Article in English
بقلم الدكتورة نوف ناصر الدين والدكتورة نور أبو عصب
العمل الفني المرفق من أعمال الفنان أحمد مرسي
ترجمة: إ.خ.ق
حين طُلب منا ولأول مرة أن نكتب لصالح مجلة ماي كالي، ترددنا بسبب شعورنا بعدم ارتياح اتجاه فكرة أننا كمؤلفات لربما سيتم اعتبارنا وكأننا صوت تمثيلي سلطوي. ولكننا وفي نفس الوقت، شعرنا بحاجة لكشف خرافة التمثيل من منظورٍ كويري نسوي تقاطعي – وهو المنظور الذي نتبناه في حياتنا وعملنا. ومن خلال خبراتنا المهنية والشخصية، أصبحنا ندرك أنه وللأسف نادراً ما تلتقي النسوية مع الكويرية كوجهات نظرٍ أو مواقف سياسيةٍ. فغالبية النشاط الكويري على أرض الواقع يتمحور حول تصنيفات الهوية في مجتمع الميم، والتي هي في الأساس تُعارض هدف الكويرية، والتي تُعنى حقيقةً بتعكير وتشويش تلك الهويات بدلاً من ترسيخها. عدا عن أن النسوية لطالما رُبطت وحُصرت بحقوق النساء، بدلاً من أن تكون نضالاً ضد التقسيمات الاجتماعية الذكورية التي لا تضطهد النساء فحسب بل جميع الأصوات الكويرية وأصوات الأشخاص غير المعياريين/ات. إذاً فمنظورنا متعدد الجوانب فنحن لا نؤمن بتعميم التجارب والخبرات، بل نؤمن أن الناس يواجهون/ن اضطهادات عديدة وبأنه لا يمكن لتجربةٍ واحدةٍ أن تكون ممثلة عن الأخريات. وتلعب الكثير من العوامل المختلفة دوراً في تشكيل تجاربنا، ولا يمكننا حصرُ هذه العوامل بالنوع الاجتماعي و/أو الجنسانية؛ بل إن عوامل أخرى تلعب دوراً مهماً أيضاً في صقل تجاربنا وخبراتنا، مثل العرق والجنسية، والسن، والقابلية الجسدية والعقلية، والدين، والطبقة الاجتماعية بالإضافة إلى أمورٍ أخرى. وبأخذ كل هذا بالحسبان، فإننا لا ندعي بأننا نمثل جميع الأصوات المتعددة الجوانب اللامعيارية والنسوية، بل إننا نمثل أصواتنا نحن كأكاديميات لامعياريات ونسويات من فلسطين المحتلة، مؤمنات بأهمية البحث في التجارب الذاتية لفهم الحقائق والواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. إن هذا المدخل الكويري النسوي التقاطعي هو مدخلٌ يؤكدُ على أهمية الذاتية الممثلة بالتجارب اليومية للناس، كمصدر للمعرفة، وبالتالي يرفض مفاهيم التمثيل القائمة على أساس تعميم، وتصنيف التجارب.
وفي المنصات التي تتبع التيار السائد، وبما فيها الإعلام المرئي وعبر الإنترنت، والأكاديميا والأدب، نتحدث عادةً عن التمثيل في سياق حديثنا عن المجموعات المهمشة، أو من يندرُ تواجدهم/ن في الثقافة السائدة والمسيطرة. فلقلما نفكر بتمثيل الأغلبية. ففي الشتات نفكر بتمثيل المهاجرين/ات والأشخاص الملونين/ات. وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نفكر بتمثيل النساء، أو حتى أننا بدأنا مؤخرا بالنظر إلى تمثيل الأشخاص اللامعياريين/ات، أو ممن يعرفون/ن عن أنفسهم/ن كأفراد منتمين/ات لمجتمع الميم. وفي هذه الأيام، يُصورُ التمثيل على أنه الهدف النهائي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والاندماج والتنوع والتعددية الثقافية..إلخ. إلا أن هذا النوع من التمثيل، وفي كثير من الأحيان، ما هو إلا رمزية تهدف إلى تبييض المنظومات القمعية التي تشكل السبب الفعلي لانعدام المساواة. بعبارة أخرى، فإن هذه الرمزية في الثقافة السائدة والأكثر شعبية أو شيوعاً هي ظاهرة تتسم باختيار عدد محدود من الأشخاص المنتمين/ات لمجموعة اجتماعية محددة مهمشة وغير ممثلة في وظائف معينة أو في إعلانات، أو في مناصب سياسية، أو في بعض المؤتمرات الأكاديمية، من أجل إعطاء انطباع مزيف بوجود شمولية وتنوع، وللتغطية على التمييز المؤسساتي. وبذلك، بدلاً من مناقشة اللا مساواة، تُحيي الحكومات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الأكاديمية نفسها على توفير تلك المنابر والفضاءات المزعومة للأشخاص المهمشين/ات. إن قضية التمثيل الرئيسة أصبحت تخفي أسس اللامساواة مثل الطبقية، والعنصرية، والأبوية والتي هي سبب في عدم التمثيل والتهميش في المقام الأول.
في كثير من الأحيان نجد أن تلك الرموز القليلة المختارة هي بالحقيقة أشخاص ينتمون لمجموعاتٍ مهمشة ولكن يتم اختيارهم/ن لأنهم/ن متوافقين/ات مع الثقافات السائدة والمسيطرة، سواءً أكان ذلك بقصد أم بغير قصد. كما أن الرموز هم أشخاص لديهم/ن إمكانية الوصول لرأس المال الثقافي وإمكانية المناورة داخل النظام بدلاً من العمل ضده و/أو تحديه. بالنسبة لحقوق وقضايا الأشخاص المعرفين/ات عن أنفسهم/ن كأفرادٍ من مجتمع الميم، فقد أكد الأكاديمي الفلسطيني، جوزيف مسعد، ظهور هوية عالمية ومعولمة للمثليين، تعرف بالمثلي العالمي. وقد وضح مسعد أن هذه الهوية العالمية المعولمة ما هي إلا جزء لا يتجزأ من الاستعمارية أو الامبريالية الثقافية التي فرضت من الغرب على الشرق، وهي ترسخ قطبية أو ثنائية المعايرية في مقابل المثلية. هذا النظام القطبي أو الثنائي والذي يعنيه مسعد بحديثه يجعل الهوية الجنسية وكأنها أساس حياة أفراد مجتمع الميم، وبذلك يمحو هذا النظام الهويات المتعددة التي ينتمي لها الناس فعليا. بالإضافة إلى ذلك فإن تصنيف الهويات هذا يصبح الطريق الوحيد للحصول على الحقوق الجنسية، والجندرية والجسدية، مقللاً من شأن النضال وكأنه نضال حول جنسانيات غير مُسيسة. وبدوره يقلل هذا التصنيف من شأن ما قادتنا إليه المخيلة الاستعمارية الاستشراقية التي استخدمت صوراً حول المُستعمَر وكأنه “شخص همجي ومنحرف جنسياً”، من أجل تبرير غاياتهم الاستعمارية. و كإضافة على نظرية مسعد، فإننا نعتقد أن هوية المثلي العالمية هذه قد أصبحت الصوت الذي يسمح له/ا “الغرب” بالتمثيل ضمن ثقافته السائدة والأكثر شعبية – أي الرمز.
مُنعت فرقة مشروع ليلى الموسيقية من دخول الأردن وإحياء حفلٍ موسيقي. حينها، بدأت وسائل الإعلام العالمية بالادّعاء أن الفرقة مُنعت بسبب دعمها الصريح لحقوق المثليين. وعلى الرغم من أن هذا ليس صحيحاً وهو بعيدٌ كل البعد عن السبب الحقيقي لمنعهم،…
وأما في سياق الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، فقد صور المستعمرون قبل الاستعمار، “الشرق” كأنه “همجي ومنحرف جنسياً”، وأنه _أي الشرق_ بحاجة للنظام والسيطرة على الأجساد والجنسانيات. تحولت هذه الصورة عبر الأحداث التاريخية. فلقد أصبح “الشرق” الآن، وتحديداً الرجل المغاير جنسياً يُصورُ أنه هو من يتحكم بأجساد وبجنسانيات النساء والرجال المثليين على وجه الخصوص. إن تصوير النساء والرجال المثليين كضحايا لا يمتلكون/ن الولاية و بحاجة للإنقاذ والتحرير من الرجل المغاير جنسياَ، هي حقيقة صورة تقتصر على بعض النساء وبعض الرجال المثليين من هذه المنطقة. ولذلك، فإن تلك النسوة وهؤلاء الرجال المثليين المستخدمين كرمز، غالباً ما يستخدمون/ن من أجل ترسيخ تلك الصورة الاستعمارية عن الشرق، وبالتالي يساهم هذا النوع من التمثيل في خضوع أكبر وتحكم بالعالم المُستعمَر، وهو أمر قد حذرت منه الأكاديمية سبيفاك قبل عقود. والرمز بالنسبة لهم يجب أن يتناسب ضمن تصنيف محدد حتى يتم تمثيله ضمن الثقافة الغربية السائدة.
من خلال البحث والتجارب والخبرة والملاحظات، لاحظنا أن الأشخاص الذين يُقدمون/ن على أنهم/ن ممثلين/ات للمجموعات المهمشة، هم/ن عادةً ما يعتبرون/ن أولاً قريبون/ات من قلوب الجمهور السائد والأغلبية، وثانياً تنطبق عليهم/ن الصورة النمطية للضحية. إن غالبية الأشخاص المُمَثّلين/ات من قبل الغرب هم في الحقيقة ملائمون/ات جدأ للثقافة الغربية السائدة. فعلى سبيل المثال، هم أشخاص غالباً ما يشتركون/ن بقصد أو بغير قصد في السرد القائل بأن التوجه الجنسي هو هوية غير مسيسة، أو هم/ن الأشخاص اللذين/اللواتي بإمكانهم/ن تعريف أنفسهم/ن من خلال هويات مجتمع الميم الغربية. بالطبع، أن يعرف شخص ما عن نفسه/ا بواحدة من مسميات مجتمع الميم هو بحد ذاته رفاهية تتوافر فقط لمن لهم/ن إمكانية الوصول لرأس المال الثقافي وللمصطلحات المقبولة عالمياً، ولا تتوافر تلك الرفاهية بالضرورة للفئات المهمشة التي لا يمكنها الوصول إلى تلك الثقافة. وبحسب ما صرحت به مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أفراد مجتمع الميم، على سبيل المثال، يُعتبرون مجموعة مهمشة بحاجة للحماية. إلا أن هذه الحماية لا تتوافر إلا لمن ت/يستطيع أن ت/يُظهر مثليته/ا إما من خلال المظهر أو من خلال استخدام مصطلحات غربية. إحدى الحالات التي صادفناها كانت للاجئَين سوريَين يطلبان الحماية من مفوضية شؤون اللاجئين وذلك بسبب وقوعهما في علاقة غرامية. كِلا هذان اللاجئان قدما من مناطق ريفية ولم يكن لديهما أدنى معرفة عن كيفية وصف حالتهما باستخدام المصطلحات الغربية السائدة، وبسبب عدم تعريفهما عن أنفسهما كمثليين، لم يحصلا على الحماية لأسباب إنسانية، وذلك لأنهما لم يستطيعا التعريف عم نفسيهما بطريقة مماثلة للمثلي العالمي.
قبل سنتين، مُنعت فرقة مشروع ليلى الموسيقية من دخول الأردن وإحياء حفلٍ موسيقي. حينها، بدأت وسائل الإعلام العالمية بالادّعاء أن الفرقة مُنعت بسبب دعمها الصريح لحقوق المثليين. وعلى الرغم من أن هذا ليس صحيحاً وهو بعيدٌ كل البعد عن السبب الحقيقي لمنعهم، إلا أن تلك الحادثة جعلت من الفرقة في الثقافة الغربية السائدة صوتاً يمثل المثليين العرب في الخارج، بالإضافة إلى جعلها تكتسب شعبية أكبر في أوساط الكويريين/ات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من أن الفرقة نفسها ترفض أن تُعتبرَ ممثلة عن الكويريين/ات. فالقبلة بين مِثليَين في حفلة الفرقة في تونس، ورفع علم قوس قزح في حفلتهم في مصر، أصبحت علامات سطحية للنصر. فجمهور تلك الفرقة معظمهم من الذكور من الطبقة المتوسطة، يخدمون أجندة المثلي العالمي، وهي أجندة لا تمثل التنوع الواسع للأشخاص اللامعياريين/ات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن ما يزعج حقا في هذا الأمر أن تلك العلامات السطحية للنصر مثل القُبلة المثلية ورفع العلم، هي الآن في مركز الاهتمام العالمي، وهي تُستخدم لتبييض أعمال وحشية أخرى تُرتكب ضد الأشخاص اللامعياريين/ات في الدول الناطقة باللغة العربية. فبعد يوم واحد من حدوث تلك القُبلة المشهورة في تونس خلال حفلة فرقة مشروع ليلى، تعرضت مجموعة من عشرين شخص لامعياري/ة للعنف وطُردوا من نادٍ في مدينة سوسة التونسية. بالكاد تحدثت وسائل الإعلام العالمية عن تلك الحادثة.
أضف إلى ذلك، أن الإعلام الغربي عادةً ما يُشهر ويٌصدر تقارير حول المبادرات التي يقودها مثليون ذكور من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أكثر من تلك المبادرات التي تقودها نساء أو عابرون/ات جنسياً. فمثلاً، لم يُذكر مهرجان الكوز وهو أولُ مهرجانٍ للفيلم الكويري في المنطقة والذي نظمته نساء من فلسطين عام 2015 في وسائل الإعلام الغربية الأكثر انتشاراً. لقد أُعطي الاهتمام لمبادراتٍ نُظمت من قبل الذكور حدثت بعد مهرجان الكوز. فمهرجان الكوز للفيلم الكويري مثلاً، يتحدى الاحتلال، والغسيل الوردي، والاستعمار، وأنظمة الاستبداد الأخرى. فمنهج مهرجان كوز وهو منهج كويري نسوي تقاطعي لا يستميلُ الثقافة الغربية السائدة، كما أنه منهجٌ لا يقع في مصيدة سرد الضحية القائم على أساس أن الميول الجنسية و/أو الهوية النوعية الاجتماعية غير مُسيسة. المبادرات التي تطلقها النساء في المنطقة عادةً ما تكون تقاطعية أكثر من غيرها من المبادرات، ولكنها في نفس الوقت تحصل على دعمٍ ماديٍ أقل. وعلى الرغم من أن تجارب النساء والرجال والتحديات التي تواجهها النساء ويواجهها الرجال في حياتهم/ن اليومية هي ليست فقط نتاجا لهوية واحدة، أو أنها فقط نتيجة لميولهم/ن الجنسية. مع ذلك، وإعادةً لإنتاج المنظومات القمعية في “الغرب”، نرى أن المداخل المُبسّطة للنوع الاجتماعي والجنسانية أكثر حظاً في تلقي الدعم المادي ومكاناً في منصات الإعلام الغربي. ولهذا السبب، عادةً ما تُهمشُ تجارب النساء الكويريات في هذه المنطقة، فهُنّ لا ينتمين لتلك التصنيفات المُبسّطة في مجتمع الميم.
ما يحدث في منطقتنا يطابق مظاهرات ستونوال، والتي قادتها ونظمتها نساءٌ ملوناتٌ وعابراتٌ جنسياً، واللاتي مع الوقت وقف إلى جانبهن نظرائهن من الرجال المثليين. لا يمكن اعتبار هذا التطابق إلا أنه استعمار ثقافي. فمبادرات النساء العديدة، والتي تُحدث فرقا على أرض الواقع وتغير وجه النوع الاجتماعي والحقوق الجنسية والجسدية في المنطقة، يُعتّمُ عليها من قبل مبادرات الرجال والتي تستخدم فعلياً السرد الغربي لتلك الحقوق، ولا تتحدث بالضرورة اللغات المحلية. نحن لا نقلل أبداً من شأن تجارب أولائك الذين/اللواتي يعرفون/ن عن أنفسهم/ن من خلال تلك التصنيفات، ويعرفون/ن عن أنفسهم/ن كأشخاص مثليين/ات من مجتمع الميم ولكننا نُمَشكِل الطريقة التي يُستخدم بها هؤلاء الأشخاص لخدمة أجندة المستعمرين الثقافيين. وهذا لا يعني أنه لا تُستغلُ بعض النساء الكويريات بطريقة مماثلة. عادةً ما نرى أن النساء المصنفات ضمن مجتمع الميم واللاتي يُعطين منصات رئيسة هُنّ من يتبنّينَ رواية الضحية أو منخرطات جداً في سرد تصنيف الهويات – كِلا النوعين مألوف أو قريب من قلوب الثقافة السائدة.
هذا النوع من التمثيل الذي أعطي مساحة ومنبراً من قبل الغرب لم يخلق فقط صورة مألوفة للعقل والخيال الغربي، بل خلق أيضا ردة فعل عنيفة في المجتمعات المحلية في البلد الأم. وللأسف فلقد أصبحت هذه الرموز تؤخذ داخل مجتمعاتنا على أنها “غريبة وخائنة وغير وطنية”، مما أدى إلى زيادة التمييز ضد الأشخاص اللامعياريين/ات في أوطانهم/ن. ففي حالات كثيرة، نرى بأن للمجتمعات المعيارية بشكل عام رد فعل على الرموز المرتبطة بالغرب، لذلك فإن الارتباط مع رموز مثل علم قوس قزح أو تصنيفات مجتمع الميم لا تخدم فعلياً حقوق اللامعياريين/ات، بل ما يحدث هو العكس تماماً. إن التركيز على حقوق المثليين في الغرب، بالإضافة إلى تلك الأساليب التدخلية بالنيابة عن الحكومات في الدول الغربية لإنقاذ مثليي الشرق قد تسبب وبلا أدنى شك ردات فعلٍ لدى من يقاومون/ن هذا الشكل من الاستعمار الثقافي في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يدفع الاستعمار الثقافي هذا باتجاه إنشاء مفهوم “الآخر” والذي بدوره يدفع الأشخاص المعياريين/ات في البلدان الناطقة باللغة العربية إلى إرساء أو تعيين الحدود لمجموعتهم/ن، ويزيد من التمييز ضد اللامعيارية في المجتمع الأوسع وذلك لأن المثلية الجنسية وأساليب الحياة المثلية أصبحت تُفهم على أنها غربية ومرتبطة بالاستعمار.
بالإضافة إلى هذا الأثر على المجتمع المعياري الأوسع، فإن خطاب الضحية يستخدم أيضاً من قبل الغرب لإضفاء الشرعية على تدخلاتهم، والاحتلال، والاستعمار. وكمثال على ذلك استغلال الاحتلال الصهيوني لحقوق المثليين من الغسل الوردي لأعمالهم الوحشية التي يرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني. وتصوير إسرائيل نفسها على أنها متقدمة في مجال حقوق المثليين وبأنها المُنقذ للمثليين، ليس فقط في فلسطين المحتلة بل بالمنطقة بأكملها، على الرغم من بعده عن الحقيقة، يدفع الأشخاص المعياريين/ات في المنطقة باتجاه ردة فعل تُهمش اللامعياريين/ات أكثر كونهم/ن أصبحوا مرتبطين/ات بالكيان الصهيوني. لذلك، تكافح إسرائيل ل”إعطاء منصة” تُمثل الكويريين/ات الفلسطينيين/ات لكَي تُبيض أو تُخفي جرائمها ضد المنطقة. في تلك الحالات، يُصبح التمثيل مُضراً ليس فقط لأنه يخلق رد فعل عنيف لدى المجتمع المحلي، ولكن أيضاً لأنه يُبرر الاحتلال والغزوات الاستعمارية.
قصدنا من هذا المقال أن نبدأ حواراً حول التمثيل ومضامينهُ وعواقبهُ وماذا يعكس على أرض الواقع. نحن نفعل هذا في محاولة منا لتسليط الضوء على أهمية إثارة التساؤلات حول موقف الفرد منا في إطار أي منصة. فنحن لا نعيش في فراغ. فأفعالنا وردود أفعالنا، كلماتنا ومواقفنا، جميعها تتواجد ضمن هياكل ومؤسسات أكبر. وحين نُعطى المنصة يتوجب علينا أن نسأل أنفسنا: ما هو الهدف الذي يخدمه حضورنا في هذه المنصة؟ وإلى أي مدىً نحن نقدم الفائدة للناس وللقضايا التي نهتم بها؟ وكيف نستطيع الاستفادة من منابرنا لندافع عن الحقوق دون تهميش الآخرين/ات؟ وكيف نستطيع أن نستخدم أصواتنا دون التعتيم على الأصوات الأخرى؟ والأهم من ذلك هو كيف نستطيع تجنب استغلالنا كرموز؟
د. نور أبو عصب هي المؤسسة الشريكة والمديرة الشريكة لمركز التنمية والتعاون عبر الأوطان (CTDC). نور هي عالمة اجتماع فلسطينية نسوية كويريّة، حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع سنة 2012 من جامعة وارويك. لدى نور عدد من المنشورات حول الهويات والجنسانيّات والهجرة وما بعد الاستعمار ومناهج البحث غير الاستعماريّة ولديها كتاب قادم سيصدره I.B. Tauris تحت عنوان الأقليات العرقية والقومية في الشرق الأوسط: أكراد سوريا وشركس الأردن.