Article in English
ولدت مجلة ماي كالي من رحم حاجة ملحة للتعبير عن المثليين ومطالبهم بأن يتم الاعتراف بهم كسائر البشر. وفي مسيرتها الرامية إلى توفير مساحة للمثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية و مغايري الهوية الجنسانية و كويريين و كويريات في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، واجهت المجلة جميع أنواع العقبات، التي لا يزال الكثير منها بالمرصاد حتى يومنا هذا. وخلال هذه الفترة، نحتفل في مجلة ماي كالي بذكرى مرور عشر سنوات على صمودنا في مواجهة جهود لا تحصى من أجل نزع الشرعية عن أصواتنا و إسكاتها. هذه هي قصة خالد عبد الهادي، مؤسس مجلة ماي كالي. ، حينما اختارته وسائل الإعلام الأردنية بهدف كشف مثليته الجنسية في المجتمع الأردني وتقديمه كنموذج فردي خارج عن إطار المجتمع. هذه هي قصة رفض خالد السماح لهم بدفعه مرة أخرى إلى الخزانة و كيف سعى خلف رؤيته بأن يخرج هذه المجلة إلى النور.
بقلم خالد عبد الهادي
تصوير: أليسا زايرا ريزنيك
المحرر: سلمان حسين
ترجمة: إ.خ.ق
قبل حوالي عشر سنوات تقريبا، وذلك في أواخر عام 2007، كانت المرة الأولى التي تنشر فيها وسائل الإعلام الأردنية خبرا متعلقا بمجتمع المثليين. وبدلا من أن تكون تلك اللحظة تاريخية في تاريخ الإعلام الأردني كانت لحظة صادمة في حياتي الشخصية. في ذلك الوقت، كانت ماي كالي قد بدأت للتو، وكانت رؤيتي في ذلك الحين وهي إنشاء منشور يوفر لمجتمع الميم مساحة للتعبير عن واقعهم لا زالت في مراحلها المبكرة. وبدأت المشكلة عندما حصلت وسائل الإعلام على نسخة من غلاف الطبعة الأولى للمجلة، والتي لم يكن من المقرر نشرها. وبدافع من التعصب والتضليل، نشر في ذلك الحين مقال صحفي أردني بهدف تشويه سمعة المجلة والقضية التي تدافع عنها، بالإضافة إلى كشف هويتي الجنسانية أنا شخصيا أمام المجتمع الأردني وذلك بسبب دوري كمؤسس للمجلة. وقد كان كشف هويتي الجنسانية بهذا الأسلوب وفي مجتمع محافظ لا توجد فيه أي مساحة لمناقشة المثلية الجنسية والقضايا المتعلقة بها أو حتى ذكرها عرضا، أمرا مربكا و مزعجا للغاية.
وفي بدايتها، خلال شهري أيلول / سبتمبر وتشرين الأول / أكتوبر من عام 2007، كانت ماي كالي مجرد مدونة لم يتم إطلاقها بالكامل ولم تكن هناك نية لنشر الطبعة الأولى. حينها أردت نشر صورة الغلاف في الصورة المرفقة وفي الوقت المعروض على موقعنا، من أجل الترويج لحدث (ليس مؤتمر كما نشر في الإعلام) كنا نخطط له. اخترت أن يتم تصويري لصورة الغلاف لأنني أردت أن أشارك قصتي الشخصية مع المجتمع وفقا لشروطي أنا. ولكن أحدهم نبه الإعلام الأردني إلى الصورة والمدونة، مما أدى بهم إلى اختراع قصة مختلفة تماما.
حيث لجأ أفراد من الوسط الإعلامي إلى تهويل قصتي الشخصية من خلال تلفيق قصص وأخبار كاذبة هدفها شيطنة جميع المثليين جنسيا ونزع الصفة الإنسانية عنهم. فمثلا ادعت الصحيفة التي نشرت أول مقال للتشهير بي أنهم اكتشفوا خطة وضعناها على مدونتنا نوضح بها أننا سنعقد مؤتمرا سريا لمجتمع الميم و سننشئ مجلة تعنى بالمثليين كذلك. بالطبع، هذه الادعاءات كانت خاطئة تماما.
وبينما كانت عملية الكشف عن مثل هذه الخطة المزعومة تهدف إلى الترويج بأن هناك أجندة خفية لدى مجتمع الميم، اغتنمت تلك الصحيفة الفرصة في ذلك الحين لإذلال مجتمع الميم وتحقيرهم، وذلك من خلال إجراء مقابلة مع رجل يدعي أنه مثلي الجنس من أجل المقال، مشيرا إلى أن أسلوب حياته كان منحرفا وشاذا، وأنه كان يرغب بأن يخضع للعلاج. وصورت المقال مدونتنا كمؤامرة ضد المجتمع الأردني، مما يجعل الأمر يبدو وكأننا أردنا أن نستغل انشغال الأردنيين بالانتخابات الحكومية ونعقد مؤتمر غير أخلاقي. كما أنهم قدموا أنفسهم بصورة منقذ الثقافة والتقاليد الأردنية من خلال “الكشف” عن أجندتنا المزعومة.
وجاءت هذه الأحداث المدمرة في وقت كنت فيه أواجه العديد من المشاكل الشخصية مع عائلتي كتقبل هويتي الجنسية، وتلبية رغبة والدي بمراجعة أطباء نفسيين على أمل علاج مثليتي الجنسية، وفشلي بالمدرسة. وفي ذلك الوقت العصيب من حياتي فإن آخر ما كنت بحاجة له هو مقال\ت مثل تلك، تكشف عن هويتي الجنسية لمجتمع محافظ عموما مسببة إذلالا لعائلتي.
في ذلك الوقت، كانت الأخبار الوحيدة التي تنشر عن مجتمع الميم في المنطقة تتحدث جميعها عن الاضطهاد والتعذيب والإساءة التي يتعرض لها مجتمع الميم في منطقتنا، مثل الميليشيات التي تقتل الأشخاص المثليين في العراق، وشنق المثليين أمام العامة في إيران، والتصيد للأفراد في مصر من خلال الإنترنت، والاعتقالات العشوائية في السعودية وسوريا، وغيرها من الأحداث المظلمة. عندما رأيت صورتي نصف عار في الصحف الأردنية، على مرأى من مئات الآلاف من القراء في جميع أنحاء البلاد، تبادرت هذه القصص بسرعة إلى مخيلتي: قصص قمع المثليين في جميع أنحاء المنطقة. واعتقدت أن هناك احتمالا حقيقيا بأن يلقي القبض علي أو أن أقتل في بلدي.
في عام 2007، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد وصلت بعد إلى مستوى النفوذ والشعبية التي تمتعت بها لاحقا في الأردن. ولكن حتى قبل عشر سنوات، تعرضت للتنمر على الانترنت من خلال وصول تعليقات من أناس يريدون رؤيتي ميتا أو موقوفا. لقد كان امرا مروعا قراءة مثل تلك التعليقات، فلقد أثرت بي بشكل بالغ. ولم أكن أعرف حينها كيف أبدأ بمعالجة مسألة تلك التعليقات أو أين يمكن التماس المساعدة، خاصة أن لا أحد يرغب بأن يثير انتباه من ذلك النوع في أي مرحلة عمرية وفي أي بلد وأي وقت.
بعد فترة وجيزة من تلك الأحداث، تغيرت حياتي وبدأت أؤيد علنا الاعتراف بتنوع الهويات الجنسية و الميول الجنسية – وهو أمر ما زال الكثير من الناس في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا يواجهون صعوبة في القيام به. في الحقيقة، بعد أن كان هذا الأمر مسألة خاصة للغاية، أصبح الآن نقطة مركزية في حياتي وموضوع يناقش علنا.
في عام 2016، حاولت هيئة الإعلام الأردني محاولة غير مجدية للتدخل نيابة عنا بعد أن زعمت عدة وكالات إخبارية أننا حصلنا على ترخيص وتسجيل رسمي في الأردن. وبعد تحريض وسائل الإعلام الحكومية حيال موضوع تسجيل المجلة وطبعها وترخيصها، أصدرت اللجنة بيانا في يوليو / تموز من عام 2016، موضحة أن ذلك عار عن الصحة، ودعا مديرها العام الدكتور أمجد القاضي وسائل الإعلام أن تكون دقيقة في نقل الخبر وأن تأخذ الصالح العام بعين الاعتبار بدلا من نشر أخبار كاذبة. وحث الصحفيين على الاتصال بالسلطات المختصة للحصول على أي أخبار تسعى إلى نشرها أو للتحقق من صحة أي خبر. وعلى الرغم من جهوده المبكرة لحماية حقوقنا، فقد تعرض لضغط من وسائل الإعلام والعامة، وشرع في فرض رقابة على المجلة.
ومن العار أنه وبعد عشر سنوات، لا يزال نفس النوع من وسائل الإعلام في الأردن يمارس نفس الصنف من الصحافة المعتمدة على الإثارة مثل التي قاموا بها آنذاك: كاستخدام عناوين مستفزة، ومصطلحات غير صحيحة، والرجوع لمصادر غير معروفة وغير موثوقة وغير قابلة للتتبع، وتتبع للفضائح ونشرها، بالإضافة إلى نشر تعميمات حول مجتمع الميم والترويج لشتى أنواع الوصمة، وتشويه الحقائق واختراع الأكاذيب.
ما يثير القلق هنا هو أن الصحافة التحريضية والممارسات الضارة لا تزال موجودة، وأن عموم الناس متساهلين معها، أو أن وسائل الإعلام هذه مرخصة على الرغم من أنها تتغذى على فضح الآخرين وجلب العار لهم وتحريض الناس على الأقليات. بعد عشر سنوات من الاستغلال والإذلال والتعامل اللاإنساني من قبل وسائل الإعلام الأردنية، يمكنني أن أقول شخصيا أن وسائل الإعلام قد لعبت دورا رئيسيا في تجريد مجتمع الميم من إنسانيته من خلال تغطية مضللة لمجتمع الميم، مما تسبب في جهل المجتمع الأردني تجاه مجتمع الميم و بالصعوبات التي نواجهها. إن وضع مثل تلك المعلومات غير الدقيقة والتعصب المتضمن في تلك التقارير يجعل هذا المجتمع في خطر حقيقي، الأمر الذي تسبب في تعرض العديد من أفراد الفئات المهمشة للأذى الجسدي والنفسي، تماما مثل الدور المروع الذي لعبته وسائل الإعلام في مصر مؤخرا بشنها حملة شعواء ضد مجتمع الميم المصري. وقد خلقت وسائل الإعلام بيئة معادية بحيث جعلت الخروج من الخزانة والإعلان عن الهوية الجنسية المثلية او تقبل الذات وما إلى ذلك أكثر صعوبة مما هو عليه بالفعل في الشرق الأوسط.
لم يكن السعي وراء تحقيق رؤية إنشاء مجلة ماي كالي يوما بدون ثمن. لقد تعرضت للابتزاز من قبل أولئك الذين بدأت هذه المنصة الإعلامية معهم في البداية، وخاصة في ضوء الجدل والخوف، مطالبين أن أغلق الموقع الإلكتروني. أما بالنسبة لوالدي فقد تلقيا مكالمات بهدف كشف هويتي الجنسية أمامهم، ونبهوهما إلى منشوراتي، الأمر الذي كان من الصعب جدا عليهما التعامل معه. لم أكن في مكان مناسب، وكان لذلك آثار كبيرة على حياتي الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، بعض من كنت أعرف في الماضي لم يعودوا يرغبون أن تكون لهم أية علاقة معي، وتردد آخرون بتكوين صداقات معي.
لسنوات، حاولت وسائل الإعلام الأردنية بلا كلل تشويه سمعتي كفرد وسمعة ماي كالي كمنصة إعلامية، ساعية إلى الدفع بأجندة أكبر وهي تجريد فئة مجتمعية كاملة من إنسانيتها، ألا وهي مجتمع الميم. وكونهم على استعداد للتضحية بفرد من أفراد مجتمعهم من أجل القيام بذلك (وهو تشويه صورة المثليين) يظهر الكثير عن المدى الذي يمكن لمثل هذه الوسائل الوصول له لتحقيق أجندة الكراهية خاصتهم. ولا زال يتوجب على وسائل الإعلام تلك أن تأسف وتتراجع عن أفعالها المستمرة وتصحيح أخطائها.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تبقى ماي كالي منصة ملتزمة بإثراء مجتمعنا، وليس إهانة تقاليدنا! وقد كان هذا المنبر صوتا ثابتا لمجتمعنا، وهو نتاج مختلف النوع وسط وسائل الإعلام المتنوعة التي توفرها البلاد أو المنطقة. وبالتأكيد لا يفسد هذا المنبر المجتمع الأردني بشكل مباشر أو غير مباشر كما ترغب وسائل الإعلام أن يعتقد الأردنيون. وقد نجت هذه المنصة من عقد كامل، وستستمر في الوقوف طالما كانت هناك حاجة إليها، وطالما أنها تساعد على إعطاء صوت لمئات الآلاف من الناس المثليين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
شكرا
خالد عبد الهادي
مصادر و مراجع المقال: