضان الكوميدية. وهل فعلا ممكن ان اكون من الأولاد المتنمرين بسبب ما كنت اشاهد؟