Article in English
تصوير: عبدالله الدجاني
مكياج: غدير بندك
لبيس و تنسيق: فادي زعمط و جود الخليلي
الإخراج الإبداعي: علاء أبو قشة و فادي زعمط
المحرر: خالد عبد الهادي
بقلم: موسى الشديدي
ترجمة: إ.خ.ق
تدقيق لغوي: يزن مخامرة
(تنبیه: قد یحتوي هذا النص على محتوى عنیف غیر ملائم للجمیع)
في البدایة أخبرني أنه كان طفلاً مدللاً، بحكم أنه كان المولود الأول في البیت ولم ینافسه أحد، وبقي الأكثر حباً لیس فقط من عائلته النوویة بل والممتدة أیضاً. “لهلاء خالاتي وتیتا بیحكولي قصص عني وأنا صغیر كنت قضي أكتر وقت معهم عند دار جدي، كنت كتیر مبسوط وكل سنة أو سنتین بیجیبولي بسكلیت جدید بلعب فیه مع ولاد الحارة، وكان عندي لعبة اسمها فلونا”. یجدر الذكر هنا أن راشد لم یكن من هواة مشاهدة أفلام الكرتون على الإطلاق.
العقاب كمحاولة فاشلة في فرض السیطرة
والد راشد كان شرطیاً “بتزكر أبوي لما كان یرجع من الدوام یمسكني ویدرسني، كانت الدراسة صعبة، ما كانت تعجبهم مشیتي وصوتي، حتى أمي كانت تطعمیني سكر فضي وتخلیني أنام بدون مخدة لأن صوتي كان فیه بحة حتى إنهم كان بدهم یشیلولي لوزي” كمحاولات لتنعیم صوته حتى یصبح مناسب لمعایر المجتمع المتوقعة عن صوت الإناث. رفیع وناعم وبلا بحة، وعن البلطجة في المدرسة یخبرنا راشد أن “المعلمة بعد العطلة لما كانت تسألنا شو عملنا خلال العطلة، كانت تسألنا واحدة واحدة، أه فلانة شو عملتي وإنتي یا فلانة شو عملتي ولما یجي دوري بتقلي وأنت أبو الشباب شو عملت؟ وكل الصف بیصیر یضحك علي، كان مزعج، ولما كنا نشاغب بالصف كنت أنا الوحید اللي بتعاقب، بتزكر كنت بوقف عالحیط على رجل وحدة، مرة قعدت حصة كاملة بالحمام علشان ما اتعاقب”.
لكن هذا لم یكن مشكلة راشد الوحیدة فإن كان الهرب من عقابات المدرسة ممكناً فالهرب من عقابات البیت لم یكن كذلك “أبوي كان بضربني عشان آكل وبضربني عشان لبس المدرسة، بیمسك الشنطة ویفردها عالأرض ویفتح دفتر دفتر وكتاب كتاب، إذا سألني سؤال و ما عرفت أجاوب باكل قتلة، بكون قاعد قدامه وفجأة بیجیلي الكف بدون أي سابق إنذار”.
لیش مش زي باقي البنات؟
لم یقتصر أسلوب العنف على ما هو متعلق بالمدرسة والتعلیم فقط، بل تعدى ذلك إلى محاولة ترسیخ الجندر الأنثوي على جسد راشد من قبل والده، “كان عید میلادي وكان أبوي موجود وكل صاحباتي وصاحبات أختي. بعد ما خلص عید المیلاد، بلش یصرخ علي ویسألني لیش في على إیدك ورجلك شعر؟ لیش مش زي باقي البنات؟ وراح جاب ماكینة إزالة الشعر وبإیده قام الشعر وأنا ببكي” یا له من ازدواج أن یستخدم شخص كل هذا العنف والخشونة في العقاب ضد شخص ما بهدف جعل الضحیة أكثر رقة ونعومة!
وككل الأجساد المولودة كأنثى التي تمارس علیها رقابة حازمة تجاه ما یمكن وما لا یمكن أن ترتدي من القصات وأنواع القماش وغیره، قررت عائلة راشد اعتبار القبعات لباس رجولي “كان ممنوع ألبس الكاسكیت (الطاقیة) لأنها ‘للشباب’، بس أنا كنت بلبسها وقبل ما أوصل البیت بشلحها وبحطها بشنطة المدرسة، ویومیاً صار عندي مشاكل، البسي هیك وتلبسیش هیك، وبنتهاوش بالسوق وأمي بتروح بدها تنجلط”.
استجواب المؤسسة النفسیة
“صرت أعرف إنو في بنات بیحبوا بنات، ومرة سمعت بمسلسل خلیجي كلمة بویة فحسیت إنو هالتسمیة بتشبهني، وبعدها تعرفت على مجتمع كتیر كبیر للزبیان (السحاقیات)، وبلشت اسمع كلمة ‘توم بوي’ من هدول إلي عاملات حالهن واو، وكنت بستحي اسأل شو معناها”
ولما وجدت العائلة أن محاولات ترویضه كلها باءت بالفشل، قررت الاستعانة بالمؤسسة الطبیة، “أخدوني لدكتور نسائیة لفحص العذریة، كان إشي مهین جداً، وكمان سألوه إذا عندي عضو ذكري، قال ما عندي، واخدوني على دكتور نفسي قال لازم إدخال عالمستشفى، وبالفعل دخلوني عالمستشفى یلي أنا بعتبره معتقل، كل غرفة فیها عشر أو أربع تخوت، حطوني بغرفة فاضیة فیها أربع تخوت لحالي، أهلي حكولي متحكیش اسمك أو اسم عیلتك لحدا، خوفاً من الفضیحة، كنت تسلایة الممرضات یسألوني أسئلة محرجة، أعطوني مهدئات كتیر خلال النهار، وكانوا بیقعدوني بغرفة كبیرة والأطباء بیسألوني اسئلة وأنا قاعد بعیط مش قادر أتطلع بوجههم. بتحبي البنات؟
شو بتعملي مع البنات؟
كیف بتنامي معهم؟
یعني نحنا الرجال مثلا بندخل القضیب بالفرج، انتي شو بتعملي؟
وأحیاناً بیحكوا بالإنجلیزي مع بعض عشان ما أفهم”.
بعد شهر تم إخراج راشد من المستشفى والتشخیص كان “قلة أخلاق” ورجع إلى بیته “أول فترة قررت إني ألبس لبس “أنثوي” وكنت بطلع مع أمي والشباب یتحرشوا فیي بالشارع وهي كانت مبسوطة بتروح تحكي لخالاتي إنو الشباب بیعاكسوني وصرنا “عائلة سعیدة”! بعدها بفترة قررت أرجع أرفض هاللبس وألبس بالطریقة اللي أنا برتاح فیها، بلشت المراقبة تزید كان ممنوع استخدم تلفون، فكنت بخبي تلفوني بالستیانة، والشاحن بالحمام بالتجویف إللي ورا المغسلة، وبشحن التلفون بالحمام، ومرة أختي فسدت علي لأمي، فشلحتني أمي كل أواعیي عشان تفتشني،كلها”.
استخدام منظومة العدالة الجنائیة
وبعد أن أصبح الوضع لا یحتمل لراشد في بیته قرر الهرب لكن سرعان ما تمكن والده من الإمساك به وربط یدیه ورجلیه ببعضهم البعض “ودخل عصایة خشب بین ایدي ورجلي وعلقني بین كرسیین” كان یتدلى في الهواء وبدأ بضربه مستخدماً حزاماً جلدیاً، “الضرب اللي أكلته یومها خلاني أمسح فكرة إني اطلع من باب الدار نهائیاً، ضربة الزنار بتسمع صوتها قبل ما توصل جسمك، ساعة تقریباً ضرب متواصل، صیاحي وصل للسما”.
لكن راشد حاول الهرب مرة أخرى وهذه المرة نجح بالفعل، نام في حدیقة عامة لمدة 22 یوماً متواصلة في عمان، بین الأشجار بالبرد في النهایة استطاع الحصول على عمل في مقهى، لكن في هذه الأثناء كانت عائلته قد بلغت علیه الجهات الأمنیة وبالفعل تم الإمساك به “بالتحقیق كانوا ثلاث أشخاص، واحد منهم كان بیصرخ علي، ولما طلبت حمایة الأسرة رفضوا، وأخذوني عالنظارة شلحوني كل أواعیي وطلبوا مني أنزل أقرفص وأوقف أكتر من مرة، علشان یتأكدوا إني مش مخبي شي بجسمي” في النهایة جاء أهله لاستلامه.
المؤسسة الدینیة
كمحاولة للسیطرة على جسد راشد فرض والده علیه الحجاب على الرغم من إنه یرید “ابنته” أن تصبح أكثر “أنثویة” وأن تطول شعرها وتفرده كمظهر لتلك الأنوثة ویمنعها من ارتداء “الكاسكیت”، إلا أنه وفي الوقت ذاته یحاول تغطیة ملامح الأنوثة تلك بالحجاب! “كنت أمثل، بس أرجع عالبیت ألبس الحجاب عالباب، ومرة دخل علي وأنا نایم بیصیح علي: وین حجابك؟ وبیخبط علي وبیقلي: ما أشوفك شالحة الحجاب إلا بحالة وحدة إنو بدك تتحممي، غاب نص ساعة كنت بالتخت ولابس حجابي، بعدها رجع یضربني ثلاث-أربع ساعات، أنفي كان بنزف دم وصرت استفرغ من كتر الضرب عحالي” . في الحدیث مع راشد أثناء هذا العقاب تم استخدام خطاب دیني متمثل بأحادیث كتلك التي تذكر “اهتزاز عرش الرحمن” والذي لا أساس له من الصحة في الدین الإسلامي بحسب مشایخ الإسلام.
الانتصار
والدة راشد ذهبت مرة أخرى إلى طبیب نفسي لیخبرها بأن الوضع لن یتغیر ولا حل غیر التقبل وأن أبنتها تشعر بأنها رجل بسبب إن “البصمة على الخطوط الجندریة في عقله بصمة رجل، وقال لها إنو الحالة اسمها اضطراب الهویة الجنسیة، إمي رجعت حكت للعیلة هذا الكلام، بلشت المعاملة تتغیر” (راشد لم یكن یعرف بهذه الزیارة حتى وقت لاحق) مع الأیام بدأ الاستسلام یتغلب علیهم، وبدأت العائلة تفقد الأمل في السیطرة على جسد راشد وبدأت المحاولات في فرض مشیة وتصرفات أكثر أنثویة تقل شیئاً فشیئاً لكنها لم تتوقف “وأنا بهاد الوقت عرفت شو یعني ترانس، وعرفت إني بقدر أخذ هرمونات وصرت أسأل حالي هل أنا عن جد بحس هیك أو لا؟” بعد فترة من الاكتئاب قرر راشد المواجهة مرة أخرى “رحت على دكتور وحكیتله عن كل یوم لما بصحى واتطلع على شعر أیدي طول وله لسا، وعن رغبتي إنو یكون عندي لحیة وشوارب، الدكتور حكالي إن الحل هو الهرمونات والتحول، بعد ما طلعت من عند الدكتور خبرت كل العیلة إني بدي أبلش أخذ هرمونات، في منهم اللي اعترض وفي اللي ما اعترض وفي اللي وافق بس كان خایف علي، أبوي ما اعترض بس كان دایماً على أمل إني أرجع زي ما كنت، وأمي كانت بتدعمني على كل خیار باخدو، وتیتا حكتلي المهم تكون مبسوط ومرتاح ونحنا بنحكبك كیف ما كنت”.
العبور
من ثم قرر راشد أن یتخلص من ثدییه، “أول ما وصلت عالمستشفى استقبلني ممرض وسألني عن شو بدي أعمل؟ قلتله جاي اشیل صدري، كل الناس صفنت وكان في ممرضة مش عاجبها، كنت حكیت مع دكتور قبل وحكالي إنه ما بقدر، قلتله أنا لو وحدة بدي انفخ بزازي ما بتقدر تقلي لأ، عملیة تجمیل، بدل ما أنفخ أنا بدي أشیلهم”. وبالفعل كان له هذ ا “یوم العملیة كانت العیلة كلها معي، وكنت متحمس لها كتیر، ولما صحیت من العملیة لقیتهم كلهم عندي، بالمستشفى كانوا كتیر لطیفین معي، الآن كتیر مرتاح كنت مغصوب على جسم مش الي، بلبس أي شيء وأنا مرتاح، مش مضطر ألبس مشد كان بیقید حركتي وبالصیف الشوب قاتل، وحالیاً أنا كتیر مبسوط” .
الفرق بین تجربة الأنثى والذكر
یخبرنا راشد بأن الفرق هو كالفرق بین السماء والأرض، “كل شي بیفرق، حتى النفس إلي بتتنفسه البنت مش نفس النفس إلي بیتنفسه الشب، الشب بیقدر یقول رأیه بس البنت حتى لو كانت أكبر وحدة بالبیت رأیها مش مهم، والأصغر منها بقدر یتحكم فیها، أنا كنت الأكبر بالبیت بس اخواني الأصغر مني كان إلهم الحق یتحكموا فیي ولما الآن صرت راشد الزلمة صار إلي الحق أنزل خبیط عأكبر واحد فیهم، لما كنت بنت كان ممنوع أطل من الشباك، لما یكون عندنا ضیف رجل ستي بتقول لأختي عیب ما تجادلیه بس أنا ما حدا بیقلي عیب ما تجادله هلاء، أنا عشت حیاة شخصین وهي تجربة جداً رائعة حتى لو كانت صعبة”.