English

في حديث مع ريم القاضي
ترجمة
هبة مصطفى
تصوير: ناتالي هلسة
مكياج وتصميم: سمارة قمر
لإخراج الإبداعي: خالد عبد الهادي
هذه المقالة هي جزء من عدد سنة ورا سنة

يبدو لي أن رائد إبراهيم كان يتمتع دائما بالفطنة والمهارة، فحسه الفكاهي يمكن أن يدفع بالحوار إلى تجاوز حدود اللياقة، بل ويمكنه هو نفسه أن يعكر صفو شخصية المنطقة وهويتها، ربما كان أسلوبه في الحديث -لهجته اللبنانية المتألقة وسط الرمادية القاتمة في عمان (الأردن)- يسهل عليه التنقل عبر طبقات اجتماعية متنوعة والتعامل معها، وأعتقد أن أعماله الفنية تمثل أيضا استجابة مبهرة لظروف اجتماعية وسياسية عبثية، ذا نظرنا إليها نظرة استباقية مستقبلية.

بدأت هذه المحادثة عام 2012 خلال موسم الأمطار في عمان، على خلفية المشهد الثقافي في «دارة الفنون». كنت وقتها في المدينة من أجل إقامة فنية وسط الفنانين/ات المحليين/ات ومن يتنقلون من فلسطين وإليها في الفترة التي سبقت الثورات التي عصفت بالمنطقة عام 2011 وأعقبتها. وانتقلت إلى شقة على بعد خطوات من منزل رائد المكون من طابق واحد وحديقة، حيث يتحول الشارع إلى درج للمشاة يؤدي إلى وسط المدينة. كان منزله عبارة عن استوديو لصناعة الفن في خضم خلل جيوسياسي هائل مكثف بحجم حياته. عززت أكواب شاي الزهور ونزهاتنا المتكررة صداقتنا، فكان لدينا الوقت لفك رموز السياسة وتحويلها إلى أشكال ثقافية ورسم معالم المدينة، وشاركنا بالقدر ذاته في حالة الوجود المؤقتة تلك، وتهيأنا لتفترق مساراتنا، سعيا إلى النضوج والتحول، وتباعدت مساراتنا لكنها تقاطعت مرة أخرى بعد أكثر من عامين في بيروت حيث كان يزور والدته. وبدلا من المشي، ركبنا عجلة الملاهي الدوارة على الكورنيش، مسارها الدائري يحاكي آلام الذاكرة. وغثيان يفقد العقل توازنه. رائد إبراهيم -المثقل بالصلات التي تربطه فلسطين ولبنان والسعودية والأردن- اختار الانتماء إلى اللحظة الراهنة العيش فيها.

عندما بدأنا المقابلة في أواخر عام 2024، كنا مترددين، كيف لنا أن نبرر تجاهل التطهير العرقي والإبادة الجماعية في فلسطين؟ في حين أن منزل والدته في الضاحية قد تضرر، فإن المباني المحيطة به وجثث الناس داخلها قد تحولت إلى أنقاض بفعل القنابل الإسرائيلية. لطالما كان التحرر شرطا أساسيا لصداقتنا التي تعززها الطرق كلها التي نتخيل بها مستقبلا بديلا ومنطقة بديلة خالية من الحدود وخالية من القسوة المفروضة على حياة تزخر بالجمال والإمكانات. رائد إبراهيم، الذي يسبقنا بخطوات، هو رسول هذا المستقبل.

تنقلت كثيرا في حياتك؛ فقد ولدت فلسطينيا في المملكة العربية السعودية وانتقلت إلى بيروت في خضم الحرب الأهلية ودرست الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وتعيش في الأردن منذ عام 2006، لكنك تواصل السفر إقليميا ودوليا من أجل التدريبات والإقامات الفنية والمعارض وغيرها، فما أهمية هذه المحطات لك، سواء كانت مؤقتة أو كانت مثل وطن لك؟
أثناء نشأتي في السعودية، كان الانتقال من منزل إلى آخر أمرا شائعا، وكانت الذكريات تتغير بتغير الأماكن. لاحقا، تمنيت لو كنت عشت طفولتي في الحي أو المنزل نفسه، وفي لبنان، كان لدينا منزل عائلي عادي، باستثناء وقت الحرب. عندما بدأت أسافر أو أعمل، كانت لدي منازل مؤقتة أخرى.

عندما أتيت إلى الأردن، فكرت في بناء بيت هنا، فأنا أريد أن يكون لدي مكان دائم، مع أنني أستأجر شققا دائما. جئت لأول مرة وأنا شخص بالغ، في زيارة عائلية، ثم عدت لاحقا من أجل بحثي الجامعي، لم يكن الإنترنت متوفرا حينها. بعد بضع سنوات، أمضيت فترة إقامة فنية في «دارة الفنون» وغادرت عمان لدراسة الماجستير في الفنون الجميلة في سويسرا. كنت أريد التدريس في الجامعة، وكان ذلك بمثابة فرصة جيدة للمزيد من القراءة والنقاش، وبدأت التدريس عند عودتي.

إلى جانب عملك الفني، تدرس الفن للطلاب في الجامعة وتتولى الإشراف على معارض الفنانين/ات الشباب وتنظيمها. هل رغبت في التدريس دائما؟
لا أتذكر متى تولدت لدي تلك الرغبة في التدريس تحديدا، ربما بسبب بعض أساتذتي، لكنني أعتبر التدريس امتدادا لعملي الفني، والعكس صحيح؛ إذ يتيح لي العمل مع الطلاب فرصة مناقشة الأفكار والموضوعات ذات الصلة أو غير ذات الصلة، التي يعود معظمها إلى نقطة التعبير عن الذات ورؤية الواقع. أصحاب الأفكار الجديدة مذهلون/ات… أحيانا (يضحك). تكون هناك أفكار أو نقاشات مفيدة، حتى عندما يتعلق الأمر بتقنيات بسيطة أو حلول لمشكلة مفصلة، وعلينا نحن الفنانون الانغماس في عملية التعلم والتطوير.

حتى عندما أفقد تفاؤلي، أتمسّك بالإيمان بأن الأمور لا يمكن أن تبقى على حالها. فالتحرير ليس فكرة، بل هو العمل اليومي الخفي من أجل البقاء.

التصوير بعدسة ناتالي هلسة. الماكياج والتنسيق لسمارة قمر

تتعمق أيضا في أرشيفات فناني/ات المنطقة من الأجيال الماضية، فهل تظهر أي نقاط جديدة أو رئيسية فيما يتعلق بتاريخ الفن في المنطقة وأنت تجمع الوثائق والتذكارات وتنظمها؟
يساعدني العمل على الأرشيفات على أخذ استراحة من عملي والنظر إلى الأمور من منظور مختلف، وهو فرصة رائعة لإعادة النظر في التاريخ الحديث والأحداث والأفكار عن طريق البحث في عوالم هذا الفنان أو ذاك، وقد يكون ذلك من خلال المقالات التي جمعوها، أو أحيانا من خلال بيان مكتوب وواضح أو عمل فني يعلق على حدث معين أو يتفاعل معه مباشرة. ولد معظم الفنانين الذين أعمل على أرشيفاتهم في عصر الصراع الفلسطيني، وهم يمثلون بالضبط عصر التاريخ الحديث للمنطقة.

غالبا ما نضطر إلى الفصل واتخاذ القرارات بشأن ما يجب أرشفته وما يجب استبعاده -ما هو عام وما هو شخصي. عملية أرشفة أعمال الفنانين وإتاحتها للباحثين ورؤية نتائج أبحاثهم عملية طويلة، وبعض الفنانين فقط يوافقون على ذلك، ولا نملك إلا ما احتفظوا به؛ فهم يمثلون أنفسهم من خلال ما يحفظونه. احتفظ أحد الفنانين بكتالوج كامل من الصور وقصاصات المجلات، مع تعليق على كل منها بالتاريخ وكل شيء، وكان يوثق إرثه وتاريخه. تروي هذه الأرشيفات قصص حياتهم، ولكنها ليست كل شيء، وقد يكون من المضلل التعامل مع أرشيف ما على أنه شيء فردي.

أثناء بحثي في تاريخ الفن في الأردن وفلسطين والعراق وسوريا ولبنان، يبدو لي دائما أن البداية واحدة: ذهب أحدهم إلى إيطاليا أو فرنسا أو بريطانيا وعاد فنانا أو معلما للفن، وهؤلاء هم/ن «روادنا». كان الكثيرون/ات منهم/ن متجذرين/ات في ثقافتهم/ن ويؤمنون بإنتاج شيء يشبهها، ومع ذلك، هناك شيء آخر، على سبيل المثال، عندما كنت أعمل على أرشيف مي مظفر، عثرت على دراسة أعدتها بعنوان «100 عام من الفن العربي» ذكرت فيها كيف الاستعمار شكل تعريف الفن، معززا فكرة أن «الفن الحقيقي» بدأ حين كانت جميع التقاليد الفنية والحرف والفنانين/ات الذين/اللاتي سبقوا/ن الرجل الأبيض بدائية أو أقل شأنا. صدقنا هذا لفترة طويلة، ولا يزال البعض يصدقه، حتى قرر المستعمر نفسه أن كل شيء فن، وكررنا ورائه، نعم، كل شيء فن، وكما رسم الأوروبيون الحدود على مدى أكثر من 150 عاما من احتلالهم واستعمارهم للمنطقة، وليس فلسطين فحسب، فإننا نتصرف كما لو أن الخط الفاصل بين الفن والحرفة وفقا للمعايير الغربية أمر مسلم به أو ثابت. علينا أن نبادر بشق طريقنا.

هل غير عملك على أرشيفات فنانين/ات آخرين/أخريات طريقة تنظيمك لسجلات عملك؟
بطبيعة الحال، غير طريقتي في تنظيم أعمالي أو حفظها أو تصويرها أو رقمنتها؛ حيث يؤثر على ترتيب أرشيفي أو أشيائي، وأعتقد أنني أصبحت تدريجيا أكثر وعيا بما ينبغي الاحتفاظ به وأحيانا بما ينبغي حذفه، وآمل أن أجد الطريقة المناسبة لفعل ذلك، وإلا سيأتي شخص آخر ويقرر نيابة عني.

أعلم أنك تتردد في تأريخ عملك بالسنوات، فلماذا؟
لا أشعر بالارتياح لتأريخ أعمالي، حتى على موقعي الإلكتروني، لأني أفكر فيها لسنوات قبل تنفيذها في أغلب الأحيان، وحتى بعد الانتهاء من عملي، غالبا ما أغيره باستمرار؛ فكل عمل هو فكرة تتطور مع الزمن، والنقطة التي تصل إليها ليست بالضرورة النقطة التي بدأت عندها، والآن فقط، بعد أن بدأت العمل على الأرشيفات، أصبحت أرى التواريخ عنصرا أساسيا، لأنه من الصعب رؤية عمل فني أو وثيقة دون سياق.

GAYOM poster, print on paper, 2009. HABIBI – The Revolutions of Love, IMA, Paris (2022–2023). Photo ©Alice Sidoli

لننتقل إلى مجموعة «لكل داء دواء»1، تخاطب القطع المشاهد كأمثال، بجماليات خاصة بصناعة الأدوية أو السوق، فكيف تتناسب مع مسارك الفني والفكري؟ وهل تمثل نقلة نوعية في منهجك؟
هذا العمل مهم لي لأنه شكل نقلة نوعية من الرسم إلى عمل أكثر مفاهيمية يستخدم موادا مختلفة، وفتح آفاقا جديدة لعملي، ومنذ ذلك الحين، أصبحت أكثر تحررا في استخدام المواد وتفسير الأفكار، واستطعت أن أكون أكثر صراحة، وربما واقعية، وهو ما شعرت أنه ضروري في تلك الأوقات والظروف. والآن، أُعيد النظر في هذا النهج، وأتوق إلى الرسم والتلوين؛ فهما وسيلتان رائعتان للتواصل والتأمل.

تضم مجموعة «لكل داء دواء» عدة عناصر: التصميم والكتابة والمؤثرات البصرية والأدوات والمنشورات- أتاحت لي التعبير عما أريد قوله حول القضايا السياسية والاجتماعية دون أن يحملني أحد المسؤولية بالضرورة، ولكل داء اجتماعي أو سياسي -من التمييز و«المثلية الجنسية» إلى التطبيع مع إسرائيل- هناك أدوية تعالج «الاضطراب»، وكما هو الحال مع كاتب قصة يكون لشخصيتها رأي مثير للجدل، فإن الشخصية -وليس الكاتب- هي من تتحمل عبء الرسالة، منحني الدواء مساحة لإعلان حياديتي كفنان، مما سمح لي بالاستفزاز دون تجاوز حدود السلطة. وفي الوقت نفسه، تمكنت من توجيه السردية بطريقة غير مباشرة ومشاركة هذه الأدوية مع المشاركين/ات، كما لو كانوا/كن يعلمون أننا نشارك في هذه اللعبة.

Series For Every Ailment There Is a Remedy, 2009. Paper, plastic, glass, and stickers. Solo exhibition at Makan Art Space, Amman.

كيف تؤثر الرقابة أو الرقابة الذاتية في عملك؟
الرقابة الذاتية جزء من النشأة في المنطقة. سواء في السعودية أو بعد انتقالي إلى لبنان، لم يكن الحديث عن المحرمات (التابوهات) مقبولا، والآن، اختلف الأمر. لدي رغبة في العمل على مشروعات أؤمن بضرورة إنجازها، حتى وإن لم تكن قابلة للعرض. هناك أمثلة رائعة على فنانين/ات قضوا/ين حياتهم/ن يفعلون ما يحلو لهم/ن دون عرض أي عمل من أعمالهم/ن -مثل الفنان الأمريكي اللامنتمي هنري دارجر- أو حتى تدمير أعمالهم/ن بعد ذلك، وأنا مفتون بهذه الفكرة. في الوقت نفسه، أرغب في عرض أعمالي، لكنني لست متأكدا مما إذا كان الجمهور مستعدا لقبول هذا النوع من الأعمال أو قبولي أنا.

أعمالك متعددة الاتجاهات، لكن هناك استمرارية في نهجك. على سبيل المثال، عمل «دولة إسماعيل»2، )العمل مستمر) عبارة عن مجموعة من الأغراض والتذكارات من «احتلال» بلدة في سويسرا، وتتضمن المجموعة الأدوات اللازمة لتأسيس دولة: الأعلام، والجنسية، والخرائط، والعملات المعدنية، وهي قطع أثرية تعتبر «إثباتا للحق ما قبل التاريخي» في مكان ما. تتبع المجموعة، في بعض النواحي، أسلوب مجموعة «لكل داء دواء»، لكنها كانت موجهة لجمهور في السياق السويسري. يشير العمل بوضوح إلى الصهيونية، ولكن كيف رآه الناس في سويسرا؟
عُرض هذا العمل في مدينة آراو السويسرية الخلابة، وفيه استخدمت عناصر متنوعة، كما ذكرت، تؤسس وجود أمة حتى وإن كانت مخترعة أو مزيفة، لكنني أشعر أنه إذا شرحت أهدافي، فإنني سأضيف إلى العمل بعدا لم يكن موجودا في الأصل، على سبيل المثال، إذا قلت إنه إعادة تمثيل لما حدث في فلسطين، فماذا يضيف ذلك؟ أتمنى لو كان في العمل نفسه ما يعبر عن وجهة النظر. أريد أن يكون العمل مباشرا للغاية، فلا يحمل هذه التفسيرات المزدوجة، فالوضع الذي نعيشه متوتر ووثيق الصلة للغاية، لدرجة أنه لا يمكن وصفه باستخدام المجاز أو الشعر، وآمل أن يكون عملي وسيلة للتعبير عن الأمور بطريقة مختلفة. للإجابة عن سؤالك، لاقى العمل استحسانا، وكان الناس لطفاء ومهذبين، وبالنسبة لي، كان العمل مكتملا منذ لحظة تركيبه، وربما بعد إضافة بعض الصور. لم أكن مهتما بردود الفعل، أو ربما هذا ما أظنه الآن. على أي حال، كان من الرائع أن أبدأ هناك، وواصلت تطوير المشروع بمرور الوقت وعرضه في أماكن مختلفة.

The State of Ishmael, 2009–2010. Mixed media installation in public space, Switzerland–Jordan.

يغوص عملك «أبراج»3 في هاوية عميقة ذات عواقب وخيمة. إنه عمل حرفي، ومع ذلك عصي على الفهم. جميع إشارتك واضحة وصريحة، ومعها تقترح تفكيك السياسة والدين والمادية، وهناك قسوة أو فظاظة، كرماد في العينين، وقد يجد المشاهد صعوبة في تقبله، لكنه يتسلل إلى اللاوعي. هذا ما يدهشني: إمكانية الفهم -لهدفك الفني والعالم- من خلال عملك على مر الزمن، وهذا شيء ممتع للغاية. الآن، بعد خمس سنوات، ما هو شعورك تجاه «أبراج»؟
هذا العمل باق معي منذ عام 2001. كنت في عمان آنذاك، وحاولت تشكيل مجموعة المباني والهياكل مرات عديدة بطرق مختلفة، وكان لدي رسومات تخطيطية وهياكل أصغر حجما، وصممت بعض الأبراج على مر السنين في أماكن مختلفة. حاولت ألا أُكثر من إدخال التعديلات؛ فهي تقريبا بنفس أبعاد برجي مركز التجارة العالمي -حتى أبعاد الطائرة التي تدخلهما. أضفت فقط الشريط الذهبي للكعبة إلى إحداها ليكون واضحا مصدرها. أشعر، من بعض النواحي، أن العمل بسيط جدا، يكاد يكون متجانسا. أما بالنسبة للسيجارة، فقد أردتها أن تكون كبيرة جدا بحيث يشعر المرء بالصغر ويكاد يرغب في الانحناء أمام هذا العمود الأمريكي المذهل الذي يعلوه الدخان.

Tower with airplane, 2021. Painted stainless steel, electrical motor, thermoplastic. Exhibited at Darat al Funun.

أنا مخلص جدا للصورة الخيالية لدرجة أني لا أفهم معناها أو سببها. أريد أن أكون صادقا مع نفسي، ولدي خبرة كافية تجعلني أعلم أنه يجب أن أثق بمشاعري تجاه شيء ما، حتى وإن لم أفهم السبب. حتى وإن لم أفهم، أستمر على أي حال، على أمل أن ينتج عن ذلك شيء له معنى أو مهم. يعيدني هذا إلى ما كنت أقوله عن الانتقال من الرسم إلى العمل باستخدام الأشياء والمجسمات، وكنت أشعر بالتحرر لاقترابي من تنفيذ الأشياء التي تصورتها.

From left: Tower with golden stripe (painted stainless steel, electrical motor, gold leaf); Marlboro cigarettes (mixed media); Tower with airplane (painted stainless steel, electrical motor, thermoplastic); and Scaffolding (wood, jute string). Exhibited at Darat al Funun, 2021.

هل يمكنك التحدث عن مشروعك لعام 2012 الذي تضمن بدلة سباحة صفراء؟
في عام 2021، أنشأت عملا فنيا تركيبيا في شكل متجر في مساحة فنية كانت قد افتتحت حديثا في عمان، بعنوان «لماذا لا تعطس»4، التي كانت سابقا ورشة ميكانيكا سيارات في اللويبدة. كان ذلك بعد ثورات عام 2011 في المنطقة، وضم المعرض موادا كانت تعرف بأنها ثورية: لافتات فارغة، وزجاجات مولوتوف وطلاء بخاخ وبيض وغيرها. كان أحد المنحوتات عبارة عن بدلة سباحة صفراء مطبوع عليها شعار حزب الله ومعروضة على مانيكان.

انبثقت فكرة هذا العمل الفني من خطاب مباشر ألقاه السيد نصر الله بعد حرب عام 2006، وقد حضره العديد من المؤيدين الذين لم يكونوا من «الجمهور المعتاد»، بمن فيهم فتيات وشباب مسيحيون يرتدون الصليب ويحملون علم حزب الله. كان الأمر لافتا للنظر؛ فقد توصلت جماعة التيار الوطني ذات الأغلبية المسيحية إلى اتفاق مع الحزب الإسلامي، مما يظهر أن القضية سياسية وليست دينية، وظهرت فكرة «بدلة السباحة الصفراء» من خلال دمج هذا الفكر الليبرالي بحركة تحرر.

The Dissent Boutique, 2012. A mixed media installation, exhibited at Why Not Sneeze, Amman.

أفكر كثيرا في مدى شجاعتك وجرأتك في التطرق إلى ما قد يكون حسب المكان الذي يعرض فيه العملموضوعات اجتماعية خطيرة.
ربما أظهر بمظهر الشجاع عندما أفعل أشياء مثل التي وصفتها، أو أحب أن يراني الناس شخصا شجاعا، لكنني لا أشعر بالشجاعة؛ هذا ليس في طبيعتي. من الصعب جدا علي أن أكون في منطقة حرب أو أشعر بتهديد جسدي، وممارسة الفن أو التحلي بالشجاعة اللفظية، أحيانا عن طريق الخطأ أو بدافع الحماس، لا يضاهي من يخرجون للأماكن العامة ويخاطرون بحياتهم للاحتجاج أو المشاركة في الحرب، ولا أستطيع التظاهر بأنني أقوم بدوري في خضم هذه المأساة من خلال الفن؛ فلن يوازي ذلك أبدا من يفقدون حيواتهم أو عائلاتهم، أو يتعرضون للإصابة، أو يفقدون منازلهم، أو حتى أحيائهم.

نشعر بالخزي والذنب الدائمين عندما يتعرض آخرون للقتل أو تتعرض المنزل للتدمير، والفعل الوحيد النافع حقا هو وقف الحرب. يمكن أن يكون الفن موجودا في مكان ما في الخلفية ويحاول تقديم الدعم أو المساعدة على الفهم أو ما شابه، وعندما يكون كل شيء على ما يرام ويسود السلام، قد يبدو مشروع «دولة إسماعيل» مشروعا باليا (يضحك).

أناقض نفسي طوال الوقت؛ فأستمع إلى الأخبار أثناء تناول قهوتي، ثم أجري نقاشا حادا حول الوضع في فلسطين ولبنان، ثم أعود إلى الاستوديو للعمل، وأشاهد فيلما ليلا، وأستيقظ على كارثة جديدة ليست من الكوارث الطبيعية أودت بحياة 126 مدنيا في غزة أثناء احتسائي للقهوة، ثم أجري مقابلة حول عملي ووجهة نظري بشأن الفن والحياة.

في هذا السياق الصعب -حيث يكافح الكثير منا لتقديم إسهامات مفيدة- ما الذي تعمل عليه الآن؟
العمل موجود، ما تغير هو مشاعري أثناء العمل، شيء يتعلق بتفسير ما أنتجه؛ إذ يبدو الأمر وكأنني أقوم بنوع العمل نفسه الذي أقوم به دائما، ولكن في حالة ذهنية مختلفة، كما لو كان موجودًا دائما، لكنني لا أستطيع رؤيته إلا الآن. نحن في حالة حرب طوال حياتنا تقريبا، لكنني لا أعرف ما الذي يمكنني فعله غير ذلك. أشعر وكأنه ترف لا يتناسب مع القيام بشيء ما فعليا، وهذا ليس عدلا. لا زلت أعمل، لأن هذه حرفتي، ولأن لدي الرغبة أو الدافع لصنع شيء ما. أعمل في الأستوديو الخاص بي، وهناك دائما ما أريد القيام به، لكنني لا أتظاهر بأنها شيء آخر. ما نفعله هو محاكاة الواقع، بطريقة ما، أو تفسيره وإعادة إنتاجه.

بدأت مشروعا في سنغافورة، حيث كنت أرسم لوحات بسيطة جدا لمواقع حضرية على ورق ملون، ثم أرسم أشياء أخرى فوقها بعد أن جفت. كانت الفكرة رسم مدينة مثالية، لكن فوقها واقع آخر. أدركت خلال هذه العملية أن الأمر لا يتعلق بالمدينة، بل بكيفية رؤيتي للأشياء -لإكمالِ الصورة، يجب أن أروي سرديتي أو أقدم وجهة نظري. أحيانا، كنت أجمع مشاهدَ مختلفة في طبقات متعددة، وبالصدفة تقريبا، أتاح لي ذلك فرصة لاكتشاف طريقتين للرؤية ودمجهما معا، وكانت هذه طريقة للتفاعل مع فكرة أو مشهد بصري والانشغال به.

كانت حياتي مشهدا حضريا من التدمير والهدم، ونتيجة هذا التدمير كاشفة بشكل هائل، حيث تبرز الحدود والتناقضات وتجعل من الممكن صنع عالم يجسد المشاعر، فإذا ركزت على الصورة، مثلا صورة فوتوغرافية أو فيديو، فإن الملامح تتكثف لتشكل أحاسيس تلك الصورة، ثم أحاول التوفيق بينها وأركز على الخطوط والأشكال والألوان لإعادة تمثيلها أو إعادة إنتاجها.

التصوير بعدسة ناتالي هلسة. الماكياج والتنسيق لسمارة قمر

لا تقتصر أدواتك على الأشياء الفنية التي تصنعها، بل تشمل أيضا الطريقة التي تتحدث بها وتقدم بها نفسك وتحليلك السياسي وكيف تقترح نتائج جديدة، فإذا لم نتمكن من «العمل» بفعالية في الوقت الحالي، ما هو البديل؟
بصراحة، أعتقد أنه من الصعب التحدث عن «البدائل» عندما تبدو كل الطرق مسدودة أو أن كل شيء ينهار، لكنني أعلم أيضا أن عدم القدرة على «العمل» بالطريقة المعتادة لا يعني أننا نتوقف عن كوننا فنانين/ات أو مفكرين/ات أو أشخاصا يهتمون لما يحدث حولهم/ن، وعندما لا أستطيع إنشاء عمل فني أو بنائه أو المضي قدما في المشروعات التي أقوم بها، أحاول أن أراقب أكثر، أو أستمع أكثر، أو مجرد أن أتجاوز اليوم. ربما يكون هذا هو البديل: البقاء على علم بما يحدث وألا نقوم بالإنتاج لمجرد الإنتاج.

لا أشعر دائما بالتفاؤل، لكنني أؤمن بأن الأمور لا يمكن أن تبقى كما هي. التحرير ليس مجرد فكرة، بل هو شيء أفكر فيه فعليا لأنه مرتبط بالبقاء، والعدالة، وبقدرة الناس على العيش دون خوف أو خسارة دائمين، لذلك، حتى عندما لا أصنع الفن، أفكر وأنظر في الأشياء من حولي وأحاول البقاء ثابتا ومتوازنا، وهذا العمل أيضا، ربما ليس مرئيا، لكنه حقيقي.

  1. For Every Ailment, There Is a Remedy, 2008.
  2. The State of Ishmael, 2009.
  3. Towers, 2020.
  4. Why Not Sneeze.