بقلم موسى صالح
العمل الفني: سارة راجي
تحرير موسى الشديدي
الفنان هو من يقدم نوعا واحدا من الفنون أو أكثر، ويحاول طوال مدة ممارسته لهذا الفن أن يقدم الأفضل والأكثر تميزا وذلك بهدف كسب رضا الجمهور والمحافظة على مكانته، وهو بطبيعة الحال ابن مجتمعه وبيئته يتمثل بصفاتها ويعتنق معتقداتها وموروثاتها الاجتماعية. نتيجة ولأننا نعيش في مجتمعات تترسخ فيها مبادئ كراهية الاختلاف بجوانبه كافة، بالإضافة لحكم الرقابة المفروضة من قبل السلطة التي تحرص على ترسيخ العلاقات الغيرية في أي فعل أو إنتاج موجه للعامة وترفض أي “شذوذ” عن خططها المجتمعية النمطية إلّا أننا نرى تخطي بعض الفنانات/ين لهذه الكراهية في بعض أعمالهن/م ومواقفهن/م.
نحاول في هذا المقال عرض أبرز المشاهير الداعمات/ين لأفراد مجتمع الميم والبحث عن خلفيات هذا الدعم، في محاولة لفهم الهدف الحقيقي منه، وإن كان يؤثر سلبا أو إيجابا على نجوميتهن/م.
هيفا وهبي
جاء دعم هيفا لمجتمع الميم عام 2016 بعد تغريدة لها على تويتر استعملت فيها كلمة “لوطي” كإهانة لشخص معيّن مما عرّضها لانتقادات لاذعة، لكنها نفت ذلك وبررت تغريدتها السابقة بتغريدة أخرى أكدت فيها على حبها لكل جمهورها ورفضها للتمييز بينهم.
ومنذ أشهر قليلة وبعد ساعات من انتشار خبر منع نانسي عجرم أعلام الطيف (الرينبو) في حفلها في السويد، نشرت هيفا صورة عبر حسابها على تطبيق سناب شات وهي عبارة عن صورة رمادية اللون يعلوها علم ألوان الطيف (رينبو) واسم مدينة “بيروت” باللغة الإنجليزية في الأسفل. في السياق نفسه أصدرت هيفاء وهبي في شهر شباط/فبراير الماضي خط أزياء باسم “Beau Voyo HAIFA WEHBE” ولجأت إلى استخدام ألوان الطيف (راينبو) وعبارات أخرى تشير وبكل وضوح إلى محاولات هيفاء استغلال جمهورها من المثليين والمثليات لضمان نسبة مبيعات جيدة فيما بعد. هذا بالإضافة إلى محاولة هيفاء للتغطية على مواقف مدير أعمالها محمد وزيري المعادية للمثليين/ات وذلك بعد مهاجمته فرقة مشروع ليلى إثر إلغاء حفلها ضمن مهرجانات بيبلوس الدولية.
مايا دياب
تناولت مايا موضوع المثلية إثر الضجة التي أحدثتها حفلتها في أحد الملاهي الليلية الخاصة بالمثليين في بيروت عام 2016، فأطلت في برنامج “لهون وبس” موضحة أنها تدافع عن الإنسان وحقه في الحياة وأنه لمن المعيب التمييز بين الناس على أساس توجهاتهم الجنسية مؤكدة أنها تقدم أعمالها الفنية للجميع لا لفئات محددة.
وقد أضافت في برنامج “100 سؤال” مع الإعلامية رغدة شلهوب عند سؤالها عن الموضوع أننا في منطقتنا نعيش كذبة مع أنفسنا بحيث نعيش مع المثليين ونتعامل معهم ويقدمون لنا أفضل ما لديهم في مجالاتهم وعند الظهور على الإعلام نتنكر لذلك. وفي مقابلة لها مع مجلة “سيدتي” العربية أكدت مايا على احتضانها لابنتها وتقبلها لها في حال كانت مثلية الجنس.
من خلال هذه الخطوات والتصريحات طرحت مايا دياب نفسها كفنانة تهدف للوصول إلى قلوب المثليين وتوسيع قاعدتها الجماهيرية بحيث أكدت أنها تغني لكل الناس كما ادعت، على الرغم من تعرضها للعديد من الانتقادات والهجمات القاسية من معظم الصحافيين وخصوصًا “نضال الأحمدية” المعروفة بعدائها للمثليين والمثليات جنسيا.
كارول سماحة
جاءت الخطوة من قبل كارول بعد قرار القاضي ربيع معلوف الذي قضى بموجبه إبطال ملاحقة متحولين جنسيًا ومثليين ادُّعيَ عليهم استنادا للمادة 534 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تتذرع بها الأجهزة الأمنية اللبنانية لملاحقة أفراد مجتمع الميم. وهنا قامت كارول بإعادة نشر تغريدة تشجّع قرار القاضي معلوف مضيفة كلمتي Bravo “تحية” و Respect “احترام”.
أثارت تغريدة كارول الكثير من البلبلة والعديد من التساؤلات انطلاقا من مبدأ الخوف على مصلحة كارول ونجوميتها في المنطقة استنادا إلى رفض أغلبية شعوب المنطقة للهويات والميول الجنسية غير النمطية. بعد ذلك ظهرت كارول سماحة في برنامج “منّا وجر” وأكدت على دعمها للأشخاص المختلفين “عننا”، على حسب تعبيرها، وأن الاختلاف ليس بالضرورة أن يكون خطأ أو مرضا، أضاءت كارول في حديثها على قضية انتحار الأشخاص أصحاب الهويات الجنسية أو التوجهات الجنسية غير النمطية، وترى أن هذا الاختلاف هو ليس فعل اختيار كما أنه أمر طبيعي في المجتمع مؤكدة على حقهم في الحياة بكرامة وطمأنينة. وقد انتقدت عداء المثلية مشيرة إلى أنه ليس من الضروري أن يكون لديهم أصدقاء مثليين، عليهم احترام الآخر وحقوقه لا أكثر.
وتطرقت في حديثها بعد سؤالها عن دعمها لفكرة زواج المثليين أنها مع هذه الحقوق حتى النهاية ولا يمكن أن تكون حقوقا إذا كانت ناقصة، متحفظة على فكرة إنشاء أسرة وتربية الأطفال.
شمس
لطالما أثارت الفنانة الكويتية شمس الرأي العام بأفكارها وتصريحاتها النارية، حول مختلف جوانب حياة مجتمعاتنا في المنطقة وخصوصا فيما يتعلق بالأمور الدينية والجنسية، ومن هذه التصريحات دعمها للمثلية الجنسية مؤكدة على أن هذا الموضوع هو حرية شخصية، وأنها تحترم كل إنسان مهما كانت ميوله وتوجهاته الجنسية ولديها العديد من الأصدقاء المثليين والمثليات. وتضيف شمس أن المثلية في أغلب الحالات هي “لخبطة في الهرمونات”.
ميريام فارس
في حوار لها عام 2009 في برنامج “بدون رقابة” مع الإعلامية وفاء الكيلاني ردت ميريام على سؤال إذا ما كانت مع أم ضد إلغاء عقوبة الحبس على المثليين، فكان جوابها بأنها مع إلغاء هذه العقوبة لكنها توقفت عند مسألة “الحقوق” ورفضها لفكرة الزواج “لأنه لا معنى لها”.
نانسي عجرم
لم يأتِ دعم الفنانة اللبنانية نانسي عجرم من منطلق رد على سؤال في أحد البرامج أو تغريدة على تويتر أو صورة على فيسبوك، بل على عكس ما سبق جاء تصريح نانسي كتوضيح على أثر الإشاعة التي انتشرت بأن نانسي قامت بمنع أعلام ألوان الطيف في حفلها في السويد. التزمت نانسي الصمت لعدة أيام ومن ثم أصدرت بيانا عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي أكدت فيها على أن إزالة الأعلام تمت بقرار من منظم الحفل وليس منها أو من مدير أعمالها، وقد دفع هذا الحدث نانسي إلى الاستطراد في التوضيح لتأكد على احترامها لخيارات جميع الناس من دون تمييز خصوصا فيما يتعلق بالحياة الشخصية لأنه أمر يتعلق بالإنسان نفسه ولا علاقة لأحد آخر به ومن الواجب احترام ذلك. وقد أعربت في نهاية البيان عن أسفها للحيز الذي أخذه هذا الموضوع الذي أثّر على بعض أصدقائها المقربين، في إشارة منها إلى أن لديها أصدقاء مثليين مقربين منها وذلك للتأكيد على صحة كلامها واستنكارها، وختمت نانسي “أحب الجميع وأحترم الجميع وأكثر من ذلك لن أقول…” .
نجوى كرم
على إثر الضجة التي أحدثتها قضية “منع” نانسي أعلام ألوان الطيف في حفلها في السويد، صرّحت نجوى في كواليس كازينو لبنان أثناء إحيائها لحفلة عيد الأضحى حيث أكدت على أن كل إنسان حر في تصرفاته وليس لأحد دخل لاختيار وأحاسيس الآخرين مهما كانت. من جهة أخرى صرّحت كرم في أكثر من مقابلة عن رفضها للمساواة بين الرجل والمرأة حيث “لا تحب حقوق المرأة أن تزيد عن حدها” لأن ذلك خطرا عليها، لا بل تشجّع على تعنيف النساء أيضا.
منى هلا
تعتبر الممثلة المصرية منى هلا من الفنانات المثيرات للجدل بآرائها النسوية الصريحة ويبرز ذلك بوضوح من خلال منشوراتها، خاصة على تطبيق انستقرام. في مقابلة لها على إحدى القنوات المصرية صرّحت هلا بأنها ليست في موقع حكم على الأشخاص فكل إنسان حر في تصرفاته، وأن هذه الحالة أوجدتها الطبيعية وهي موجودة منذ قديم الأزل وأشارت إلى أن شخصية تاريخية كالإسكندر الأكبر الذي بنى مدينة الإسكندرية المهمة كان “مثلي” الجنس. وقد نشرت هلا صورا عديدة على انستقرام تعبّر من خلالها عن دعمها للأشخاص ذوي الهويات والتوجهات الجنسية غير النمطية، كما أبدت تضامنها وحزنها على حادثة إطلاق نار داخل ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو الأميركية عام 2016 التي راح ضحيتها حوالى 50 شخص وجرح حوالى 53.
ورد الخال
في مقابلة لها على قناة “تن” (TeN) صرّحت الممثلة ورد الخال عن تقبلها للمثليين والمثليات جنسيا مؤكدة على صعوبة تقبّل المجتمع لهم/ن وما يعانونه من صعوبات بسبب ذلك. في سياق الحديث أضافت أنها كانت على علاقة بشخص واردتها شكوك أنه مزدوج الميول الجنسية بأسلوب من السخرية والاستخفاف قائلة أنه “من الناس الذين لا يعرفون ما يردون”.
كما رأينا من خلال العرض أن الأسباب التي برر فيها المشاهير دعمهم/ن كانت من منطلق إنساني بحت يستند إلى أن هؤلاء الأشخاص هم جزء من المجتمع ولا يمكن تجاهلهم/ن بل ذهب البعض إلى التأكيد على “طبيعية” هذه “الحالة” فهي موجودة منذ الأزل ومن صنع الطبيعة، في حين اتخذ البعض الموقف المحايد، رافضا محاسبة الناس على أفعالهم التي لا شأن لأحد فيها انطلاقا من مبدأ خصوصية الحياة الشخصية.
من أبرز الأسباب التي شجعت الفنانات/ين على التصريح بهذه المواقف الثورة الكبيرة في السوق التجاري الفني الذي أصبح اعتماده الأساسي على موقع يوتيوب بالإضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية الأخرى، مما حرر الفنان من قيود البيع بالإضافة إلى العلاقة شبه المباشرة مع الجمهور نتيجة هذا التطور مما أضعف قوّة الدور الرقابي السلطوي بشكل كبير.
وإذا أردنا مقاربة الموضوع من ناحية تقاطعية نقدية تساعدنا على رؤية الصورة الأكبر، والتي تتمثل في محاولة خلق نوع من البروباغندا حول الفنان/ة وتسليط الضوء عليها وجعلها مادة دسمة للإعلام والمجتمع، من الممكن جدا أن يكون هذا الشق أو هذا الهدف واردا عند البعض، خصوصا ما يتبع هكذا تصريحات من ضجة على الصعيد الفني والإعلامي والجماهيري، ولكن أليس ما سيكسبه أي فنان أو فنانة هو أقل بكثير مما سيخسره نتيجة تطرقه لمثل هذا الموضوع! هنا نتوقف عند الحادثة التي وجدت نانسي عجرم نفسها متورطة فيها، حيث تناول الموضوع الصحافي ايلي باسيل، ضمن الموضوعات التي يتناولها عن الفنانيين وفضائحهم عبر خاصية الفيديو الحي (live) في تطبيق انستقرام، ليتحدث عن رقي ولطافة نانسي وحبها للمثليين وفي معرض حديثه، استنكر هذه الشائعات نظرا لأن المثليين، على حد قوله، هم القاعدة الجماهيرية الأساسية لأي فنانة أو فنان، ولا يعلو ويسطع نجم أي أحد في عالم الفن والغناء بدون دعمهم وجماهيريتهم، ويذكر عدة أسماء أخرى لفنانات يدعمن المثليين لم يكن لهن موقف علني من الموضوع.
في الختام وبعد محاولة تحليلنا للأسباب التي دفعت بعض المشاهير من الفنانات/ين إلى مناصرة حقوق المثليين وإظهار الدعم العلني أو حتى الوقوف على الحياد من هذه القضية، لن نستبعد أي من السببين الذين قد دفعا الفنانات/ين لتبني هذه المواقف بحيث أنه وبلا شك قد وصل هؤلاء الفنانات/ين ومن خلال تواجدهم في المجال الفني إلى أن المثليين/ات أو أي فرد من مجتمع الميم هو إنسان طبيعي مثل أي إنسان آخر، إلّا أن تصريحات البعض منهم العدائية والعنصرية تجاه مواطنين من جنسيات أخرى ومناهضة حقوق النساء والتشجيع على العنف والتزام النساء بمعايير المؤسسة الأبوية تزيد من الشك وتخلق نوعا من الالتباس حول المفاهيم الإنسانية وادعاء أن دعم المثليين/ات هو على أساس إنساني بحت، بالإضافة إلى انتقادنا ربط هذا الدعم والتقبّل العلني بمدى إنتاجية الفرد المثلي، أي الصورة النمطية أن كل “مثلي هو مبدع”، حيث أن هذا التقبل هو تقبل مشروط يزيد من شكنا حول “براءة” وإنسانية هذه المواقف.