في حديث مع كريم قطان
تصوير: محسن عثمان
تنسيق الأزياء: وسيم لحمر
مكياج: تمارا حنا
شعر: ماي
أظافر: ماثيلد غويّو
مساعدة المنسق: جاستين شواب
رئيس التحرير: خالد عبد الهادي
هذه المقالة هي جزء من عدد “سنة ورا سنة“
تستكشف صانعة الأفلام الفرنسية الفلسطينية الجزائرية لينا سويلم في أفلامها الوثائقية تعقيدات هوياتها المتعددة وتواريخ عائلتها؛ فهي تصنع أعمالا متعددة الأصوات من الذكريات الصامتة أو المتناثرة، وبجعل أقاربها جزءا من ذلك، فإنها تتيح مساحات يمكنهم فيها تذكر تواريخهم والتحدث عنها واستكشافها وتمثيلها؛ فأفلامها تمكّن أجدادها وجداتها وخالاتها ووالديها –وهي نفسها– من استعادة سردياتهم الشخصية وإعادة تفسيرها، تلك السرديات التي تتجذر بعمق في الموروثات المؤلمة للاستعمار في الجزائر وفلسطين، ومع الطابع السياسي القوي لعملها، فإنه يحمل في طياته حزنا شاعريا واشتياقا ناعما وأسى يمتزج بالفكاهة اللاذعة على نحو يتجاوز لحظية النضال السياسي ويكشف عن صورة رقيقة للحنين والمتاهات المعقدة للأحلام والرغبات.
تنسج سويلم الأصوات السياسية والحميمة في نسيج نابض بالحياة، سواء كانت تصور جديها الجزائريين في فيلم “جزائرهم” (2019) أو والدتها وجدتها وعائلتها الفلسطينية في “باي باي طبريا” (2023)، وتجمع أفلامها بين الشخصي والجمعي، والضعف والمقاومة، والحركة والهدوء، وتشكل الصور الناتجة عن ذلك مناظر معبرة ومذهلة لمشاهد داخلية وخارجية تصور حياة الرجال والنساء وهم/ن يبحرون في تواريخ السلطة بقوة وبراعة، وفي وقت نرى فيه تدمير حياة الفلسطينيين/ات جليا واضحاً، تبدو أعمالها وكأنها استجابة عنيدة وهادئة: رافضة الاختفاء أو الاختزال في فئة مؤطرة بعناية.
عندما التقينا في باريس للتحدث عن عملها، تحدثت لينا مطولا عن المسؤولية المصاحبة لعملها والأساليب التي استخدمتها لخلق مساحة في أعمالها لعائلتها وما يمكن أن تعنيه عملية الكشف عن الذكريات أو إيجاد معنى للقصص المتناثرة بالنسبة لها والشخصيات التي تظهر في أفلامها والجمهور.
حُررت المقابلة من أجل الإيجاز والوضوح.


Coat; Ho Tin Albert Chan. Shoes; Acne Studios. Glasses; Dior.
Photography by Mohsen Othman.
غالبا ما يستكشف عملك موضوع الانتقال كما نرى في فيلمي “جزائرهم” و”باي باي طبريا”، كلٌ بطريقته، وبصفتك صانعة أفلام، تتواصلين مع النساء في عائلتك وتتحاورين معهن محاولة كسر الصمت لأسباب عدة، كما تحرصين على عكس شيء ذي مغزى، فإذا كان بإمكانك نقل شيء ما إلى الأجيال القادمة أو المجتمعات الأخرى، فماذا سيكون؟
أعتقد أن الإجابة تمكن في السؤال؛ فعندما أصور ذكريات أفراد عائلتي، فأنا أعلم أني لا أفعل ذلك من أجلي فحسب؛ فالأمر لا يدور حول إعادة بث الحياة في قصتي وحدي فقط، بل الارتباط بقصة جماعية أيضا، والقصص الحميمة التي أصورها تساهم في خلق ذاكرة جماعية تثري تواريخ الفلسطينيين/ات والجزائريين/ات التي غالبا ما تتعرض للمحو أو النسيان، وبالنسبة للجزائر، يتعلق ذلك بالصدمة الاستعمارية، أما بالنسبة لفلسطين بالاستعمار المستمر والمحو المتعمد.
الذاكرة الحميمة والذاكرة الجماعية متداخلتان بالنسبة لي، وفي أفلامي، أحاول استكشاف العلاقة بينهما وما تكشفه الذكريات الشخصية عن القصة الجماعية، والنقل/الانتقال يشبه الدائرة: أطمح من خلال تصوير الذكريات إلى الحفاظ على شيء لنقله للآخرين كدليل على وجودنا.
أصبحت الأفلام اليوم مرقمنة لا يمكن محوها، على عكس ما كان عليه الأمر في السابق، وأعتقد أن هذا يمكن أن يكون إرثي الذي أتركه ورائي.

Top; ESTHE. Blazer; Valentino. Shoes; Acne Studios. Bracelet; Acne Studios.
Photography by Mohsen Othman.
بالحديث عن الإرث، والعودة إلى فلميكِ، انتهيت مؤخرا من صنع فيلم “باي باي طبريا”، وبالنسبة لي، هناك فرق واضح بينه وبين “جزائرهم”، لذا أحب أن أعرف كيف ترين هذا الفيلم اليوم؟
سيبقى “جزائرهم” فيلمي المفضل دائما؛ فهو أول عمل عفوي أقوم به لتصوير الذكريات وصناعة الأفلام وسرد القصص، وفيه خاطرت وكشفت عن نقاط ضعفي، وفيه صورت أناسا لم يسبق لهم/ن البوح بقصصهم/ن ولم أكن متأكدة مما إذا كانوا سيفلعون/سيفعلن ذلك في النهاية، أو أن صمتهم/ن نابع من الألم العميق واقتلاع الجذور، وقد تعلمت منه الكثير عن المنفى والانقال وغير ذلك الكثير.
قرّبني هذا الفيلم من جديّ الجزائريين، لا سيما جدي، الذي طالما شعرت بالبعد عنه، وفي النهاية، شعرت بالقرب منه، وقد أعطاني هذا الأمل في أن نتمكن من فهم شخص ما، ولو في وقت متأخر من الحياة، فقد كان في الخامسة والثمانين عندما بدأت تصوير الفيلم، ولم أتمكن من معرفته حق المعرفة إلا في السنوات الثلاث الأخيرة من عمره، ولولا هذا الفيلم، لربما كنت سأراه دائما رجلا صلبا وصارما ولم أفهمه أبدا.
الآن، عندما يخبرني الناس أنهم/ن يرغبون/يرغبن في تصوير أجدادهم/ن وجداتهم/ن أو إجراء محادثات معهم/ن كما في الفيلم، دائما ما أشجعهم/ن على المحاولة، حتى وإن لم ينجح الأمر، وقد كنت محظوظة لأن أقاربي شاركوا/ن قصصهم/ن معي؛ فقد لا يفعل البعض ذلك، وقد كان هذا ضروريا لفهم نفسي والمكان الذي أنا فيه، حتى في فرنسا، حيث وُلدت.

باريس – التسعينات – من اليسار إلى اليمين، سعيد عباس، لينا سويلم، نعمت طبري

دير حنا – فلسطين – 1991 – من اليسار إلى اليمين: هيام عباس، أم علي طبري، لينا سويلم، نعمت طبري
بالحديث عن هذا، كيف تنتقلين من “جزائرهم” إلى “باي باي طبريا”؟ فأنا أعتقد أن الفيلمين يشتركان في الانشغال بالصمت، وإذا كنت سأصفهما، فبأن كل منهما يجد طرقا للتغلب على الصمت المحيط بالأجساد والعقول المصابة بالصدمة وإعادة تنشيط الذاكرة، ومع هذا فهما فيلمان مختلفان، فكيف حدث هذا الانتقال؟
في البداية، لم يبد الأمر خيارا؛ فلم أكن أخطط أبدا لصنع فيلم ثان أثناء عملي على فيلم “جزائرهم” لأنني لم أكن متأكدة حتى من قدرتي على صنع أي أفلام، وقد صورته وأنا لا أعرف ما إذا كان سيصبح فيلما في النهاية أو كيف سيكون أو ماذا ستكون ردود فعل الناس، وفي الواقع، بدا الأمر طبيعيا أن أبدأ بتصوير جدتي في فلسطين أثناء عملي على الفيلم، وكأنه لم يكن بوسعي إلا أن أصورها، وقد أدركت خطر ضياع ذكريات عائلتي وفقدان قصصها إذا لم أتناقلها، لا سيما وأني رأيت جديّ الجزائريين يتقدمان في السن وأنا أصورهما، وعرفت أن هذه القصص يمكن أن تختفي بسهولة إذا لم أتصرف.
سألني كثير من الناس، عندما صدر فيلم “جزائرهم”، عما إذا كنت سأصنع فيلما عن عائلتي الفلسطينية، وفي البداية، قلت إنني لن أفعل، واستغرق الأمر بعض الوقت لألتزم أخيرا بصنع الفيلم الثاني، ولفترة طويلة، ظللت أقول “أنا أحاول، لكن لا أعتقد أن الأمر سينجح”؛ فقد كنت خائفة من العودة إلى الذكريات المؤلمة ومواجهة النساء في عائلتي الفلسطينية، لا سيما أمي، وشعرت بالخوف وصعوبة الكشف عن جزء آخر من هويتي طالما تعرض للإنكار.
ذكرت أن الصمت موضوع مشترك بين الفيلمين، لكن بالنسبة لي، هناك فرق بين الاثنين؛ ففيلم “جزائرهم” يدور حول كسر الصمت، بينما يدور “باي باي طبريا” حول جمع القصص المتناثرة وخلق شعور بالاستمرارية بعد المنفى، وفي الأول، لم أكن أعرف ما الذي يكمن وراء الصمت، أما في الثاني، فقد عرفت.

دير حنا – فلسطين – من اليسار إلى اليمين، أم علي طباري، هيام عباس، لينا سويلم، 1991
تسألك جدتك وأمك سؤالا مشابها بينما كنت تصورينهما عن أسباب قيامك بذلك وعما تبحثين عنه، وقد طرحتا هذا السؤال على الابنة/الحفيدة وعلى صانعة الأفلام أيضا، وأظن أن تصوير أناس لم يسبق لهم الوقوف أمام الكاميرا، وإدخالهم إلى عالم الصورة، شيء مختلف مقارنة بتصوير والدتك، وهي ممثلة.
كان تصوير جديّ الجزائريين أسهل؛ فالكاميرا كانت أشبه بامتداد لجسديهما، وأصبحت غير مرئية لهما، ولم يكونا قلقين بشأن كيفية ظهورهما على الشاشة لأنهما لم يكونا منتبهين لوجود الكاميرا أصلا، لكن الأمر كان أصعب مع والدتي؛ فهي معتادة على مواقع التصوير والكاميرا وكانت منتبهة لما تقوله وكانت تجيب على أسئلتي كما لو أنني كنت صحفية، وكان عليها أن تتوقف عن الحديث معي وكأني امرأة غريبة عنها، وكان عليّ أن أجد طريقة مناسبة للتحدث معها، ليس فقط بصفتي الابنة التي تحاول أن تفهم، ولكن بصفتي امرأة ومخرجة.

On the left: Coat; Ho Tin Albert Chan. Shoes; Acne Studios. Glasses; Dior.
On the right: Top; ESTHE. Blazer; Valentino. Shoes; Acne Studios. Bracelet; Acne Studios.
Photography by Mohsen Othman.
كانت هناك بعض الاستراتيجيات التي استخدمتها معها أيضا، أليس كذلك؟
لأنها ممثلة وأكثر أريحية في التعامل مع التمثيل، استخدمت لحظات من شبابها –قصصا كانت أخبرتني عنها أو عرفتها من الآخرين– وطلبت منها إعادة تمثيلها والعودة إلى مكان وزمان محددين في فترة شبابها، وهناك مشهدان، أحدهما في حيفا والآخر في القدس، طلبت فيهما منها إعادة تمثيل لحظات من حياتها عندما كانت في العشرينيات من عمرها، ولمساعدتها على إعادة التواصل مع تلك النسخة الأصغر من شخصيتها والشعور بما شعرت به حينها، أردتها أن تتواجد في الأماكن نفسها ومع أشخاص كانوا حاضرين في ذلك الوقت، كما كتبتُ أشياء عما أخبرتني به وطلبت منها قراءة ما كتبته.
لماذا فعلتِ ذلك؟
خططت في الأصل لجمع القصص من خلال سرد جدتي لما حدث في النكبة وما كانت تخبرني به أمي، لكن جدتي توفيت أثناء التصوير، وأدركت أنني لم أحتج فقط إلى جمع قصصهما، بل سردها من منظوري أيضا، وأردت أن أشارك قصصهما ومشاعرهما حيالها.
لم يكن الأمر يتعلق بجمع كلماتهما وعرضها في فيلم فقط، بل تأمل ما أخبراني به، وتخيل ما لم أكن أعرفه، والأسئلة التي لم أستطع طرحها أيضا. كانت قراءة أمي لما كتبتُ جزءا من إعادة تفعيل النقل؛ فقد أخبرتني عن نساء عائلتي وقرأت هي ما كتبته أنا عنهن، وكان الأمر أشبه بدائرة نقل، لعب كلانا دورا فاعلا فيها.
هذا حوار ثنائي وجماعي: أصوات مختلفة ومتعددة تنسج القصص معا.
إنه يجسد قصصنا ويضفي طابع التعقيد على تجربتنا المشتركة ويفسح المجال للأسئلة والتناقضات والمخاوف وواقع المنفى بالتواجد معا في الوقت نفسه، وهذه هي نتيجة للفقد –الكثير من الشقوق والفجوات– والحاجة إلى سرد قصصنا، لو أننا لم نكن قد فقدنا الكثير، لما كنت بحاجة إلى صنع هذا الفيلم بهذه الطريقة، وشكل الفيلم إجابة وتأمل في القصة الفلسطينية المتناثرة وغير الرسمية وغير المعترف بها.
يشبه فيلم “باي باي طبريا” أرخبيلا من الأراضي الممزقة والمجزأة، والقصص مؤثرة للغاية ومحزنة في كثير من الأحيان، لكنه فيلم مضحك للغاية أيضا؛ فهناك الكثير من المرح، ليس فقط في الاستراتيجيات التي تستخدمينها ولكن أيضا في محادثاتك مع والدتك، وبين والدتك وأخواتها، ويتسم كلا الفيلمين بروح الدعابة، ويبدو أن هذا انعكاس لك أيضا؛ فحسك الفكاهي يظهر فيهما.
نعم، يأتي هذا من الأشخاص الذين أصورهم/ن؛ ففي فيلم “جزائرهم”، كان الحس الفكاهي ساخراً بسبب جدي، لكن مع جدتي كان مصدره الخجل، وهي خفيفة الدم بطبيعتها، وأعتقد أن روح الدعابة لديها تنبع من أنه كان عليها أن تبقى بريئة مثل الفتاة ذات السبعة عشر ربيعاً التي تزوجت وأُخذت إلى فرنسا، حيث نجت من حياة لم يكن لديها فيها خيارات وعاشت تحت حكم استعماري وحُرمت من هويتها وحريتها.
لكن الفكاهة في عائلتي الفلسطينية أكثر تعمداً، وهي وسيلة للنجاة والتواصل، وتأتي من الحب والمشاركة، وهي طريقة للاستمرار، وأعتقد أن خالاتي كان لديهن خيارات أكثر في الحياة، ولهذا فكاهتهن أكثر قوة وتمكيناً، وحسهن الفكاهي شائع بين العديد من العائلات الفلسطينيات؛ فهو وسيلة للتأقلم مع الواقع، لكن مصدره الذكاء لا اليأس، وهي الطريقة التي يتواصلن بها ويحافظن بها على قوة الحياة، والفكاهة شكل من أشكال المقاومة، حتى وإن كان ذلك من خلال السخرية أو التهكم.
عندما أصور ذكريات أفراد عائلتي، أعلم أني لا أفعل ذلك من أجلي فحسب؛ فالأمر لا يدور حول إعادة بث الحياة في قصتي وحدي فقط، بل الارتباط بقصة جماعية أيضا، والقصص الحميمة التي أصورها تساهم في خلق ذاكرة جماعية تثري تواريخ الفلسطينيين/ات والجزائريين/ات التي غالبا ما تتعرض للمحو أو النسيان، وبالنسبة للجزائر، يتعلق ذلك بالصدمة الاستعمارية، أما بالنسبة لفلسطين بالاستعمار المستمر والمحو المتعمد

Blazer; Acne Studios. Shirt; Sara Vukosavljevic. Tie; Dries Van Noten. Tights; Calzedonia. Shoes; Acne Studios.
Photography by Mohsen Othman.
كيف كان رد فعلهم/ن تجاه الفيلم؟ هناك حساسية معينة في ثقافاتنا تجاه الحياة الخاصة والحميمية، ولهذا فصنع الأفلام حول العائلة خطوة جريئة، فهلا حدثتنا أولاً عن رد فعل عائلتك على الفيلم عند مشاهدته؟
كان أكثر ما يرعبني هو أن ترى جدتي الجزائرية فيلم “جزائرهم”، لا سيما وأن جدي قد توفي قبل أن يراه؛ كنت خائفة من أن تشعر بالخجل أو الانزعاج، لكن بعد تصويرها لثلاثة أعوام، عرفت أنها تثق بي، وصحيح أنني كنت أصور أناس أحبهم/ن، ولم أكن لأريد أبداً أن أجعلهم يشعرون بعدم الارتياح، لكنني كنت متوترة، وعندما شاهدت جدتي الفيلم، كانت ردة فعلها كما في المشاهد؛ كانت تضحك في اللحظات ذاتها وتبدي التعليقات نفسها، وكان من الرائع للغاية أن أشعر أنني قد تمكنت من تصوير واقعها، وبعد ذلك، كانت متشوقة لمشاركته مع الآخرين، وراسلني أقاربي الجزائريين لشكري على سرد قصتهم/ن التي لم تُرو من قبل –صعوبة المنفى وتأثير الاستعمار الفرنسي للجزائر بعيون عائلة مهاجرة– وعلى بث الحياة في ذكرياتهم/ن وجعلها مرئية.
أمدني هذا بالثقة لفعل الشيء نفسه مع فيلم “باي باي طبريا”، مع مراعاة الحدود التي لم يكن لدي رغبة في تجاوزها، وكان تصوير خالاتي في فلسطين صعباً في بعض الأحيان؛ فأحيانًا ما شاركن أشياء شخصية ربما لم يرغبن في وجودها في الفيلم، لكن ثقتهن بي، التي أتاحت لي طرح أسئلة معينة، جعلتني أشعر بالدعم، حتى قبل أن يشاهدن الفيلم، وعندما شاهدنه لأول مرة في عمّان في يوليو/تموز 2024، كانت ردود أفعالهن تفوق توقعاتي؛ فقد تأثرن به وكنّ فخورات، بل وأردن القيام بجولة مع الفيلم، وحضرن عروض الفيلم في القدس وحيفا والناصرة واللقاءات التي كانت تُعقد بعدها.
حتى أمي، التي كانت مترددة في البداية بشأن الفيلم، عبّرت لي عن مدى فخرها، وأثناء الجولة، أخبرت الجمهور أنها فخورة بتخليد قصة عائلتها في فيلم من صنع ابنتها، بل وتحدثت عن حلمها بتصوير قصة جدتها ووالدة جدتها وسردها، مع أنها لم تخبرني بذلك من قبل.
هل شاهدت عائلتك الفلسطينية فيلم “جزائرهم”؟
نعم، في مهرجان أيام فلسطين السينمائية عام 2019، وكانوا/كنّ متأثرين/ات للغاية لربطهم/هن قصة الاستعمار الفرنسي للجزائر بالنكبة، وبين صمت جدي الجزائري وصمت جدي الفلسطيني.
وهل رأت جدتك الفلسطينية فيلم “باي باي طبريا”؟
لقد حضرت إلى باريس خصيصاً لمشاهدته عندما صدر العام الماضي، وقد أعجبها.

On the left: Blazer; Acne Studios. Shirt; Sara Vukosavljevic. Tie; Dries Van Noten. Tights; Calzedonia. Shoes; Acne Studios.
On the right: Full look; Acne Studios.
Photography by Mohsen Othman.
تعملين حالياً على فيلم روائي طويل الآن، فهلا أخبرتنا عنه؟ وكيف يختلف عن العمل على الأفلام الوثائقية؟
أنا متحمسة للعمل على فيلم جديد، وإن كان يتناول الموضوعات ذاتها التي استكشفتها في فيلميّ السابقين: إيجاد مكانك في قصة عائلتك وموازنة الطموحات الشخصية مع الواجبات العائلية، وأريد أن أحكي في هذا الفيلم قصة عائلة جزائرية تعيش في إسبانيا؛ فمن المهم أن نغير الطريقة التي ننظر بها إلى الجزائريين/ات على نحو يتجاوز المنظور الاستعماري الفرنسي أو المنظور الجزائري المعاصر، ويتيح الانتقال إلى بلد مختلف تتمكن الشخصيات فيه أن تصبح أكثر تعقيداً وأن تتحرر من الوصمات التقليدية –الصور النمطية للعرب والجزائريين/ات والفلسطينيين/ات– التي أريد مقاومتها.
يمكن أن تسبب عملية صنع الأفلام الوثائقية شيئاً من الوحدة؛ ففي فيلم “جزائرهم”، لم أعمل إلا مع محررة الفيلم غلاديس جوجو، أما في “باي باي طبريا”، فقد تعاونت معك ومع نادين ناعوس وغلاديس جوجو في الكتابة وفردية مرزوق في التصوير؛ فصنع الأفلام الروائية يحتاج إلى طاقم عمل أكبر، ويجب أن نتبادل الرؤى ونتخذ القرارات معاً، وهذا ما أحبه في مجال السينما –العمل الجماعي.
ما هو الشيء الذي ترين أن جميع النساء في عائلتك –جدتيك وأمك وخالاتك– قد علمناه لك؟
إنهن معجزة؛ فالطريقة التي تمكنّ بها من نقل هذه القيم المذهلة وكل هذا الحب لأبنائهن وبناتهن وأحفادهن، على الرغم من أنهن قد حُرمن من كل شيء، معجزة حقيقية، وإنها لمسؤولية كبيرة، وامتياز عظيم أيضاً، أن أتلقى كل هذا منهن.
نجم الغلاف: لينا سويلم
أجرى المقابلة: كريم قطان
تصوير: محسن عثمان
تنسيق وتلبيس: وسيم لحمر
مكياج: تمارا حنا
شعر: ماي
أظافر: ماثيلد غويّو
مساعدة المنسق: جاستين شواب
Morcos Key : تصميم الغلاف
تركيب وتصميم الغلاف: علاء السعدي
رئيس التحرير: خالد عبد الهادي
هذا المقال من عدد سنة ورا سنة
