بقلم: ورد خبيّة
 العمل الفني: محمد المهنا
هذا المقال من عدد عقدة الواو

من يراقب مشهد الكتابة في العالم العربي وفيما يخص المختلفين والمختلفات وأصحاب وصاحبات الأصوات المنفردة؛ سيلاحظ تصاعدًا لا سيما من حيث الكمية، وتواجدًا لافتًا وتحديدًا للفترة المتاخمة “للربيع العربي” في جيل الشباب على وجه الخصوص، حيث ساد جو عام من الرغبة في التعبير، ورفع الصوت على جميع المستويات، وهذا أيضًا انعكس على المجالات الإبداعية عامة، “الجنس إكس” كتاب يضاف إلى رصيد هذه النوعية من الكتابات، كتاب يريد قول الكثير، مرّ بالكثير من المطبّات قبل أن يبصر النشر. نترككم في هذه المقابلة التي نجريها مع الكاتب حيث تطلعنا من خلاله على كواليس وظروف خروج هذا الكتاب: عنوان الكتاب، عملية الكتابة، النشر وصعوباته وغيرها.

عندما يصادفنا كتابك يتبادر إلى أذهاننا سؤالًا أن من/ ما هو/ هي/ هم الجنس إكس؟
عندما كنت أبحث عن عنوان مناسب للكتاب وجدت أن أفضل أمر أقوم به هو اختيار اسم يجعل الآخرين يتساءلوا عن ماهية هذا الجنس أو من هم الفئة المنتمية إليه..التساؤل بحد ذاته كان هدفي الأول لأن المجتمعات العربية ما زالت متجمدة فكرياً عند التوصيف الجندري الثنائي الذي يُصنف الآخرين إما لأنثى أو لذكر. الجنس إكس هو كل شخص تم قمعه من قبل المجتمع وإجباره على البقاء في زواياه المظلمة، ليس بالضرورة أن يكون شخص عابر كما يُستخدم هذا الوصف في الولايات المتحدة، فقد يكون أنثى ما زالت تقاتل من أجل الاعتراف بآدميتها وبالتالي باستحقاقها لبعض الحقوق، أو قد يكون شخص لا يرغب في إخضاع جسده لأي تصنيفات ثنائية جندرية مجتمعية، قد يكون أي شيء ما عدا أنثى أو ذكر مغايريَّ الميول وهي الصورة الوحيدة المُعترف بها لدى المجتمعات العربية.

لماذا قررت كتابة هذا الكتاب؟ ما الذي تُريدين قوله؟
دائماً كنت أمارس الكتابة كخيار وحيد للتعبير عما أفكر به، ولعل أكثر الأهداف صعوبة هو أن تخرج بنطاق أفكارك من حيز الحوار الذاتي المستمر إلى نطاق أوسع فتصبح متاحة للقراءة من قبل آخرين. العالم العربي لديه أزمة قديمة ومستمرة للأسف تجاه حرية التعبير، فالجميع صامت وإمكانية التعبير عن آرائك تجاه الجنس أو الدين أو السياسة أو الأفكار المجتمعية الرثة أو حتى الإله شبه معدومة عربياً. لهذا رغبت بأن يجد ذلك الشخص صامت جزءاً من أفكاره التي يحدث نفسه بها طوال الوقت أمام عينيه ليعلم أنه ليس لوحده كما يعتقد.

 العمل الفني: محمد المهنا


مُنع كتابك وطُلب منك أن تقومين ببعض التغييرات فرفضت وقمت بإصدار الكتاب إلكترونيًا. برأيك لماذا من المهم التحدث بحرية مطلقة دون رقيب خصوصًا في هذه المواضيع الحتمية في مجتمعاتنا؟ وهل ترين بأن الانصياع لرغبات الناشر كان سيقلل من أهمية كتابك؟

بالنسبة لي تجربة الكتابة من دون ممارسة أي نوع من أنواع الرقابة هي تجربة جداً ضرورية لأي كاتب، دائماً سيكون هناك نوع من الرقابة الذاتية يختلف مدى صرامتها من شخص لآخر ولكن على الأقل ستكون حدود الرقابة الذاتية أكثر مرونة من الرقابة المجتمعية أو الدينية التي دائماً ما تقودنا إلى ذات المربع في كل مرة أي مربع منع الكتب من التداول ورقياً. وهذا يقودنا إلى معضلة أكبر وهي ما الفائدة الحقيقة من أي كتاب إذا كان الهدف منه هو القيام بعملية تجميل تجاه المجتمع؟؟، حينها سيكون ذلك الكتاب كعشرات وربما مئات الكتب التي تقرأها وتشعر بأنها لا تمت لواقعنا بصلة لأنها تخبرك بأن كل شيء جميل ورائع والجميع غارقون في السعادة وهو ما يخالف تماماً واقعنا العربي.

بعد الانتهاء من الكتابة يُصبح لدينا مخطوطًا جاهزًا للنشر، كيف كانت عملية البحث عن ناشر وما هي أبرز عقباتها؟
للأمانة كانت عملية البحث عن دار عربية تقبل بنشر الكتاب دون رقابة أو تحيز جندري أو جنسي واحدة من أسوأ التجارب التي مررت بها. العديد من دور النشر رفضت نشر الكتاب بسبب محتواه الذي وصفه البعض بالإباحي أو الكُفري، والبعض الآخر رفض نشر الكتاب لأنه يجد بأنه يعكس بعض المواضيع المتعلقة بمجتمع الميم عين وأنه بالموافقة على نشره سيقوم بالترويج للمثلية الجنسية وهو ما يخالف سياسة النشر في معظم الدول العربية. لهذا توجهت نحو التعاقد مع دار نشر تقدم خدمة النشر الذاتي، أي أن تكاليف الطباعة والنشر سيتحملها الكاتب في مقابل عدم التدخل نهائياً في المحتوى.

في كتابك تحدثت عن عملية الختان، وقلت أن ختان الذكور يتم في عمر مبكر من حياة الشخص، بينما ختان الإناث يتم في مرحلة عمرية متقدمة وألمحت إلى أن هذا أمرٌ مقصودٌ. برأيك هل لهذا علاقة بوضع المرأة في مجتمعاتنا؟
بالفعل، ولطالما كان هذا التساؤل يدور في عقلي، تساؤل لماذا يتم ختان الأنثى في مرحلة عمرية متقدمة بعكس ما يحدث مع الذكر، ولم أجد إلا تفسيراً واحداً لذلك الأمر وهو جعل تلك التجربة المؤلمة جسدياً والصادمة نفسياً تحدث بعد أن تكون تلك الطفلة قادرة على تخزينها في ذاكرتها. هذه الذكرى ستجعلها تتذكر دائماً بأنها كائن خُلق ليُسحق جنسياً وجسدياً ونفسياً ومن الممكن دوماً سلبه جزءاً من جسده أو حتى حياته دون أن يكون الأمر مُستنكراً مجتمعياً أو قانونياً أو حتى دينياً وهو ما نراه بكثرة في مجتمعاتنا العربية. فالأنثى في بعض الدول العربية لا تستطيع حتى الآن مقاومة الابتزاز -على سبيل المثال- بكل قوة ودون خوف كما يحدث في المجتمعات الغربية حيث تكون الأنثى فيها أكثر قدرة مجتمعياً وقانونياً ونفسياً على مقاومته.

الكتابة دون أي رقابة، أؤمن بأن هذا الفعل هو أكثر الأفعال إثارة لجنون تلك السلطات القمعية والمجتمعات المتهالكة فكرياً بشكل لا يمكن لأي شخص تصوره

تقولين قي كتابك : “هذا شخص يُضرب فلا يُحدث أي صوت.. لا يتألم أو يتوسل جلّاده بعض الرأفة.. ويا إلهي كم يُجن الجلّاد عندما لا نتألم أو نتوسل.. فحينها تزداد ضرباته وحشية..” برأيك نحنُ كأفراد لا نطابق معايير المجتمع والسُلطات نختزن قوى وإن كانت بوسائل ناعمة ولكنها تهزُّ سلطات عُنفية وجائرة. ما هي الطريقة التي تشعرين أنك تُعبّرين من خلالها عن قوتك الكامنة؟
الكتابة دون أي رقابة، أؤمن بأن هذا الفعل هو أكثر الأفعال إثارة لجنون تلك السلطات القمعية والمجتمعات المتهالكة فكرياً بشكل لا يمكن لأي شخص تصوره، ولعل أبسط مثال على قوة تلك الوسيلة هي أن تلك السلطات ترتعد خوفاً من أي كتاب يُكتب بحرية مُطلقة وتُسارع إلى منعه فوراً من التداول وهناك أمثلة على عشرات الكتب التي واجهت ذلك المنع بينما لا نجد هذه الظاهرة في مجتمعات أخرى غربية.

تبدين في الكتاب ناقمة على الإله وتلومينه على صمته، ما الذي كنت ترتجيه من الإله؟
أشعر بأن هذه حالة عامة لدى أغلب البشر وخاصة في العالم العربي ولكننا طبعاً لا نستطيع الحديث عنها علناً كي لا يتم تكفير الشخص وبالتالي معاقبته قانونياً أو ما هو أسوء أي الإيذاء الجسدي. فكرة الإله قائمة على أنه ذلك الكيان الغامض الذي سيقوم حتماً بموازنة الأمور في حياتنا تجاه الخير عندما تختل باتجاه الشر، ولكن هذا الأمر لم يحدث لمئات السنين. هناك الكثير من الأمور السيئة التي تمر من تحت بصر ذلك الإله ولكن لا توجد أي ردة فعل واضحة من قبله. هذا الأمر سيجعلك حتماً تتساءل عن جدوى وجوده ومع التساؤل وتكرار الخيبات سيكون الأمر المتوقع هو أن تشعر بالنقمة تجاهه وهو ما أجده أمراً صحياً. فأي علاقة تتصف بالاتزان يجب أن يكون الشخص قادراً فيها على التعبير تجاهها وتجاه طرفها الآخر بمشاعره سلبية كانت أم إيجابية.

في كتابك إدانة لموضوع العُنف وتواطئ “السلطات الأمنية” معه. وأنا أعتقد أن السلطات الأمنية تُنفذ استراتيجية أكبر تستمدّها من السلطة السياسية التي تحرص على ترسيخ العُنف الذي يضمن بطريقة أو بأخرى بقاءها، هل توافقينني في ذلك؟ ألا ترين أن كل عائلة هي نموذجٌ مُصغّر عن السُلطة؟ وكيف يُمكننا كأفراد أن نتعامل مع هذا الأمر؟
أتفق جداً معك حول هذه النقطة، فالسلطة السياسية في بلداننا تمارس نوعاً من “هرمية القمع”, فالدولة تقمع المجتمع وضمن ذلك المجتمع يقوم الذكر بقمع الأنثى والتي غالباً تقبع في قاع هرم القمع، وكما ذكرت مفهوم العائلة لدينا جداً مشوه وقائم على فكرة الديكتاتورية المُصغرة التي تؤهلك نفسياً لتقبل الديكتاتوريات الأخرى (ديكتاتوريات المجتمع، الدين، السلطة). فالأسرة العربية في المجمل قائمة على فكرة تواجد ذلك الذكر الذي يملك الكثير من السلطات التي بموجبها يفقد أفراد أسرته جزء كبيراً من حرياتهم بل وربما هوياتهم ولعل أبسط عبارة تواجهك عند محاولتك مقاومة ديكتاتورية الأسرة هي عبارة “أنت ومالك لأبيك” في إشارة إلى الحديث النبوي الذي منح ذلك القمع هالة من القداسة الدينية. لهذا يجب علينا كأفراد محاولة تغيير تلك المفاهيم بالحديث عنها ونقضها فكرياً خاصة ونحن نرى أن تلك الهرمية في القمع أنتجت مجتمعات عنيفة تجاه الأفراد الأقل قدرة على مقاومته كالإناث بل وتجد في معظم البلدان العربية أن القانون يشجع على تلك الممارسات برمي أطواق النجاة للجاني من خلال ثغرات قانونية عديدة.

كيف ترين مستقبل الكتابة الكويرية في المنطقة؟ وهل ترين بأنها يُمكن أن تكون موجودة أو تتطور من دون تغيير شامل لجميع القضايا الكبيرة الأخرى؟
للأسف مستقبلها لا يبدو جيداً أبداً في الوقت الحالي أو على المدى القريب في العالم العربي، فلدينا كثير من العوائق مثل الرقابة الشديدة التي تمنع ذلك النوع من الكتابة من الظهور على نطاق أوسع، وهناك دور النشر التي لا تحبذ نشر ذلك النوع من الكتابة، ولدينا أيضاً الوصم الاجتماعي الذي يجعل الكتاب من المجتمع الكويري لا يفضلون نشر إنتاجهم الأدبي أو الظهور علناً لما قد يسببه هذا الأمر من استهدافهم أو التحريض ضدهم معنوياً أو جسدياً أو قانونياً. لهذا يجب أولاً تهيئة البيئة المجتمعية والقانونية المناسبة لاحتضان ذلك النوع من الكتابة ولكن للأسف من الصعب جداً تهيئة ذلك المناخ المناسب في الوقت الذي تعاني فيه جميع الفئات الأخرى من القمع المجتمع والقانوني، لهذا ستكون الخطوات صعبة جداً ولكنها ما زالت ممكنة وسيظهر أثرها على المدى الطويل.